سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أصراف: أنا من اقترح أزولاي ليعمل على تلميع صورة الحسن الثاني بعد أن تخلى عنه مدير بنك «باري با» بباريس دافيد عمار وبيرديكو وأزولاي عاتبوني لأني لم أدعوهم للسلام على بيريز وموقفي كان أنهم مغاربة قبل كل شيء
يروي روبير أصراف في هذه السلسلة فصولا من حياته الخاصة وأخرى من مساره الدراسي وكثيرا من الأحداث التي كان شاهدا عليها في مغرب ما بعد الاستقلال. ولا تكمن أهمية ما يرويه أصراف في كونه كان أحد اليهود المغاربة الذين عايشوا بعض فترات التاريخ المغربي عن قرب، بل في كونه كان فاعلا أساسيا في عديد من الأحداث قادته إلى وزارة الداخلية والخارجية والقصر والصفقات التجارية، في إطار عمله بمجموعة «أونا» لسنوات كثيرة. في روايته هذه، يبرهن أصراف على حس عال في الرواية التاريخية التي هو شغوف بها، والتي كان من ثمارها عدد من المؤلفات عن اليهود المغاربة دون أن يتخلى، يوما، عن مغربيته. - هل كان اللقاء بين الملك الحسن الثاني وبيريز مقررا في إفران أم أن القرار اتخذ في آخر لحظة؟ > في البداية، لم يسبق لصاحب الجلالة أن تحدث عن إفران كمكان للقاء. كان الحديث جاريا عن الرباط وعن أمكنة أخرى قبل أن يتقرر عقد اللقاء في إفران لكون المدينة توفر الظروف الملائمة لمثل هذا اللقاء من حيث هي بمثابة دائرة مغلقة ومنعزلة... - وكيف تم اللقاء في إفران، إذن؟ > أولا، شيمون بيريز لم يكن يملك جميع الصلاحيات السياسية. فقد تزامن لقاء إفران مع التوقيع في إسرائيل على اتفاق التناوب على الحكم مع إسحاق شامير؛ بحيث يقضي كل واحد منهما سنتين في منصبه قبل أن يتبادلا المسؤولية، حينها كان إسحاق شامير وزيرا للشؤون الخارجية. فكان ضروريا أن يلتقي شيمون بيريس بشامير قبل أن يأتي إلى إفران. جرت الأمور كما كان مقررا وانعقد اللقاء. وبعد فترة من الزمن، خرج اكديرة من قاعة الاجتماع وجاء ليقول لي إن شيمون بيريس لم يقل شيئا وإنه يحكي أشياء لا علاقة لها بما اتفق عليه، وإنه لا يضيف إلى ما تقوله الصحف شيئا. اندهشت لكلام اكديرة، فسألته: ما العمل؟ فقال لي: «ليذهب إلى حال سبيله، صاحب الجلالة لم يعد بحاجة إلى سماع ما يقوله...». بعد ذلك، التقيت شيمون بيريس وآخذته على تصرفه، مبررا ذلك بأنه كان من الواجب الوفاء بالتعاقد الموقع الذي جمع بينه وبين جلالة الملك. فبرر تصرفه بأن شامير هو الذي تدخل ليؤثر عليه قبل مجيئه إلى إفران، وبأن الأمر ليس بهذه السهولة... - وهل عاد بيريس إلى تل أبيب في نفس اليوم؟ > لا، بل تدخلت لدى اكديرة لأقترح عليه أن يقضي شيمون بيريس الليلة بالمغرب ويرحل إلى إسرائيل في اليوم الموالي. وفي المساء، اقتسمت مع بيريس مائدة العشاء، وأثناء ذلك تحدث هو ورفاقه عن أشياء وتبريرات بعيدة عن التعاقد الموقع بخط يده. وفي صباح اليوم الموالي، ذهبت لرؤية اكديرة مبكرا (حوالي الساعة الثامنة صباحا) وقلت له: «سي أحمد، لا يمكنك أن تترك شيمون بيريس يعود إلى تل أبيب دون أن يوقع بيانا مشتركا مع صاحب الجلالة أو معك. فلا بد من بيان مشترك بما جرى». وافقني اكديرة الرأي قبل أن يعود لرؤية صاحب الجلالة. وبعد ساعة ونصف، عاد اكديرة بوثيقة مرقونة ترصد جميع ما تم الاتفاق عليه قبل اللقاء، وكيف انتهى اللقاء بين الجانبين. حملت الوثيقة- البيان إلى شيمون بيريس وأطلعته عليه. ولم يجد بدا من التوقيع على ما جاء فيه لأنه كان متفقا مع المضمون كليا. استلمت البيان منه، واتصلت في الحال بمراسلة جريدة «لوموند»، التي كانت تقيم بفندق بالمدينة، وناولتها البيان الذي صدر ظهيرة نفس اليوم على الصفحة الأولى للجريدة. أذكر أن بيريس لم يعلق أبدا على مضمون البيان ولم يغير فيه شيئا، لأن البيان كان ينقل بأمانة ما دار من اتفاق بين الطرفين وما آل إليه اللقاء. لكن ثمة أشخاصا وجهوا إلي لومهم على شيء لم أفعله، ويتعلق الأمر بكل من دافيد عمار وسيرج بيرديغو وأندري أزولاي، الذين عاتبوني لأنني لم أفعل شيئا من أجل أن ينتقلوا من البيضاء إلى إفران لتقديم التحية إلى السيد شيمون بيريس! - وماذا كان موقفك أنت من هذا العتاب؟ > موقفي هو أنهم مغاربة قبل كل شيء، ولا علاقة لهم بشيمون بيريس... كل ما هنالك أنه جاء إلى المغرب وتحادث مع جلالة الملك، وأنا لم أمنعهم من الاتصال به. - ولماذا عاتبوك أنت ولم يعاتبوا غيرك؟ > هي مسألة غيرة... «لبسالة»... فإذا كنت كلفت بمهمة باسم جلالة الملك وبطلب من اكديرة، فالأمر يجب أن يبقى في حدود هذه المهمة. أبدا، لم يدعني جلالة الملك ليطلب مني شخصيا، مباشرة، القيام بهذه المهمة أو تلك. فما بالهم يحتجون؟ تدخلي لم يتجاوز حدود ما كلفت به... - وهل علمت، فيما بعد، برد فعل إسحاق شامير تجاه شيمون بيريس ؟ > إسحاق شامير كان يمثل اليمين المتطرف وشيمون بيريس كان يمثل اليسار، فكان طبيعيا أن يغضب الأول من البيان الذي صدر عقب لقاء إفران... أعتقد أنه لو كان شيمون بيريس يتمتع بالأغلبية البرلمانية آنذاك لكان لقاء إفران نجح. لكن ما حدث في إفران كان حلقة من حلقات التطور الطبيعي للأحداث. ففي سنة 1993، تم التوقيع على اتفاقات أوسلو والاعتراف المتبادل بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. ثم إن لقاء إفران كان مرحلة لاحقة لمراحل سابقة مثل زيارة الوفد الإسرائيلي للمغرب وإنشاء التجمع العالمي لليهود المغاربة بموافقة من جلالة الملك وشيمون بيريس؛ وكان هو التجمع الوحيد من نوعه في فترة مبكرة... وبعد تأسيسه حدث أن استقبلنا الحسن الثاني، كما استقبلنا شيمون بيريس هو الآخر... - يقال إنك أنت من كان وراء تعيين أندري أزولاي مستشارا للملك الحسن الثاني. ما هي حيثيات هذا التعيين؟ > لست أنا من عينه، بشكل مباشر، في هذا المنصب، بل تم الأمر، أولا، باتفاق مع فؤاد الفيلالي وسي عبد اللطيف الفيلالي رحمه الله. ولا بد هنا من التذكير بالسياق الذي حدث فيه هذا التعيين.. فقد تميز هذا السياق بصدور كتاب «صديقنا الملك» ل«جيل بيرو»، فكان لا بد من القيام بشيء إزاء هذا الأمر. كان هنالك خياران هما: إما أن نرد عليه أو أن نعمل على تلميع صورة الحسن الثاني. فوقع الاختيار، في النهاية، على الحل الثاني. لكن للقيام بذلك كان لا بد من وجود رجل مختص في التواصل، فاقترحت أندري أزولاي ليقوم بهذا العمل، لأنني اعتبرته الرجل المناسب، ولاسيما أنه كان متفرغا في ذلك الوقت بعد أن تخلى عنه المدير الجديد لبنك «باري با» بباريس، الذي كان يشتغل لحسابه كمدير للتواصل. اقترحته، إذن، على فؤاد الفيلالي ليفاتح الملك في الموضوع.