أعلنت وزارة الثقافة عن مشروعين جديدين يتعلقان ببناء متحف وطني للآثار وعلوم الأرض ومسرح وطني، على ضفاف أبي رقراق.وأفاد بلاغ للوزارة أن المشروعين يندرجان في سياق الأوراش الثقافية الكبرى التي يشرف على إنجازها الملك محمد السادس، لتعزيز المشهد الثقافي الوطني والارتقاء بمدينة الرباط إلى مستوى عاصمة ثقافية. وأوضح المصدر أن المتحف الوطني للآثار وعلوم الأرض سيكون من أكبر المتاحف المتخصصة في هذا المجال، وذلك إمعانا في الاهتمام الذي يوليه المغرب لرصيده الأركيولوجي الغني واهتمامه العميق بعلوم الأرض. وأضاف أن الوزارة ستعلن في أقرب الآجال عن مباراة دولية في الهندسة المعمارية خاصة بالمتحف. وعلمت «المساء» من مصادر عليمة أن السلطات العمومية قد هيأت الغلاف المالي لإنجاز الدراسة والمشروع الخاصين بالبناية المسرحية، حيث سيتم إخضاعه لمسطرة خاصة من أجل ربح الوقت، ويتحكم في هذه السرعة أيضا تواتر مجموعة من المهرجانات على مدينة الرباط والتي هي في حاجة إلى بنية تحتية تسندها حتى لا يقع مثل ما وقع في مهرجان موازين. من جهته أبرز الشاعر حسن نجمي، مدير الكتاب والخزانات والمحفوظات بوزارة الثقافة، في تصريح ل «المساء» أن هذا المشروع الذي أعلنت عنه الوزارة يوم الخميس الماضي، والذي سيقام على ضفاف أبي رقراق يحظى بمتابعة الملك شخصيا، مضيفا بأن جهود كل المؤسسات المعنية ستتضافر لإنجاحه وتسريع وتيرة إنجازه، موضحا أن المشروع سيكون أكبر مساحة وحجما من مسرح محمد الخامس، وأنه سيكون حداثيا ومتميزا على مستوى البناء والمعمار لكي يغني المظهر الجمالي لمدينة الرباط، وليتكامل مع ما تم إنجازه على ضفاف أبي رقراق. واعتبر نجمي أن إنشاء مؤسسة مسرحية وطنية جديدة بالعاصمة إنما يأتي ليعزز البنيات الثقافية والفنية القائمة، ولينضاف إلى المكتبة الوطنية التي دشنها الملك مؤخرا، وليتكامل مع المؤسستين التين ننتظرهما جميعا، حسب نجمي، وهما متحف الفن المعاصر والمعهد العالي للموسيقى والفنون الكوريغرافية في العاصمة الرباط. وعبر حسن نجمي عن اعتزازه بفضاء مسرح محمد الخامس، بتاريخه ورصيده والخدمات الجليلة والكثيرة التي ظل يوفرها لمختلف الفاعلين في الحقل الثقافي والفني ولمختلف الممارسات الإبداعية، لكنه مع ذلك وبحسبه لم يعد بإمكانه أن يستجيب لكل الانتظارات والمشاريع الفنية المقبلة من كل الاتجاهات، ومن كل الأجيال، ومن كل التعبيرات الفكرية والثقافية والإبداعية، كما أن المهرجانات الكبرى التي أصبحت الرباط تشهدها سنويا أعطت المثال على حاجة مدينة الرباط إلى المزيد من فضاءات العرض والمساحات المخصصة لاستهلاك الفرجة وتداولها. وأكد محدثنا على إشادته بهذا القرار الذي نظره يعبر في نظره عن إرادة ملكية، ويعطي إشارة أخرى على أن الرباط تتجه بالفعل لتصبح عاصمة ثقافية للمغرب، فضلا عن دورها كعاصمة إدارية ورمزية. واستعرض نجمي المشاريع التي تتهيأ لها مدينة الرباط كالمتحف الوطني للآثار وعلوم الأرض، والمتحف الخاص بالحلي والألبسة التقليدية المغربية، مشيرا إلى أن الأول سيتم بناؤه في المقر الذي كان مخصصا إبان المرحلة الاستعمارية للمقيم العام الفرنسي الجنرال ليوطي، وظل على عهد الاستقلال بناية ملحقة بالإدارة الترابية. وتبعا لمحدثنا، فسيتم ترميم بناية وزارة الاتصال سابقا (المجاورة لبنك المغرب، ولقاعة الفن السابع، وبريد المغرب)، لتحتضن متحف الحلي المذكور، كما لم يفته التذكير بالاتفاقية التي تم توقيعها مؤخرا بين وزارة الثقافة ومجلس مدينة الرباط، بخصوص فتح وتدبير مسرح المنصور الذي تم تحويله من قاعة سينمائية مهجورة إلى مسرح جديد سيحتضن أنشطة المسرح وخاصة فرقة المسرح الوطني. من جانبه أشار مدير التراث الثقافي، عبد الله صالح إلى أن المتحف الوطني للآثار مشروع ضخم وكبير، وسيخضع للمواصفات والمعايير الدولية للمتاحف، مشيرا إلى أن الإقامة القديمة «لليوطي» التي تم اختيارها مقرا لهذا المتحف سيتم إعادة ترميمها بالمحافظة على شكلها الهندسي واستثمار جوانبها بتوفير مرأب للسيارات مع الحفاظ أيضا على الحديقة والأشجار والنباتات التي يعود تاريخها إلى مائة سنة، وبأن المتحف سيكون جاهزا في غضون سنة 2010 إلى 2011 كأقصى تقدير. وأشار عبد الله صالح إلى أن الوزارة ستعلن في مستهل هذا الأسبوع عن تنظيم مباراة دولية في الهندسة المعمارية خاصة بالمتحف المشار إليه. وأبرز أن المتحف سيتشكل من مكونين، الأول متعلق بعلوم الأرض، ويضم كل التراث الطبيعي المتعلق باللقي الأثرية، والمستحاثات الحجرية، والحيوانية كبقايا الدينصورات وغيره، والمنتمية إلى عصر الانفجار الكبير(ظهور الإنسان) وحتى حدود أواخر القرن التاسع عشر، أي كل ما يهم الأرض والتحولات التي عرفتها بالنسبة إلى المغرب. المكون الثاني للمتحف يتعلق بالإركولوجيا، ويندرج في إطارها كل ما يهم تطور الإنسان وحياة الإنسان بالمغرب على امتداد ما يزيد عن مليون سنة إلى القرن التاسع، وذلك حسب الفترات: ما قبل التاريخ اعتمادا على جماجم وعظام الإنسان التي تدل على تطوره وصولا إلى مرحلة الإنسان العاقل، حيث لم تكن هذه الفترة تعرف الكتابة أو الرسوم، ويضم المتحف على المستوى الثاني الآثار التي تدل على الحضارات التي تعاقبت على المغرب كالحضارة العاثيرية التي ميزت المنطقة المغاربية ولم تتواجد بمناطق أخرى من العالم، ثم الحضارة النيوليتية التي تعبر عن استقرار الإنسان وارتباطه بالزراعة والرعي.. إلى آخره. وسيعتمد المتحف على انتقاء التحف الأثرية واللقي الخزفية والملابس والحلي وغيرها من مكونات التراث الثقافي الموجودة في المتاحف المغربية وفي بعض الوزارات، وستتم استعادة مجموعة من الآثارات لدى بعض الدول الشقيقة والصديقة وبمراكز عالمية اقترحت على المغرب المساعدة على تجميع كنوز واجهته الحضارية، حسب تعبير عبد الله صالح. لقد برهنت الحفريات والاكتشافات الأخيرة أن المغرب يتوفر على خزان تراثي يعكس تاريخا وحضارة قوية وطويلة جسدت إشعاعا على مر العصور، والمغرب وهو يدشن مشروع متحف وطني للآثار وعلوم الأرض، فإنه بذلك يسعى إلى تثبيت سيادته الثقافية.