تدخل فعاليات المهرجان الدولي للمسرح الجامعي يومها الثالث، حيث سيكون الجمهور اليوم الإثنين على موعد مع ثلاثة عروض تندرج ضمن المسابقة الرسمية مسرحية: «موبي ديك» الذي يمثل جامعة كينساو من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فيما سيشهد المعهد الثقافي الفرنسي تقديم العرض المسرحي «العالم بالمقلوب» لطلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك على الساعة السادسة والنصف... سيقدم طلبة كلية الآداب والعلوم الإنسانية القاضي عياض بمراكش «ديكة شامية»، وذلك على الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال. وبالنسبة إلى العروض المقدمة على هامش المسابقة الرسمية، تمت برمجة «اللياف تنكط» لجمعية أنفاس السمارة. على صعيد آخر، عرف حفل الافتتاح تقديم عرض مسرحي احترافي هو «باب البحر»، من إنجاز جمعية المسرح المعاصر، فرقة بصمات الفن أكادير, من إخراج ابراهيم ارويبعة، ومن تشخيص رشيدة كوران وعبد المالك أورايس وعزيز بوجعبة ومحمد المنشور. «باب البحر»: مسرحية تفتح عتماتها لإضاءة عتمات الإنساني ومكبوتاته الدفينة.. «حشومة» هي الصدى الذي يخلخل أركان نفسية الشاب المعتمة: (حشومة تكول لا... حشومة تهضر في هاد الشي... حشومة... حشومة). تصدعات تهز شخصية الشاب، يتقاسمها اليومي والموروث، فتتسع الدائرة لتشمل كل الشخصيات، فيصبح المكبوت والمسكوت عنه هو القلق الوجودي، والذي يحمل المريض على الضياع بين فلسفة السؤال وإمكانيات البحث عن أسئلة أخرى تمنحه الحق في الوجود. تميز العرض المسرحي بتناغم مستوياته النصية السينوغرافية والإخراجية وأداء الممثلين، فعلى مستوى السينوغرافيا التي اتخذت طابعا تجريديا، لم يكن حضورها مختزلا في تأثيث الفضاء كعنصر ديكور، بل تعداه إلى مستوى وظيفي له رمزيته الدلالية، باعتباره مجموعة من الأوتار التي تحيل على آلة القانون، ومن خلالها يعزف الطبيب على أوتار المريض لإخراجه من قوقعته، كما أشار مخرج المسرحية ابراهيم ارويبعة، والإيحاء الثاني من وجهة نظره، أن السينوغرافيا تشكل منافذ لخروج الممثلين، وفي نفس الوقت تعبر عن فضاء رمزي يعكس مجموعة من المشاهد ويسهم أيضا في تحولاتها، فقد تتحول إلى قضبان سجنية، وإلى نول للنسيج. هذا الحضور التجريدي للسينوغرافيا المتسم بالشفافية والتجريد، طبع أيضا الخاصية الجمالية للملابس، التي لم تكن تدل فقط على سمات الشخصية الخارجية، بل أيضا على سماتها الروحية وطبيعتها الداخلية، حيث تم توظيف الجلباب المغربي بمواصفات جمالية كسرت طابعه التقليدي الواقعي من ناحية الشكل، ومن الناحية الدرامية، كانت تحيل على تقوقع وانغلاق الشخصية على عالمها الداخلي، وحين تخرج من جلبابها، تعري عن دواخلها، وقد عمق من هذا الإحساسَ سيرُ الإنارة في نفس المنحى لخدمة التيمة الرئيسية للعمل المسرحي، برصدها للحياة العادية للشخوص وتحولاتها لحظة عنفها الداخلي أو هدوئها، خاصة الشخصية الرئيسية «المريض»، فاللون الأزرق الذي يحيل على «باب البحر»، يصب من نافذة البيت التي يطلب الطبيب شعاعها، لكنها تشكل مشكلا للمريض الذي يميل نحو الانغلاق ويهرب نحو العتمة، وبشكل عام، بقدر ما تأتي الإضاءة مفتوحة، بقدر ما تساعد على إبراز ملامح الممثلين، وحين تأتي باردة، فإنها تعكس برودة المريض، وبذلك شكلت الإنارة امتدادا للأبعاد السيكولوجية للشخصيات، وأثمرت في رصد أجواء الفضاء وتحولات المشاهد، بما هي تحولات حياتية وصيرورة زمكانية، محورها سيرة البطل الرئيسي ضمن محيطه العائلي، وفي علاقته مع «المعلم» الخياط، وهي في نفس الآن ملمح لشرط تاريخي سياسي يرتبط بمغرب السبعينيات، من خلال ثلاثة ممثلين أتحفوا الجمهور بقدرتهم على التكيف مع أداء أدوار متنوعة لشخوص متناقضة ومتباعدة (الأم، الأب، المريض، الطبيب، الخياط، المخرج الممثل، دون أن نحس بهذا الإنتقال لنفس الممثلين من تقمص سمات شخصية تنتمي إلى شريحة إلى نمط آخر من شريحة أخرى، حيث أفلح المخرج في إدارة الممثل بجعله يبرز كفاءته في الانتقال بشكل سلس من مشهد إلى مشهد ومن شخصية إلى أخرى، اعتمادا على توظيف طاقته الداخلية وصوته وبالاعتماد على جسده. الموسيقى التي قام بتوزيعها وتأليفها بوحسين فلان، قامت على عنصر المزج بما يخدم الكوريغرافيا، للدلالة على الحزن، الفرح، بتوظيف آلة الرباب كعنصر تراثي ينتمي إلى الجنوب المغربي، مع إيقاعات من شمال المغرب، ودمج آلات الكمان، البيانو، الأورك، إضافة إلى الآلات الإيقاعية. وهكذا ضمن المخرج وضع لمساته الجمالية في تقديم العرض وفق تصور ينبني على روح الفريق الجماعية، وأن يجد توازنا لكي يكون قريبا في توجهه على مستوى التلقي إلى كل شرائح المتفرجين. النص الدرامي لم يتم بناؤه وفق التقسيم الكلاسيكي: بداية، وسط، نهاية، بل كانت البنية السردية تتنامى داخليا بحسب المواقف والتداعيات التي تطرحها الأحداث. ويشار إلى أن حفل افتتاح المهرجان، الذي تشارك في عدة فرق جامعية ومحترفة تمثل كلا من أوربا وإفريقيا وأمريكا إلى جانب المغرب، عرف أيضا تقديم عرض فني «روح المهرجان» للمحترف الموسيقي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدارالبيضاء. ويراهن منظمو هذا الموعد السنوي، الذي يلتقي فيه مسرحيون هواة ومحترفون من انتماءات حضارية مختلفة، على ترسيخ تجربة إبداعية تحركها القيم والمبادئ التي توحد الإنسانية. واعتبرت رئيسة جامعة الحسن الثاني المحمدية رحمة بورقية في كلمة بالمناسبة، هذا المهرجان «شعلة فنية تتناقل عبر السنين ويحملها كل من آمن بدور المسرح وبأهميته في مسايرة التحولات الاجتماعية والثقافية للمجتمع». ويجسد اختيار موضوع «المسرح والتحولات» ليكون المحور الرئيس لهذه الدورة، رغبة المنظمين في تعميق البحث حول مجمل القضايا التي تهم الإبداع المسرحي بكل أبعاده وتقريب الفنانين الشباب من هذه التحولات. واحتفاء بالمسرح المغربي ورجالاته الذين بصموا مسيرة هذا الفن بإبداعاتهم التي أثرت الربيرتوار الوطني، سيتم خلال هذه الدورة تكريم المبدع المغربي عبد الكريم برشيد، الذي يعد قامة من قامات فن الركح بالمغرب حيث قدم العديد من المسرحيات التي أثرت المسرح الاحتفالي وأسهمت في إشعاعه، منها على الخصوص «عنترة في المرايا المكسرة» و«السرجان والميزان» و»ابن الرومي في مدن الصفيح» و«عطيل والخيل والبارود» و«امرؤ القيس في باريس» و«النمرود في هوليود» و«المقامة البهلوانية».