أوضاع «اليمن السعيد» لا تبعث على السعادة على الإطلاق، بل على الخوف والاكتئاب في الوقت نفسه، فالتمرد الحوثي مستعر في الشمال (في صعدة)، والحراك في الجنوب يهدأ ليشتعل مجدداً، أما تنظيم «القاعدة» فرع الجزيرة العربية فقد عزز وجوده بشكل لافت للنظر في الأشهر الأخيرة. القوات الحكومية تشن هجوماً كاسحاً منذ ثلاثة أيام ضد التمرد الحوثي، تستخدم فيه الطائرات والدبابات، وكأن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد عقد العزم على استخدام كل ثقله العسكري للقضاء على الحوثيين مرة واحدة وإلى الأبد، بعد أن فشلت جميع الاتفاقات السابقة على وقف إطلاق النار. الحوثيون، مثلما يتردد، يريدون إعادة الحكم الإمامي إلى اليمن، وتأكيد العمق الشيعي للمذهب الزيدي الذي يعتبر أكثر المذاهب الشيعية قرباً إلى السنة، الأمر الذي يثير حفيظة الحكومة المركزية لخوفها من حدوث حرب أهلية طائفية في البلاد، على غرار ما يحدث في العراق، تفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية. بعض التقارير الإخبارية تتحدث عن وجود دعم إيراني للتمرد الحوثي، وهي تقارير نفاها السيد عبد الملك الحوثي، القائد الميداني للتمرد، أكثر من مرة. ولكن تمرداً بمثل هذا الحجم من الصعب أن يستمر طوال السنوات الماضية دون وجود بعض الدعم من هنا أو هناك. ميزان القوى العسكري ليس في صالح التمرد الحوثي، فالقوات الحكومية ذات التسليح الحديث والعتاد المتطور من طائرات ودبابات ومدفعية، ناهيك عن التدريب المتطور، تظل صاحبة اليد العليا في المواجهات، وقد تستطيع السيطرة على بعض المناطق في صعدة بسبب ذلك، ولكن هذه السيطرة ربما تكون مؤقتة، لأن الجيوش التقليدية لا تستطيع الحفاظ على إنجازاتها على الأرض في حروب العصابات لفترة طويلة. وهذا ما يفسر إعلان الحكومة اليمنية عرضاً مشروطاً بوقف الحرب. الشروط الحكومية الستة لوقف إطلاق النار تبدو مألوفة، لأنها كانت مطروحة في مفاوضات سابقة بين الطرفين المتحاربين، مثل انسحاب الحوثيين من كل مناطق صعدة، وإزالة جميع حواجز التفتيش التي تعيق حركة المواطنين، والإفراج عن الرهائن الأجانب المختطفين، علاوة على إعادة معدات عسكرية جرى الاستيلاء عليها، وأخيراً تسليم المسؤولين عن خطف تسعة أجانب وقتل اثنين منهم. قيادة التمرد الحوثي رفضت هذه الشروط، ونفت احتجاز أي مدني، ولكن هذا الرفض متوقع، فالوسطاء لم يبدؤوا بعد التدخل لحقن الدماء، وتحقيق الهدنة المأمولة التي هي من مصلحة جميع الأطراف، ولن يكون غريباً أو مفاجئاً إذا ما سمعنا عن تجديد الوساطات القديمة، والقطرية منها على وجه الخصوص، إذا ما أبدى الطرفان رغبة في تجديدها. يبدو أن هناك مخططاً لاستنزاف اليمن وتفتيت وحدته الداخلية، يتخفى تحت ذرائع عديدة، وحدوث أخطاء أو سوء تقدير من قبل الحكومة المركزية، ساهم بلا شك في إنجاح بعض فصوله. من الصعب طرح حلول، أو تقديم نصائح، فبواطن الخلل معروفة وواضحة للعيان، أبرزها تآكل الديمقراطية اليمنية، واستفحال الفساد، وغياب الشخصيات السياسية القوية من دائرة الفعل القيادي الحكومي. المخرج من هذه الحرب يكمن في اقتناع الحكومة المركزية بأنها لن تنجح في إنهاء التمرد الحوثي بالوسائل العسكرية، وتوصل قيادة التمرد إلى قناعة بأنها لن تستطيع هزيمة الدولة وفرض شروطها. عندما يصل الطرفان إلى هذه القناعة يمكن التوصل إلى تسوية تلبي مطالب الطرفين اللذين يتحتم عليهما تقديم تنازلات لبعضهما البعض من أجل مصلحة اليمن العليا.