دخل القانون الأمني الجديد لحكومة سيلفيو برلسكوني، السبت الماضي، حيز التنفيذ ودخل معه الخوف والترقب إلى قلوب المهاجرين السريين المقيمين بإيطاليا الذين يعلمون بأن تطبيقه يعني بالضرورة البحث عن وجهة أخرى بأوربا تكون القوانين فيها رحيمة بالمهاجرين غير الشرعيين أو العودة إلى البلد الأصلي. فبموجب «إل باكيتو دي سيكوريتسا» (حزمة القوانين الأمنية) الإيطالية الجديدة، فإن المهاجر غير الشرعي المقبوض عليه مطالب بدفع مبلغ يتراوح ما بين 5 آلاف وعشرة آلاف أورو بتهمة أطلق عليها وزير الداخلية الإيطالي روبيرتو ماروني اسم «جريمة الهجرة السرية». وسواء تم دفع المبلغ أو لا، فإن مصير هؤلاء الآدميين سيكون لا محالة السجن لشهرين قابلة للتجديد إلى أن يتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية. الخوف من تفاصيل القوانين الأمنية الجديدة بدا واضحا وظهرت علاماته بأحياء المدن الإيطالية التي تعرف تواجدا مكثفا للمهاجرين، خصوصا المغاربة منهم، والتي أصبحت شبه فارغة من «الحرّاكة»، إضافة إلى غياب تام لهم بمحطات القطار التي عادة ما كانوا ينتشرون بالقرب منها. نسبة منهم لزمت المنازل الهشة التي تقيم فيها، في حين قرر آخرون إما مغادرة إيطاليا نحو وجهة أخرى، مثل فرنسا أو بلجيكا، أو التصدي للعاصفة القادمة من خلال البحث عن مشغل يضمن لهم رخصة الإقامة في إطار مبادرة الحكومة الإيطالية في شهر شتنبر المقبل لتسوية أوضاع نصف مليون مهاجر غير شرعي يعملون في بيوت الإيطاليين. العمل بالقوانين الأمنية الجديدة، التي وصفتها أحزاب اليسار الإيطالي ومنظمات حقوقية إيطالية وأجنبية بالقوانين الفاشية، سيمكن حتى مواطنين إيطاليين عاديين من مشاركة رجال الأمن في الكشف عن الجريمة وعن المهاجرين السريين على غرار النظام الذي عمل به بينيتو موسوليني في الكشف عن معارضيه ومناهضي فكره وفلسفته الفاشية إبان الحرب العالمية الثانية. فقد سارع عدد من المواطنين الإيطاليين، خصوصا بالشمال الإيطالي، إلى تأسيس جمعيات واتحادات أطلقوا عليها اسم «روندي» (مجموعات) هدفها القيام بجولات بالمدن الإيطالية ليل نهار لمساعدة رجال الأمن في الأحياء التي تعرف نسبة عالية للجريمة وأخرى يقيم فيها الأجانب، سلاحهم زي موحد شبيه بزي رجال الأمن وهاتف محمول يبلغون عبره رجال الشرطة عن المشتبه فيهم من المجرمين والمهاجرين السريين. «إل باكيتو دي سيكوريتسا» لم يتوقف عند حد المهاجر السري بل تعداه ليلامس حتى الآخر الشرعي بفرض مزيد من المعاناة والتضييق عليه من خلال مضاعفة مصاريف تجديد رخص الإقامة من 70 أوروها إلى 200 أورو مع وضعه شروطا جديدة وقاسية لاستكمال ملف التجديد. وإذا كانت إيطاليا تتشدق بالحريات وباحترامها لحقوق الإنسان، بل وحتى الحيوان، من خلال حملة تحسيسية تقوم بها الحكومة الإيطالية في هذه الأيام لمطالبة مواطنيها بعدم التخلي عن كلابهم أثناء عطلة الصيف، فإن القانون الأمني الجديد الذي أعده الحزب اليميني المتطرف، عصبة الشمال، سيحرم المهاجر السري من تسجيل مولوده الجديد بالبلدية التي يقيم فيها ليطل الصغير على الدنيا وهو مهاجر سري مثل والديه وليحرم، بالتالي، من التطبيب وحقوق أخرى يضمنها الدستور الإيطالي قبل أن تضمنها المواثيق الدولية. كل هذا يحدث في وقت نشرت فيه وزارة الدفاع الإيطالية في الأسبوع الماضي 1250 جنديا بإيطاليا ليصبح العدد الإجمالي للجنود المنتشرين بالمدن الرئيسية والثانوية 4250 جنديا سيساعدون رجال الشرطة والكارابينيري في حفظ الأمن وفي محاربة الهجرة السرية التي تستغل حكومة «إلبريمر» (رئيس الوزراء) سيلفيو برلسكوني قضاياها للتستر على فشلها في إخراج الاقتصاد الإيطالي من أزمته الخانقة.