يوجد سحر كبير في التسليم بالوضع القائم والإغراء كبير للسير في حشد الإجماع. فهذا يجعلك جزءا من المعسكر. تصبح واحدا من أولئك ممن يهزون الرأس، ويقبلونك كواحد لا يخرق السكينة الموهومة ولا يحطم الوهم الحلو، وكأني بنا نفعل الأمر السليم. من يجري حساب اللحظة، سيفضل ذلك، هذا مريح، هذا متزلف للناس، هذا يتلقى استجابة صحافية طيبة، هذا لا يثير المعارضة وهو فوري أيضا. ولكن من يختار إجراء حساب الأجيال القادمة، فلا مفر أمامه غير تحطيم الإجماع وقول الحقيقة. وقول الحقيقة معناه تحطيم الحلم والسبات وفرض الحاجة إلى إجراء حساب للنفس– وإن كان فيه بالضرورة انتقاد على الأفعال وعلى الأشخاص على حد سواء. رغم الحل الوسط الذي تحقق أمس بين باراك ومعارضيه، فليس لحزب العمل ما يبحث عنه في حكومة اليمين، باستثناء ترتيب العمل لوزرائه. الانخراط في هذه الحكومة اليمينية ليس سببا كافيا للتحلل النهائي من كل القيم. منذ التحول السلطوي الذي خسر فيه العمل الحكم، لم ينجح الحزب في أن يستعيد إليه الجمهور لكونه لم يعرض رؤيا يؤمن بها واستعدادا للكفاح في سبيلها. وبدلا من ذلك بحث العمل عن حلول سحرية مؤقتة، وخلق المرة تلو الأخرى وهما في أنها ستعيده إلى الحكم. ولكن انعدام وجود رؤيا وهجر القيم والوعود جعل العمل ساحة مناكِفَةٍ شخصية دائمة حتى انعدمت القوى وفقد على نحو مطلق التأييد الجماهيري. لقد اختفى العمل من الميدان. وعندما تصعد إلى جدول الأعمال مواضيع مثل الفساد العام المستشري، العفن في جهاز الحكم، السيطرة المتعاظمة للمال على المجتمع، فإن أحدا لا يسمعه ولا يراه. وعليه، فلا غرو في أن الشباب لا يندفعون نحو صفوفه. على حزب العمل الحقيقي أن يطلق صوته العالي والجلي ضد رجعية اليمين وأن يقدم نفسه كبديل سوي العقل، ديمقراطي، ليبرالي. على قدر أمل الجمهور اليائس. حزب العمل الحقيقي ينبغي أن يقول لا كأمر مفهوم وواضح، لحكومة ليبرمان ونتنياهو. حزب العمل الحقيقي يجب أن يطلق صوته ضد سياسة القوة في مجالات العنف ضد الفقراء والضعفاء، ضد الأقليات، ضد الأجانب، ضد المتقاعدين، ضد المعلمين، ضد كل ما يعتبر إنسانيا. فقط عندما يفهم الجميع بأنه حان الوقت لحساب عسير وحقيقي للنفس لاستيضاح أسباب الفشل، وأن العملية التجميلية لن تجدي في معالجة مرض عضال، ستكون نهضة وسيكون تجدد. طالما لم نفهم بأن وعد الجمهور معناه حلف تعاقدي ملزم لن يصدقونا، حتى لو كنا نقول الحقيقة. لا يوجد أي معنى للبقاء في الحكومة بهدف وجود الحكومة، بل فقط بالنسبة إلى من لديه الوقاحة، لأن يعرض تنازلا إيديولوجيا كإنجاز سياسي. وفرة المناصب التي عرضت على العمل هي الدليل الأكثر وضوحا على أن الحزب باع نفسه مقابل الرواتب والمناصب. كل من انجرَّ خلف الخط السياسي لنتنياهو، يعلون، بيني بيغن، قادة شاس والبيت اليهودي يصدر لنفسه شهادة وفاة. الافتراض بأن العمل سيؤثر من الداخل ليس سوى وهم. في الواقع، هذا إفلاس أخلاقي وفكري. النتيجة هي فقدان مصداقية الحزب، في البلاد وفي العالم، وأكثر من كل شيء فقدان الأمل الذي وفره العمل في الماضي. ما هو مطلوب اليوم من الحزب هو رؤيا تستجيب للواقع الجديد. رؤيا تعطي الجيل الشاب شيئا يؤمن به. رؤيا شجاعة، تطرح على الجمهور الحقيقة– بلا رتوش. الحقيقة التي تقال بوضوح في أن خريطة الوضع الدائم ستستوجب عودة إلى حدود 1967 (إلى هذا الحد أو ذاك). رؤيا تصلح التمييز الذي وقع في الماضي. رؤيا تضمن عيشا وتعليما ومساواة. رؤيا تكافح الفساد، الذي يسحق الدولة من الداخل. بقدر ما لا يكون فيه اعتراف بهذه الحاجة الحيوية، تقترب نهاية العمل كهيئة سياسية مؤثرة، موجهة ورائدة.