يعيش عدد مهم من الطلبة المغاربة بالجامعات الإيطالية محنا ومعاناة كبيرة، تبدأ بمشاكل إدارية معقدة، وتنتهي بأخرى اجتماعية مرتبطة أساسا بالسكن وبمصاريف شهرية تثقل كاهلهم وتجعلهم يقبلون العمل في أي شيء لتغطيتها. فهم رغم عددهم القليل الذي لا يتجاوز العشرة آلاف، يحتلون المرتبة الثالثة من حيث عدد الطلبة الأجانب بإيطاليا بنسبة تفوق 20 في المائة وراء الطلبة الألبان والرومان المنتشرين في أغلب الجامعات بإيطاليا بنسب مرتفعة ساهمت فيها اتفاقيات وقعتها دولهم مع إيطاليا. ويفضل غالبية الطلبة المغاربة الدراسة بجامعات الشمال الإيطالي وبشكل خاص بمدن ميلانو، فيرونا، تورينو، بلونيا، وجنوة، إضافة إلى فلورنسا، وذلك لتوفر الجهات المتواجدة فيها على العمل الذي يساعدهم، بعد الدراسة، على جلب يوروهات تقيهم قسوة وبرودة حياة المهجر، وتخفف عنهم تجاهل المسؤولين بالقنصليات المغربية لمشاكلهم التي تنحصر عادة في استخراج وثائق إدارية تمكنهم من الحصول على المنح الدراسية وسكن بالمجان من المؤسسات التعليمية الإيطالية التي يدرسون فيها. قبل أيام اتصل بي ياسين (25 سنة) وهو طالب مغربي يدرس علوم الاقتصاد والتسويق بجامعة روما، ليكشف لي معاناته مع القنصلية المغربية هناك، التي رفضت أن تمنحه وثيقة إدارية بسبب جهلها بماهيتها وتفاصيلها. الوثيقة يطلق عليها الإيطاليون اسم «الريديتو أنوّالي» وهي شهادة تثبت الدخل السنوي للمواطن ومدى فقره وحاجته أو غناه. وبدون هذه الشهادة، التي طلبتها إدارة الجامعة من الطالب المغربي ياسين، لن يتمكن هذا الأخير من الحصول على منحة تساعده على الدراسة وعلى تكاليف الحياة خصوصا أنه يعيش لوحده بعيدا عن أهله وأقاربه المتواجدين بالمغرب. قبل رفض طلبه من طرف القنصل المغربي بروما، كان لياسين لقاء بموظف بالإدارة المغربية نفسها الذي أكد له ضرورة قيام ولي أمره، الذي لم يكن إلا أمه، بإرسال شهادة عن دخلها السنوي بالمغرب إن كانت تعمل ولها مصادر مالية تعيش منها، أو شهادة الاحتياج إن كانت غير ذلك مختومة وموقعة من الإدارة المغربية التي سحبت منها. وفعلا جلب الشاب المغربي الوثيقة كما قيل له ليفاجئه المسؤول نفسه بالقول: «لا أعرف ما هي وثيقة الريديتو أنوّالي، أطرق باب القنصل ربما قد يعرفها». التجأ ياسين إلى القنصل لينتظره طويلا أمام مكتبه قبل أن يخرج إليه هذا الأخير ويرفض طلبه وتسليمه وثيقة بسيطة مبنية على شهادة الاحتياج التي أرسلت إليه من المغرب، تثبت لإدارة جامعته بروما أحقيته في الحصول على منحها المالية خصوصا وأنه طالب مجد تفوق حتى على زملائه الإيطاليين بنقاط جد عالية. لم يجد الطالب ياسين إلا لغة الاحتجاج ليرد عليها القنصل المغربي وموظفوه بلغة الطرد والتهديد والإهانة. معاناة ياسين كانت تتكرر بشكل فظيع بقنصلية بولونيا التي يعتبرها الطلبة المغاربة بجهة إيميليا رومانيا إدارة لا منفعة منها، لأنها، حسب رأيهم، لا تخدم مصالح الطالب المغربي وأن المسؤولين عنها، بمن فيهم حتى القنصل، خارج التغطية ويجهلون قوانين ولغة البلد المضيف. هناك من الطلبة من ذهب أبعد من ذلك ليصرح ل «المساء» قائلا: «لا يعقل أن يجهل القنصل وموظفوه اللغة الإيطالية وقوانين هذا البلد، لهذا أطالب وزارة الخارجية بأن تعتمد على الطلبة المغاربة المتخرجين من الجامعات الإيطالية لتعيينهم كقناصلة وموظفين بقنصليتها بإيطاليا حتى تتغير الصورة».