ما سر حماس الرسميين المغاربة الزائد وهم يتحدثون هذه الأيام حول مصالح الجالية المغربية المقيمة في الخارج؟ وهل صحيح أنهم لم يعودوا ينظرون إلى هذه الجالية كمصدر للعملة الصعبة وإنما كأداة مشاركة في التنمية المحلية أم إن تراجع تحويلات أفراد الجالية المغربية وقرار بعضهم الفرار إلى المغرب هربا من لهيب الأزمة الاقتصادية العالمية طير النوم من عيون والي بنك المغرب وجعله يقرع ناقوس الخطر؟ اهتمام المغرب بأياديه العاملة جعله يخلق مؤسسات كثيرة لمراقبة ومتابعة هذه الصناعة المغربية الثقيلة التي تعتبر أول مدر للعملة الصعبة على خزينة الدولة. وهكذا، خرجت إلى الوجود الوزارة المكلفة بالجالية المغربية وعلى رأسها عبد السلام عمور، صاحب برنامج «بلادي عنواني»، والذي من بين مهامه الأساسية وضع برامج وطنية لمرافقة المهاجرين المغاربة خلال فترة وجودهم بالمغرب وتسهيل قضاء مهامهم الإدارية وحصولهم على قروض السكن وغير ذلك. وإلى جانب الوزارة، نعثر على مؤسسات أخرى لديها نفس أهدافها، وتقريبا نفس برامجها؛ ومنها مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج التي يترأسها سفير المغرب بمدريد عمر عزيمان، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن التي تسيرها مستشارة الملك زليخة نصري، والمجلس الأعلى للمغاربة المقيمين في الخارج الذي يوجد على رأسه إدريس اليزمي. دون أن ننسى، طبعا، مرصد الجالية المغربية المقيمة بالخارج التابعة لمؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج. ألم يقل «جورج كليمونصو» إنك إذا أردت أن تتخلص من مشكلة فما عليك سوى أن تخلق لها لجانا. ويبدو أن وزير الهجرة عبد السلام عمور ومولاي محمد العراقي، والي ديوان المظالم، قد فهما هذه المقولة جيدا. ولذلك سارعا قبل شهر إلى توقيع اتفاقية في الرباط لخلق أرضية مشتركة لتلقي شكايات المهاجرين ومظالمهم، خصوصا منها الإدارية، والإنصات لها وحلها في أقرب الآجال. ومن غريب الصدف أن هذه الأهداف النبيلة، التي من أجلها تم توقيع الاتفاقية بين وزارة الهجرة وديوان المظالم، هي نفسها الأهداف التي من أجلها خرجت إلى الوجود مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين المغاربة المقيمين في الخارج، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، والمجلس الأعلى للمغاربة المقيمين في الخارج، ومرصد الجالية المغربية المقيمة بالخارج. فجميع هذه المؤسسات ترفع شعار تلقي شكايات ومظالم المهاجرين المغاربة وحل مشاكلهم الإدارية والقضائية. فكيف تستطيع كل هذه المؤسسات، التي خلقت من أجل سواد عيون المهاجرين المغاربة، أن تقوم بوظائفها التي من أجلها تم تأسيسها دون أن تتداخل أو «تتصاطح» سلطها ومهامها في ما بينها؟ لكي نفهم هذه الشهية المفتوحة لخلق المؤسسات والوزارات والمجالس حول القضية الواحدة، يجب أن نرجع قليلا إلى الخلف، وبالضبط إلى سنوات التسعينيات التي كان فيها إدريس البصري يخرج ويخفي المجالس مثلما يصنع الساحر في قبعته. في تلك التسعينيات تأسس مجلس اسمه المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي من طرف الحسن الثاني، وأسند رئاسته إلى إدريس الضحاك بينما أسند كتابته العامة إلى محمد الودغيري. وهكذا، وجد إدريس البصري، الرجل القوي الثاني في المملكة ووزير الداخلية والإعلام، نفسه مجرد عضو في المجلس. وطبعا، لم يهضم الصدر الأعظم هذا المنصب الصغير الذي لا يليق بمقامه. فجاءته فكرة عبقرية في لحظة صفاء «داخلي» (من الداخلية وليس الدواخل)، وقرر إحداث لجنة داخل هذا المجلس اسمها «اللجنة المنبثقة من المجلس الاستشاري للحوار الاجتماعي المكلفة بمتابعة الحوار الاجتماعي». وطبعا، أسند إدريس البصري رئاسة هذه اللجنة إلى نفسه، وهكذا أصبح الضحاك، الذي كان رئيسا، مجرد موظف تحت إمرة البصري. ومن كثرة ما تم اللجوء إلى تطبيق مقولة «جورج كليمونصو» في آخر أيام حكم الحسن الثاني، أصبح إدريس البصري كلما طلب منه الملك التصدي لظاهرة سلبية في المجتمع إلا ولجأ إلى إحداث لجنة لمتابعتها. وعندما أرسل الحسن الثاني رسالته الشهيرة في آخر أيامه حول انتشار القمامة في شوارع المملكة إلى وزير الداخلية، عوض أن يسارع إدريس البصري إلى تطبيق مضامينها وتجنيد مصالح وزارته لتخليص الأزقة والشوارع من القمامة والأوساخ، وضع الرسالة جانبا وسارع إلى تأسيس «لجنة لمتابعة مضامين الرسالة الملكية». مات الحسن الثاني ومات إدريس البصري والقمامة، كما ترون، لازالت تملأ الشوارع والأزقة. المغرب لديه جالية مقيمة في الخارج يصل عددها إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة. وهؤلاء المهاجرون منتشرون في كل قارات العالم، ويمكن أن تعثر عليهم حتى في أصغر الجمهوريات التي لا وجود لها على الخارطة. ومع ذلك، لازالت كل هذه المؤسسات التي خلقت من أجلهم تخاطبهم بالعربية والفرنسية. ففي لاوعي القائمين على هذه المؤسسات لا توجد هجرة مغربية خارج فرنسا، ولذلك نجد أن أغلبية أعضاء المجلس الأعلى للجالية هم من مهاجري فرنسا، علما بأن المغاربة يوجدون أيضا بكثرة، اليوم، في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وأمريكا وكندا. والمهاجرون المغاربة في إسبانيا وإيطاليا هم الأكثر حاجة، اليوم، إلى الاستماع إليهم، فهم المهددون، أكثر من غيرهم، بالطرد والترحيل. وفي إسبانيا، هناك اليوم قانون سيدخل حيز التطبيق يسمح للأمن الإسباني بمباغتة المهاجرين الحاملين للجنسية الإسبانية في بيوتهم للتأكد من استمرارهم في العيش مع زوجاتهم أو أزواجهم الإسبان تحت سقف واحد. وفي حالة انعدام الحياة الزوجية، فإن السلطات الإسبانية يصبح من حقها استرداد جنسيتها الإسبانية وجواز السفر الإسباني وطرد حامله إلى المغرب، حتى ولو كان حاصلا عليه قبل سنوات. أما بالنسبة إلى المهاجرين المغاربة الذين يتوفرون على بطاقات الإقامة وعلى تصريحات بالعمل، فإنهم سيصبحون مهددين بالطرد إلى المغرب في حالة عدم عثورهم على عمل داخل أجل محدد. وهكذا، فإن الطرد من التراب الإسباني لم يعد يشمل فقط المهاجرين السريين بل أيضا المهاجرين القانونيين. وعندما فشلت سياسة الجزرة التي وضعها «زباطيرو» الرامية إلى إقناع المهاجرين المغاربة بأخذ حفنة من الأوروهات والعودة إلى بلدهم، فإنه الآن يلجأ إلى سياسة العصا «نيشان». أما في إيطاليا، فقد أخرج الفضائحي «برليسكوني» قانونا جديدا يسمح للمواطنين الإيطاليين بتشكيل فيالق مدنية لتعقب المهاجرين والوشاية بهم إلى رجال الأمن. ولحسن الحظ، فإن برلسكوني لم يسلح هذه المليشيات بالمسدسات والبنادق وإلا لعادت إيطاليا إلى زمن «الألوية الحمراء». وفي الوقت الذي لازالت فيه وزارة الخارجية المغربية بدون سفير للمغرب في روما، نكتشف من خلال تقرير لمنظمة العمل الدولية أن 1000 مهاجر مغربي يعاملون معاملة العبيد في الجنوب الإيطالي. وطبعا، فهؤلاء العبيد المغاربة الجدد لا يدخلون ضمن دائرة اهتمام هذه المؤسسات الرسمية التي تتغزل في الجالية المغربية المقيمة بالخارج، رغم أن هؤلاء «العبيد»، كما سمتهم بذلك الصحافة الإيطالية، يرسلون شهريا حوالات بالعملة الصعبة إلى عائلاتهم بالمغرب. القصور الذي يعتري نظرة هذه المؤسسات ووزارة الهجرة ووزارة الخارجية إلى تنوع الجالية المغربية المقيمة بالخارج لا يقف عند حدود الجهل بمعاناتها ومآسيها في أوربا وأمريكا، بل هناك تجاهل مطبق لنوع آخر من الجالية المغربية المقيمة في بعض الدول الإسلامية؛ وكمثال على ذلك نذكر تجاهل الخارجية المغربية لمصالح الطلبة والعمال المغاربة المقيمين في إيران. ومنذ سحب السفير المغربي من طهران، لم يعد الطلبة والعاملون المغاربة في قناة «العالم» والكثير من المغاربة والمغربيات المتزوجين في إيران يجدون مكانا يمثل بلادهم لتسجيل مواليدهم أو لتجديد وثائقهم الإدارية. ولعل الوقت قد حان لكي تفكر الخارجية المغربية في فتح ما يسمى بمكتب «رعاية المصالح» في طهران، مثلما تصنع مصر مثلا، حرصا على مصالح الجالية المغربية المقيمة في إيران. والشيء نفسه بالنسبة إلى الجالية المغربية المقيمة في الكويت، والتي تعاني من مشكلة اسمها «البطاقة الأمنية» والتي تحتاج إلى حضور الموظف المسؤول عن أخذ البصمات، والذي يوجد منذ أربعة أشهر في قطر. وقد اقترح أفراد الجالية المغربية هناك التكلف بدفع مصاريف هذا الموظف لكي يحضر إلى سفارة الكويت لإنجاز المطلوب، لكن طلبهم قوبل بالرفض من طرف السفير المغربي في قطر. وبسبب ذلك، لم يستطع هؤلاء المغاربة المقيمون في الكويت استصدار جوازات سفرهم، وبالتالي لم يتمكنوا من تسجيل أبنائهم في المدارس. يبدو أن كل هذه المؤسسات والمجالس التي تعنى بشؤون الجالية المغربية المقيمة في الخارج لم تستطع حل هذه المشاكل البسيطة والتافهة بمفردها. ولذلك فالحل، على رأي «جورج كليمونصو»، هو إحداث لجنة خاصة للانكباب على دراستها وإيجاد الحلول المناسبة لها. «ما تعرف تصدق».