أكد المشاركون في ندوة «العولمة والتنمية: تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على المساعدات الإفريقية»، على ضرورة التعاون البيني وتبني خيار التآزر والتعاون الإقليميين تعاون مطلوب حتى لا تبقى القارة رهينة للمساعدات الدولية وموضوع منافسة بين الأقطاب العالمية، بل طرفاً في معادلة التحولات التي يشهدها العالم، مشددين على أن ازدهار إفريقيا لا بد أن ينطلق من ترابها، من خلال رسم استراتيجيات مشتركة ومكافحة الفساد وتبني الحكامة الجيدة، والسعي إلى حل المشاكل من دون انتظار أن تفرض الحلول من الخارج. وتميزت الندوة بمداخلة ألقيت نيابة عن فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية، الذي تعذر عليه الحضور إلى مدينة أصيلة المغربية للمشاركة فيها، وهي الندوة المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الواحد والثلاثين، والتي أنهت أشغالها أخيرا. وكان السنيورة وجه رسالة اعتذار في الجلسة الافتتاحية للندوة، معتبرا أن الظروف الصعبة التي يمر منها لبنان حالت دون قدومه إلى أصيلة. وقال في مداخلته إن الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة كشفت الخللَ القائمَ في النظام الاقتصادي العالمي، والذي فتح المجال لشريحة من المصرفيين والمضاربين والمستثمرين العالميين، في ظل سياسات نقدية ومالية غير منضبطة ورقابة غير فاعلة وغير منسقة، لكي تتسبب في أزمة مالية عالمية نتج عنها ركود اقتصادي عالمي. وأوضح أن انهيار السوق العقاري في الولاياتالمتحدة أدى إلى كشف تراكم من الاختلالات، حيث أظهرت الأزمة كيف تمادى عددٌ كبيرٌ من المصارف في منح القروض العقارية، غاضة الطرف عن الجدوى وكذلك عن معايير الجودة الائتمانية، فكانت لتلك الممارسات عواقب وخيمة على القطاع المصرفي ونوعية موجوداته، إذ انتقلت الأزمةُ الماليةُ العالميةُ من القِطاع المصرفي والمالي في الدول المتقدمة لتنال من اقتصاداتها، وبالتالي من اقتصادات الدول النامية. وزيرة خارجية غينيا بيساو سابقا، ماريا نوبري كابرال، في الجلسة الثانية من الندوة، اعتبرت من جهتها أن حجم الأزمة وطبيعتها العالمية يدعوان إلى مزيد من التنسيق بين السياسات الاقتصادية في إفريقيا، مشددة على أهمية تعبئة الجهود الدولية من أجل ربح الرهان، ومسجلة في هذا السياق أن خدمة الدين تعرقل تحقيق أهداف الألفية للتنمية. ونبهت إلى أن المساعدات الدولية من أجل التنمية ليست صدقة بل واجبا يمليه الالتزام باحترام الحقوق الأساسية للإنسان. من جهته، ذهب محمد بن عيسى إلى أن المؤشرات الراهنةُ لا تبشر بخير، معتبرا أن اقتصاديات الكثير من الدول النامية الهشَّة أصلا، أصِيبَتْ في الصميم. والمشكلة أنها لا تجد من تشكو إليه يقول بن عيسى، مضيفا أن الكل يتعاملُ مع «الجائِحَة المالية» حسب وسائل المقاومة والمناعة الذاتية المتوفرة لديه. والمثيرُ حقاً، أن يَعْجِزَ القويُّ والضعيفُ ومن يقع بينهما، عن التنبؤ بما ستسُفر عنه الأزمة على المدى القريب والمتوسط. إنها أول أزمة كونية مشتركة ومُعَوْلَمة يعيشها العالم المعاصر، حيث أصبح الناس يتساءلون عن أساس الحياة، أي لقمةِ العيش». فتح الله ولعلو، وزير المالية السابق، اعتبر بدوره أن تحسين الموقع التفاوضي للبلدان النامية، يفرض منها أن تنخرط في منطق الإصلاحات المؤسسية والاقتصادية بهدف تحسين شروط الحكامة والتدبير الداخلي، ودعا إلى ألا تبقى الدول الإفريقية مرادفا للبؤس والفقر، معتبرا أن هذه الأزمة كبيرة وستكون لها آثار ومخلفات ونتائج عميقة تمس مجريات القرن الواحد والعشرين. وفي نفس المنحى ذهب فور غناسينغبي، رئيس جمهورية الطوغو، في كلمة ألقاها بالنيابة عنه وزير خارجية بلاده، كوفي إساو، حيث اعتبر أن «العالم يمر بأزمة خطيرة، لعلها الأخطر في تاريخه المعاصر، من جهة أنها فريدة من نوعها، من حيث أسبابها وتداعياتها». وأشار غناسينغبي إلى أن «البلدان النامية لم تكن سببا في الأزمة، التي تتصل بأزمات أخرى خطيرة، من قبيل أزمة الغذاء وأزمة الطاقة، والتغيرات المناخية، الشيء الذي أثر في اقتصاديات هذه البلدان، وخاصة بعد تقلص المعونات المالية، وهو ما يحول دون تحقيق الأهداف التنموية، الشيء الذي سينعكس على سوق الشغل وارتفاع نسبة البطالة، وسيساهم في تقلص الصادرات وتراجع تحويلات المهاجرين والاستثمارات الأجنبية، مع ما يترتب عن ذلك من تقلص المخصصات المكرسة للتربية والتكوين والصحة، وتنامي المديونية». واقترح غناسينغبي جملة حلول للخروج من الأزمة الحالية، على مستوى القارة الإفريقية، بشكل خاص، تتمثل في تشجيع التجارة البينية بين البلدان الإفريقية والاستثمار في الميدان الزراعي وتنفيذ مشاريع مشتركة في ميادين البحث العلمي والصناعة، وتحقيق تكامل يؤسس لسوق إفريقية مشتركة، مع التشديد على الحكامة الجيدة في التدبير والتسيير، مشددا على دور البلدان المتطورة في مساعدة إفريقيا لحل مشاكلها الاقتصادية والسياسية.