لم يكن أحد يصدق أن الجلسة الحميمية التي جمعت، في منتصف سنة 1968 بمقهى الشمس بحي بوركون، بين محمد الرداني، المدافع الأيسر للوداد البيضاوي، وثلة من أصدقائه، من بينهم ابن عمه، ستنتهي بشكل درامي، وأن الضحكات المنبعثة من مائدة في عمق المقهى ستتحول، بعد لحظات، إلى صمت جنائزي. في تلك الأمسية الصاخبة، دار نقاش بين الهالك وابن عمه فيه مزيج من الجدية والسخرية، أشهر هذا الأخير سكينا صغيرا لا يصلح إلا لقطع الخبز، أثار السكين استهتار الرداني الذي شكك في قدرة السلاح الأبيض على اختراق قطعة ورق فبالأحرى جسد آدمي للاعب مشاكس، حينها تحول الموقف إلى تجربة ميدانية انتهت باختراق السكين لطحال لاعب الوداد أمام ذهول الحاضرين. نقل المصاب، على وجه السرعة، من طرف أصدقائه إلى قسم المستعجلات بمستشفى ابن رشد، بينما لاذ الفاعل بالفرار دون أي اتجاه محدد، فقد كانت الخطوات تقود صاحبها بعيدا عن مسرح الجريمة في انتظار ما يخبئه القدر. قضى الرداني ليلة واحدة تحت العناية المركزة، بينما حاول المكتب المسير للفريق ومجموعة من اللاعبين، الذين رابطوا أمام المستشفى، البحث عن مسببات جريمة عائلية لم تتحدد معالمها، فيما باشرت الضابطة القضائية في المعاريف تحرياتها من أجل فك لغز جريمة قتل غير عادية. في فجر اليوم الموالي، توقف نبض اللاعب الرداني، وتلقت أسرته إشارة الالتحاق بمصحة الطب الشرعي التي أحيل عليها الهالك، بأمر من وكيل الملك بالمحكمة، من أجل تعميق البحث خاصة وأنه بعد إلقاء القبض على الجاني لم تظهر الخيوط المؤدية إلى الفعل الإجرامي، حيث أكد الفاعل، وهو ابن عمه، أن مزاحا بسيطا تطور في لحظة سهو إلى جناية، وظل محامي الظنين متشبثا في مرافعته، التي تابع أطوارها عدد كبير من اللاعبين والمحبين، بعدم وجود سوء النية لدى الفاعل ساعة ارتكابه الفعل الإجرامي وأن المزاح هو الذي قاده إلى اقتراف حماقته، مما جعل المحكمة تكيف القضية إلى تهمة القتل غير العمد، ولاسيما أن المحامي وضع أمام المحكمة شهادة طبية ممنوحة لموكلة تؤكد إصابته، بين الفينة والأخرى، باختلالات نفسية، مما جعل التدبير القضائي ينقسم بين تدبير عقابي وآخر علاجي. يقول عبد العزيز أنيني، اللاعب السابق للوداد البيضاوي، شاهد العيان على الواقعة، وهو يستحضر وقائع الجريمة، إنه كان رفيقا للهالك، حيث انضما معا إلى الفئات الصغرى للوداد قادمين من فريق مولودية بوطويل التي كان الشهيد الزرقطوني يحمل قميصها، وتدرجا عبر جميع الفئات قبل أن ينضما سويا إلى فئة الكبار رفقة الجيل الذهبي للوداد، المكون من الصحراوي وعبد القادر والهجامي والخلفي وبيديدا وغيرها من الأسماء التي ساهمت في تألق الوداد، وأضاف المصدر ذاته أن الفقيد حمل صفة لاعب دولي بعد أن شارك رفقة المنتخب الوطني المغربي في ألعاب البحر الأبيض المتوسط في تونس، ضمن منتخب اعتبر النواة الأولى للمنتخب الذي شارك في نهائيات كأس العالم في المكسيك. شيع أبناء المدينة العتيقة لاعبا عرف بصرامته وبيسراه الساحرة، وتحول درب بوطويل إلى مزار، بينما فضلت أسرة الراحل عدم اللجوء إلى خيار التصعيد مادام المُصاب قد جثم على عائلة الرداني من خلال محمد المجني علية ولمفضل الجاني. بعد أن دفن الراحل في مقبرة الشهداء، طالب والده، الذي كان يشتغل في وكالة توزيع الماء والكهرباء، بإقامة مباراة تكريمية أو تأبينية لابنه، لكن مطلبه اصطدم بحالة حداد أخرى بالوداد، بعد أن توفي قلب هجوم الفريق الأحمر ويدعى محمد حزقولة، وهو اللاعب الذي استقدمه مسؤولو الوداد من نادي ليديال. كانت نهاية الستينيات كئيبة بكل المقاييس، فقد عاش الوداديون على إيقاع التأبين حتى حفظوا عن ظهر قلب أدعية الموت وقصص عذاب القبور، من شدة التردد على الحفلات الجنائزية. ومن غرائب الصدف أن يموت في العام ذاته رئيس الفريق حسن الجندي إثر نوبة قلبية مفاجئة، تقول الروايات إنها من مضاعفات هزيمة الوداد البيضاوي بضربات الجزاء أمام الجيش الملكي في المباراة الأطول في تاريخ الكرة المغربية، حيث دامت أربع ساعات حتى ساد الملل في مدرجات الملعب الشرفي. ولأن رب ضارة نافعة، فإن رحيل المدافع الأيسر الرداني إلى دار البقاء قد فسح المجال أمام اللاعب عبد العزيز باعني لينال صفة لاعب أساسي في تشكيلة الوداد، قبل أن يسلم القميص بدوره إلى العربي أحرضان. مات الرداني في عز شبابه، عن عمر يناهز 21 سنة، تاركا وراءه حلما مجهضا وسرا لوفاة بسكين القرابة العائلية لا يعرفه إلا الله.