تعرض «المساء» خلال فصل الصيف جانبا خفيا من حياة محمد الجامعي، أول لاجئ رياضي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالرجل تحول من رئيس لفريق أجاكس القنيطري لكرة القدم داخل القاعة، إلى نزيل في السجن المدني بالقنيطرة بتهم متعددة. في سيرته الذاتية يتحدث الجامعي من الولاياتالمتحدةالأمريكية عن مساره من التألق المطلق واستقباله من طرف كبار القادة في العالم إلى إقباره بين القضبان. في حلقات نتابع تفاصيل قصة يمكن أن تتحول إلى سيناريو لفيلم يأسر المشاعر، على امتداد شهر يوليوز نعيش فصولا أخرى في حياة رجل عاش من أجل الكرة واعتقل من أجلها قبل أن يعيش اغترابا قاسيا في الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي. لم يكن اختيار الجامعي للاستقرار في أمريكا سهلا، فبالإضافة إلى المعاناة النفسية التي لازمته نتيجة العيش بعيدا عمن ألفهم والصعوبات التي واجهها للتكيف مع الوضع الجديد الذي أصبح عليه، واجهته مجموعة من العقبات خاصة منها المرتبطة بالجانب القانوني للإقامة هناك، خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر التي ألقت بظلالها على أوضاع المهاجرين بالولاياتالمتحدةالأمريكية. خلال هذه الحلقة اختار الجامعي أن يحكي تفاصيل ماعاشه هناك إلى جانب لحظات استقباله لمولود ثان كتب له أن يرى النور خارج أرض المغرب. سارت الأيام ومرت بعد أن تعودت على طبيعة عملي الجديد، وربطت علاقات جيدة مع زبنائي الذين لمست حبهم وتعاطفهم واخترت الاستعانة بشاب فلسطيني، لكنه فاجأني صباح أحد الأيام بالتهديد حاملا مسدسا وطلب مني كل ما لدي في الصندوق، أخافني منظره وهو يهددني بمسدس، فتحت له الصندوق وتراجعت ببعض الخطوات لأترك له المجال للاستحواذ على ما بداخله، وفي أقل من لمح البصر ارتميت عليه و أمسكت به من الوراء لأطرحه أرضا إلى أن حضرت الشرطة، وكان الحادث سببا في تعميق إحساسي بضيق الغربة والبعد عن الوطن. ثم قررت نكران الذات وعدم التفكير في الماضي على أمل استشراف مستقبل جديد ينسيني مرارة ماعانيته بسبب حبي لفريق عشقته حتى النخاع، وكان الاستسلام للحاضر أحد السبل لذلك، حقيقة من الصعب نسيان خمسة عقود من حياتي بين أحبابي تم إقبارها بسهولة، فالحنين إلى الوطن شيء والقدر شيء آخر، فأمريكا اليوم وطن الأبناء والأحفاد، كما كان المغرب وطن الآباء والأجداد. وشاءت الأقدار أن تعوضني لحظات استقبالي لمولود ثان بعد أن حرمت من ذلك عند ولادة طفلتي الأولى وكان تاريخ 28 فبراير من سنة 2001 يوم مولده، اخترت كما سبق لي مع أخته أن أطلق عليه اسم مهاجر ريان، حتى ارسخ لديه هو الآخربأنه أمريكي الهوية ومغربي الروح. كنت أعد الأيام بساعاتها ودقائقها بل حتى بثوانيها، وحفاظا على وضعيتي المؤقتة بأمريكا كنت أحافظ على صلاحية التأشيرة التي تمنحني الإقامة لستة أشهر، أغادر أمريكا إلى دولة قريبة ثم أعود لأجدد الإقامة كلما حل الوقت، لكن بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر، وما خلفته من أثر لدى الأمريكيين الذين تغيرت نظرتهم إلى العرب والمسلمين أصبحت صيرورة الحياة مختلفة ومغايرة لما كانت عليه من قبل. ومر أسبوع على الأحداث وحل وقت مغادرة أمريكا، وفى هذه المرة اخترت دولة باهاماس , حصلت على تأشيرة هذا البلد، ومن كثرة حرسي على أن تمر الأمور بسلامة وأعود من حيث آتيت كنت أصحب أبنائي معي لتفادي كل طارئ لأن هويتهم الأمريكية تحميني من كل أذى. غادرنا أمريكا، وجرت العادة على أن تأخذ منك رخصة الدخول عند مغادرة التراب الأمريكي، وهي عبارة عن ورقة تثبت تاريخ الدخول والخروج، وحينما وصلنا إلى مطار باهماس منعنا من المرور بسبب أحداث الحادي عشر من شتنبر، حيث صدر أمر بمنع كل العرب والمسلمين من دخول باهاماس وكانوا على وشك ترحيلي إلى المغرب, لكن بعد استشارة شرطة الحدود الأمريكية المتواجدة بمطار باهاماس سمح لنا بالعودة على متن أول طائرة متجهة إلى أمريكا وذلك بسبب حمل أبنائي للهوية الأمريكية واستطعنا بذلك التخلص من هذا الكابوس المزعج، لكننا واجهنا مشكلا آخر هو نسيان ورقة المرور، وعندما وصلت إلى أمريكا انطلقت معاناة من نوع آخر بعد أن أصبحت في وضعية لست فيها ممن داخل أمريكا ولا أنا ممن هم خارجها . قبلت هذا الوضع والتزمت السكوت لتفادي المغادرة من أجل تجديد التأشيرة لأنها كانت مكلفة ومزعجة.