أعلنت إحدى الفضائيات التلفزيونية التونسية الخاصة أنها ستشرع، خلال شهر رمضان المقبل، في تقديم «النسخة المغاربية» من برنامج المسابقات «من سيربح المليون؟». وإذا كانت هذه النسخة قد تأخرت في ظهورها بسنوات عن مثيلتها المشرقية فإنها عرفت كذلك تقليصا في جائزتها الكبرى بنسبة خمسين في المائة، بحكم أن هذه الجائزة، كما أعلنت عن ذلك إدارة القناة التونسية، لا تتعدى خمسمائة ألف يورو: ربما بحكم أن البرنامج صار «قديما» ونزلت حقوق شرائه، لدى الشركة البريطانية التي وضعت تصوّره، بالنسبة نفسها أيضا. وحسب إعلان تنشره الصحف هذه الأيام، فإنه سيقوم بتنشيط البرنامج أحد الممثلين المغاربة، وذلك تطبيقا لشعار القناة الذي يقول إنها «قناة المغرب العربي». وفعلا، فالملاحظ أن الإعلام العمومي المغربي، بمجمله وبقنواته العديدة التي يشاهدها أو لا يشاهدها أحد، لم يعد يرى أبعد من أنفه، وصار أقصى طموحه هو أن يشاهده أولاد البلاد فقط، ها العار، فأحرى أن يطمح إلى جلب مشاهدين من خارج الحدود (ولذلك دخل بنا عصر شراء المسلسلات المكسيكية رخيصة السعر في السوق ودبلجتها إلى لغة السوق). هذا رغم أن بإمكان تجربة التعددية السياسية بالمغرب وما تعرفه البلاد من مخاض ديمقراطي وحرية نسبية في التعبير على مستوى الصحافة المستقلة أن يشكلا أرضية خصبة لإعلام «مختلف» قادر على الوصول إلى المشاهد المغاربي بفعالية أكبر. وقد أدلى الرئيس المدير العام للقناة التونسية بتصريح هام جدا لجريدة «الصباح» (المغربية، وليس التونسية) قال فيه معلومة جديدة تماما هي أن القناة لم تكن لتظهر حيث ظهرت لولا أنه «لا يوجد تضييق على الحريات في تونس»، والدليل على ذلك، بحسبه، هو أن هذا البلد هو «الفضاء المغاربي الوحيد الذي يتسع لقناتين تلفزيونيتين تابعتين للقطاع الخاص» (لعله يلمز هنا من قناة «الهاكا» التي رفضت الترخيص لقناتين تلفزيونيتين خاصتين ببلادنا)، إضافة إلى أن السلطات التونسية سمحت بمشاركة مالية أجنبية في رأسمال قناته، من قبل مجمع «ميديا سات» الإيطالي (لم يقل مدير القناة إن هذا المجمّع مملوك لرئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني). وفعلا، فكل الذين تابعوا هذه القناة اكتشفوا أنها تتمتع ب«حرية مطلقة» في بث البرامج والمباريات الرياضية والمواد الترفيهية المختلفة المتمثلة في استضافة نجوم الفن والرياضة على مستوى المغرب العربي، علاوة على «بث أحدث أفلام الكوميديا والدراما والتشويق المغاربية والمصرية والهندية والأمريكية، إضافة إلى أشهر المسلسلات الأمريكية الأكثر مشاهدة في العالم». وبطبيعة الحال، فإن «الحرية» التي يتحدث عنها مدير القناة التلفزيونية التونسية لا تخرج عن نطاق الرياضة والترفيه؛ وهو أمر ينبغي ألا ننزعج له بالركون إلى «آراء بالية» من قبيل أن اللجوء إلى «الرياضة والترفيه» في التلفزيون هو خيار الأنظمة الدكتاتورية وأن تلفزة الأنظمة الديمقراطية تضع على عاتقها المساهمة في تثقيف مواطنيها وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم وفتح المجال أمام حرية التعبير والتعددية الثقافية واختلاف الآراء؛ فهذه التلفزة غير موجودة في بلداننا المغاربية على الإطلاق، وكل متابع للقنوات العمومية (والخاصة) في هذه البلدان لا يمكنه أن يلمس اختلافات جوهرية بينها، حيث تعتمد كلها على الرياضة و«الترفيه» الذي يتمثل، خاصة، في المسلسلات المكسيكية والتركية والصينية المدبلجة والأفلام الهندية و»للا لعروسة» و«استوديو دوزيم» وما شابه. لذلك، ما دام الأمر على ما هو عليه، وبحكم تعثر الوحدة المغاربية على المستوى السياسي، لماذا لا يتم الشروع في هذه «الوحدة» انطلاقا من «نموذج» التلفزيونات المغاربية التي حققت هذه الوحدة بصمت وهدوء، ومنذ أمد طويل؟