مازال الأعيان يواصلون هيمنتهم على الانتخابات الجماعية المحلية، وقد كشفت الانتخابات الجماعية الأخيرة مدى القوة التي لا زالوا يحتلونها في المشهد السياسي المحلي؛ وقد تمكن هؤلاء من الحصول على %29 من المقاعد المتبارى حولها، متقدمين في ذلك على فئة الأجراء (%18) والتجار (%11) ورجال التعليم (%8) وأخيرا فئة الموظفين العموميين(%8). إن هذا الثقل السياسي الذي بات يحتله الأعيان، خصوصا بالوسط القروي، هو ما جعل الأحزاب والقوى السياسية بمختلف مشاربها السياسية والإيديولوجية تخطب ودهم وتسعى إلى التحالف معهم. تاريخيا، فالأحزاب التي استطاعت أن تسيطر على المجالس الجماعية المحلية هي الأحزاب التي راهنت وتحالفت مع الأعيان والنخب المحلية، وهوما خول لها الحصول على أكبر المقاعد بالمجالس الجماعية. في هذا السياق، نعتقد أن استمرار تصدر بعض الأحزاب السياسية للمشهد السياسي المحلي يرجع بالأساس إلى هذا المعطى السوسيولوجي المتمثل في الأعيان المحليين فالحركة الشعبية والحزب الوطني الديموقراطي، استطاعا أن يستمرا في الهيمنة على معظم المقاعد بالمجالس المحلية بفضل تحالفهما مع الأعيان المحليين وتوظيفهما للرموز الثقافية والاجتماعية المحلية وبالخصوص في العالم القروي. إن بعض الأحزاب السياسية لا تستمد قوتها بالمطلق من برامجها الانتخابية أو السياسية، وإنما تستمدها من قوة الأعيان المحليين، سيما وأن تأثير هؤلاء على الفئات الاجتماعية المحلية يكون قويا وكبيرا، في غياب شبه تام لأي تأطير حزبي أو سياسي. وفي هذا الإطار نعتقد أن نسبة المقاعد الهامة التي حصل عليها حزب «الأصالة والمعاصرة» في هذه الانتخابات لا ترجع كما يعتقد العديدون إلى قوة أفكاره وتصوراته، ولكن لأنه عرف كيف يوظف الرأسمال الرمزي للأعيان المحليين ويستثمر في الرموز الثقافية والاجتماعية، خصوصا بالعالم القروي، كل ذلك لفائدته (رمز التراكتور). وبالمقابل فالأحزاب السياسية التي لم تفز بمقاعد العالم القروي والمقاطعات شبه الحضرية هي التي لم تعتمد ولم تتحالف مع الأعيان المحليين (نموذج حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية).