تنشر «المساء» في واحتها الصيفية، صفحات من تاريخ الكرة المغربية، خاصة في الجانب المتعلق بوفيات رياضيين في ظروف لفها الغموض، وظلت جثامينهم ملفوفة بأسئلة بلا جواب، رغم أن الموت لا يقبل التأجيل. العديد من الرياضيين ماتوا في ظروف غامضة، وظلت حكايا الموت أشبه بألغاز زادتها الاجتهادات تعقيدا. ونظرا للتكتم الذي أحاط بالعديد من الحالات، فإن الزمن عجز عن كشف تفاصيل جديدة، لقضايا ماتت بدورها بالتقادم. في فاتح ماي من سنة 1982 انقلبت حافلة تابعة لإحدى شركات النقل السياحي، كانت تقل على متنها عناصر فريق الأولمبيك البيضاوي للريكبي، وعلى الفور قتل ستة أشخاص في فاجعة على مشارف قرية مطماطة بإقليم تازة، اعتبرت الأكثر سوداوية في تاريخ الرياضة الوطنية. حدث هذا في تمام الساعة السادسة والنصف مساء، حين كانت الحافلة تطوي المسافات صوب مدينة وجدة، لخوض مباراة نصف نهائي بطولة المغرب للريكبي، فجأة تحول الجو الصاخب الذي كان يخيم داخل الحافلة إلى نكبة حقيقية، بعد أن اختل توازن الحافلة لتسقط في فج عميق يبلغ عمقه 120 مترا، ويموت ستة أفراد، ثلاثة لاعبين وهم مصطفى لمنعنع وسعيد فهيم وبوشعيب حراض، ومسير يدعى عبد الله اللبار ثم السائق ومساعده، فضلا عن إصابات متعددة الخطورة في أجساد مختلف مكونات الفريق. بدأت حكاية الفاجعة، صباح يوم السبت فاتح ماي، من أمام ملعب الأولمبيك البيضاوي بالوازيس، حيث تجمع اللاعبون والأطر التقنية في انتظار مجيء الحافلة، وبعد ساعة كان الجميع في بطن حافلة سياحية لشركة في ملكية رئيس الفريق بوكجة. كانت حركة السير في مدينة الدارالبيضاء مختنقة بسبب تحرك قوافل العمال الذين كانوا يستعدون للاحتفال بالعيد العالمي للشغيلة، فكان من الطبيعي أن تتأخر الحافلة وهي تغادر العاصمة العمالية صوب عاصمة الشرق. فجأة توقفت الحافلة بمنطقة عين السبع، دون أن يعرف أحد سر هذا التوقف المفاجئ، لكن شخصا صعد إلى الحافلة وقدم نفسه كسائق بديل، انسحب السائق الأول الذي لم يقض خلف المقود سوى ساعة واحدة وتم تعويضه ببديل دون أن يطال التغيير المساعد. استؤنفت الرحلة دون أن يفهم أحد سر هذا التغيير المفاجئ، وانخرط الجميع في أحاديث يراد بها كسر روتين السفر، فيما كان اللاعب مصطفى لمنعنع محط اهتمام الجميع بمستملحاته التي تذيب عناء السفر. كان المناخ السائد داخل الحافلة يوحي بوجود انسجام كبير بين مكونات الفريق، خاصة وأن العلاقة التي تربط لاعبي «الكوك» تتجاوز حدود التوحد حول ألوان الفريق إلى الحي بحكم انتماء أغلب اللاعبين إلى حي ضيعة بروطن المتاخم لحي الملاعب بالوازيس، وهذا المعطى كان يعتبر نقطة القوة داخل الفريق الذي أنجب رئيسي الجامعة الملكية المغربية للريكبي بوكجة وبوحاجب. توقف الجميع في مدينة فاس لتناول وجبة الغداء، لم يشعر اللاعبون والمؤطرون بعناء الطريق فقد كان المناخ السائد يلتهم الزمن، ويحول السفر من قطعة عذاب إلى فسحة للمرح. انطلق الجميع صوب مدينة وجدة عبر تازة، لكن على مقربة من قرية مطماطة انتفض المسافرون من أماكنهم واشرأبت أعناقهم لما يحصل بعد أن لاحظوا أن توازن الحافلة قد اختل على غير العادة. يقول شاهد عيان نجا من الحادث بأعجوبة: «حين كانت الشمس تستعد للرحيل لاحظنا أن السائق فقد سيطرته على الحافلة، فنهض عبد الرحيم بوكجة على الفور من مقعده الذي لا يبعد كثيرا عن السائق، ونادى بصوت فيه نبرة آمرة، «آش كدير آمحماد، آش كدير آمحماد»، حينها وقف السائق وشرع في ضبط المقود المنفلت بكل ما أوتي من قوة، لكن الحافلة كانت تسير نحو حافة الطريق وتسقط في فج عميق، وهي تنقلب على بطنها سبع مرات محدثة انفجارا قويا». سمع صراخ اللاعبين وكان العديد منهم يردد الأدعية والأذكار والشهادة، بعد أن تبين أن الفريق يخوض مباراة حقيقية أمام خصم اسمه الموت، «تمسكت بالمقعد الذي كنت أجلس عليه، وأخفيت وجهي عن شظايا الزجاج الناتج عن انقلاب الحافلة، قبل أن يغمى علي لأستيقظ بعد دقائق وعلى وجهي خدوش ومجاري دم ساخن»، يقول أحد اللاعبين الناجين من الحادثة. مات المسير عبد الله اللبار في الحين، وتلاه كل من مصطفى لمنعنع وبوشعيب حراض وسعيد فهيم، وانضم إلى القتلى السائق ومساعده، بينما انتشرت أجساد اللاعبين في السفح كبقايا غارة جوية، وتبين أن الحصيلة كانت كبيرة، تأرجحت بين الموت الفوري والعاهات المستديمة، أما الناجون فقد عانوا في ما تبقى من حياتهم من أزمات نفسية عميقة وظل شبح الحادث أشبه بكابوس يطاردهم في نومهم ويقظتهم. يروي عبد اللطيف وصفي، أحد الناجين من الحادث والذي يشغل مهمة مدير إداري بجامعة الريكبي، ما تبقى في الذاكرة من مواجع في لحظة الحادث المأساوي: «لقد عشنا ثلاثة مواقف غريبة، حيث شوهد رجل بلحية بيضاء يرتدي لباسا أبيض اللون وهو يلقن الشهادة للمصابين الذين كانوا يلفظون آخر أنفاسهم، والمفارقة الثانية عندما وقف المرحوم لمنعنع من مقعده بعد أن توقفت الحافلة قرب مقبرة بفاس، وقال بصوت اخترق صمت الحافلة «انظروا إلى هذا المكان إنه مأواكم»، وأم المفارقات حين ألح المرحوم سعيد فهيم، على أن يرخص له بالنزول في مدينة الحاجب في رحلة العودة من وجدة، وشاءت الأقدار أن يدفن في مسقط رأسه بالحاجب». مرت 27 سنة على الفاجعة، لكن الألم لازال موشوما في دواخل شهداء الكوك وعائلاتهم، وهو ما دفع بجمعية قدماء لاعبي الأولمبيك البيضاوي إلى إعادة فتح الملف من جديد، كي لا يمر الحادث مرور الكرام.