هذه هي قصة شعب «الريف» وقد هب في العشرينيات من هذا القرن، بقيادة رجل يدعى عبد الكريم، يحارب إسبانيا الطامعة في أراضيه، وذلك بالسلاح الذي يكسبه منها في ميادين القتال، فينزل بها هزائم يشهد المؤرخون أن أية دولة استعمارية لم تمن بمثلها قط، كما يشهدون على أنه كان لها أكبر الأثر في تطور الأحداث في ما بعد في إسبانيا بالذات. أعلن عبد الكريم أنه يجب عليهم أن يواصلوا انتصارهم، وأن يستنهضوا قبيلة تمسامان لنصرتهم، الأمر الذي لن يكون سهلا، لأن معظم رجال هذه القبيلة يعيشون بين الإسبانيين الذين يحتلون الوادي. واقترح واحد من الريف أن يضعوا تمسامان تحت وطأة عار شديد، كما يجبرونهم على أن يصبحوا حلفاء لهم. لكن عبد الكريم أشار إلى أن حركة بني ورياغل لا تملك شيئا تضحي به، إذ ليس لديهم ماشية أو ماعز أو دجاج. وقال إن لديه فكرة أفضل. وهكذا خرج في تلك الليلة من القلعة، وحيدا وأعزل، وشق طريقه عبر الوادي إلى قرية تقوم على الهضاب في الجهة المقابلة. وأيقظ الرجال هناك وأرسلهم ليستدعوا أعضاء مجلس القبيلة. ولم يكن لرجال تمسامان زعيم في ذلك الحين، وكان عبد الكريم يعرف أنهم يحتاجون إلى قائد. وحين جاء أعضاء المجلس إليه أخبرهم قائلا: «ليس لدي ثور أذبحه وأجبركم بذلك على التحالف معي. لقد ربحنا نصرا عظيما ونحن في حاجة إلى مساعدتكم.» إن بني ورياغل وتمسامان يستطيعون معا أن يهزموا الإسبانيين. إن هذا التفسير غير المألوف الذي قدمه عبد الكريم لنظام تحالف الليف قد كسب رجال تمسامان. إنهم لا يستطيعون، بموجب القانون والعرف القبليين القديمين، أن يرفضوا طلب عبد الكريم المباشر للمعونة. وأثارهم نصره العظيم على الإسبانيين الذين احتلوا أراضيهم القبلية، وما كانوا يحتاجون سوى لقائد يقنعهم بالواجب المترتب عليهم. ووافق المجلس القبلي، الذي التأم على جناح السرعة، على تعبئة حركة تنضم إلى رجال بني ورياغل. وفي تلك الليلة أخرج 500 رجل بنادقهم من مخابئها، حيث أخفوها لدى قدوم الإسبانيين، وتحركوا فرادى وفي جماعات صغيرة إلى الجبال المحيطة بالوادي. وأرسل عبد الكريم يطلب نصف رجاله من أبران. والتحق بحركة تمسامان في كهف واسع، حيث أوضح الخطوة التالية لحلفائه المتشوقين الآن. يجب عليهم أن يستولوا على حصون الإسبانيين على الهضاب المحيطة بالوادي. وشرح لي أبيش كيف تم الاستيلاء على أحد هذه الحصون. كنا نقف في الممر المشرف على الوادي من جهة الجنوب الشرقي، وكانت هضبة عالية ترتفع عن يسارنا. وأخبرني أبيش قائلا: «لقد كنت أحد أفراد الحركة التي استولت على ذلك الحصن». وحين سألته كيف فعلوا ذلك, أجابني بقوله: «تعال، وسأبين لك». وتسلقنا الهضبة حتى منتصفها. وأوضح لي أبيش كيف أن الحامية الإسبانية، التي تيقظت بعد كارثة أبران، قد ردت هجومهم الأول. «عندئذ نسفنا الحصن». وحين أبديت دهشتي، أشار إلى حفرة لا تبرح واضحة في عطف الهضبة، وقال لي: «هذا فم النفق الذي حفرناه». تطلعنا إلى داخل الحفرة، فوجدت أن النفق يمتد تحت الحصن الواقع فوقه. وقادني أبيش إلى قمة الهضبة، وكانت مطوقة بعد بمتراس ترابي. وكانت في وسط الحصن حفرة واسعة أشار إليها أبيش موضحا: «ههنا انفجر بارودنا». لقد حفر ورفاقه النفق وملؤوا نهايته ببراميل البارود التي استولوا عليها من الإسبانيين. سألته: «ألم يلاحظ الإسبانيون ما تفعلونه؟» فقال أبيش إنه يعتقد أنهم شكوا في ذلك بالتأكيد، لأن عددا من الإسبانيين هربوا من مؤخرة الحصن عندما فجر الريفيون الشحنة. واستطرد يقول: «أطلقنا عليهم النار وهم يعدون هابطين سفح الهضبة»، وأضاف أن الريفيين استولوا بهذه الطريقة على عدد كبير من الحصون. لقد استولى الريفيون الخمسمائة، رجال بني ورياغل وتمسامان، على حصن بعد حصن خلال شهر يونيو وأوائل يوليوز. أما كيف فعلوا ذلك في وجه جيش إسباني يصل إلى 14000 رجل ويعسكر على مسافة أقل من عشرة أميال، فهذا ما يتحدى الإدراك، لأن الباقين على قيد الحياة كانوا ينفرون من الحديث عن مآثرهم. لكنهم فعلوا ذلك، وتلك حقيقة واقعة، وفي أواسط يوليوز تحركت الحركة هابطة الجبال إلى الوادي بالذات.