هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. لو افترضنا أنه فقد نصف جيشه، وهو أمر ممكن، فإن رجاله يتجاوزون الريفيين عددا بعد، كما أنه لا يبرح يشرف على الممر الشرقي عبر الحواجز الجبلية التي يقف وراءها عدد هائل من الرجال. وكان لديه فيض من الذخيرة والمؤن في أنوال، وكان في مقدوره أن يحفر الخنادق وينتظر التعزيزات التي لا بد أن يرسلها بيرنجر الآن إليه بعد المأزق الذي وقع فيه، أو كان يستطيع أن ينسحب بصورة منظمة عبر الجبال. لكن سيلفستر كان أعظم كبرياء من أن يعترف بأن حفنة من الريفيين قد ألحقوا به هزيمة شنعاء. وحاول أن يحفظ ماء وجهه، فأخبر بيرنجر أنه أصيب بمجرد نكسة تافهة، واعترف بأن معنويات الجنود سيئة وقال إنه ينوي الانسحاب من الوادي. لكن سيلفستر تأخر في الإخلاء. لقد طاف الريفيون خلال الليل في ميدان القتال ينقبون فيه، وجمعوا آلاف الطلقات ومئات البنادق. ومن ثم انقسموا إلى قوتين، فطوق عبد الكريم بنصف رجاله قرية أنوال، بينما اندفع الرجال الباقون، بقيادة أخيه، في الجبال المحيطة بالممر. وما طلع الفجر حتى كانوا قد احتلوا المرتفعات المشرفة على الطريق. وأرسل عبد الكريم، من الجانب الآخر من أنوال، قوة من الرجال المختارين إلى القرية، فتغلغلوا بين المنازل تحت غطاء الظلمة، مسلحين بالسكاكين والحراب، يضربون ويطعنون كل من يصادفونه من الإسبانيين. وضاعف هذا العمل الليلي الذعر في قلوب الأعداء، وحين طلع النهار، وأصدر سيلفستر أمره بالتراجع، تحول هذا التراجع إلى هزيمة منكرة. وتدفق الإسبانيون في السهل، يحثون الخطى نحو فوهة الممر. وانقض الريفيون عليهم من الجانبين، يطلقون النار، ويقفزون، ويتقدمون ويطلقون النار، ويرمون بالإسبانيين مخلوعي الأفئدة في المضيق القائم إلى الأمام منهم. وقامت فرقة كازا دوريس دي ألقنتارا بعمل دفاعي مقدام في المؤخرة، لكن تعدادها راح يتناقص سريعا، بينما الرصاص الريفي ينهال عليها. وكان الفرار الجماعي مستمرا إلى الوراء منها. وتزعم السلطات الإسبانية أن الجنرال سيلفستر انتحر على مقربة من الجسر الذي يعبر مجرى الماء داخل فوهة الممر. ومن المؤكد أنه قضى في ذلك الموضع، لأن الريفيين تعرفوا إلى جثته من بزته ومن الوشاح الأصفر الذي يلتف به، وهم ينكرون أن يكون قد أطلق النار على نفسه، مؤكدين أنه قتل برصاصة ريفية، ويسخرون من القصة الإسبانية التي تزعم أن سيلفستر هرب، وأنه يعيش متخفيا في قرية ريفية خجلا من العودة إلى إسبانيا. وأخذ الجنرال نافارو، معاون القائد العام، أمر الانسحاب على عاتقه. وشق الإسبانيون طريقهم متسلقين الهضبة بكل صعوبة، ومن بعد على طول السبيل الذي تلفحه الرياح العالية، والذي يؤدي إلى السهول من تحت، يطاردهم الريفيون الظافرون الذين كانت أعدادهم تتعاظم بما ينضم إليهم من رجال القبائل المحليين وكانت الخسائر الإسبانية الكبرى وقعت عند فوهة الممر. وكان رجال القبائل يتدفقون من جبالهم بقدر ما كانت أخبار النصر في أنوال تنتشر، وأولئك الذين لا يملكون سلاحا يلتقطون البنادق من على الأرض. وحين وصل الإسبانيون الأحياء بعد إلى السهل ولوا الأدبار عبر القفر الخالي من المياه، متخلين عن وسائط نقلهم، ومدفعيتهم، وأسلحتهم، وذخيرتهم. وتخلت حاميات الحصون الصغيرة التي أنشئت لتكون مواقع حصينة عن مراكزها وفر أفرادها مع الفارين، وثارت قبيلة بني سعيد، الذين تهاون الإسبانيون في تجريدهم من السلاح، في مؤخرة هؤلاء الإسبانيين، فأعملوا القتل في الهاربين واستولوا على حصني سيدي ادريس وأفران اللذين لم ينج منهما إلا قليلون أخلاهم مركبان حربيان. وتوقف نافارو يوما واحدا في باتل، وحين بلغ جبل أرويت، أو هضبة القنفذ، في 30 يوليوز، لم يكن معه سوى 3000 رجل، وكانوا أشد إعياء من أن يستطيعوا الذهاب أبعد من ذلك.