يروي روبير أصراف في هذه السلسلة فصولا من حياته الخاصة وأخرى من مساره الدراسي وكثيرا من الأحداث التي كان شاهدا عليها في مغرب ما بعد الاستقلال. ولا تكمن أهمية ما يرويه أصراف في كونه كان أحد اليهود المغاربة الذين عايشوا بعض فترات التاريخ المغربي عن قرب، بل في كونه كان فاعلا أساسيا في عديد من الأحداث قادته إلى وزارة الداخلية والخارجية والقصر والصفقات التجارية، في إطار عمله بمجموعة «أونا» لسنوات كثيرة. في روايته هذه، يبرهن أصراف على حس عال في الرواية التاريخية التي هو شغوف بها، والتي كان من ثمارها عدد من المؤلفات عن اليهود المغاربة دون أن يتخلى، يوما، عن مغربيته. - تحدثت عن عقد مؤتمر عن اليهود المغاربة بمباركة من الحسن الثاني واكديرة. ترى ما أهمية مثل هذه اللقاءات في وقت كان فيه الوضع العربي متوترا على مستوى العلاقات العربية الإسرائيلية؟ > كان من نتائج هذا العمل أن غير الكثيرُ من الإسرائيليين نظرتَهم إلى المغرب، لأنهم رأوا حقيقة أخرى كانوا يجهلونها. كما أن الكثير من اليهود القادمين إلى إسرائيل من بلدان أوربا الشرقية كانوا يعتبرون المغرب عبارة عن منطقة مهمشة مازالت تعيش العهود البائدة... خطوات مثل هذه تعود على البلد بفوائد كثيرة، خاصة على المستوى السياحي، لأنه لا بد من فصل المجال السياحي عن المجال السياسي. والبلدان التي خلطت بين المجالين، مثل الجزائر، نجدها اليوم تعاني من هذا الخلط... فالمغرب نجح، منذ عام 1984، في إظهار الوجه الحقيقي دون تنميق أو إخفاء... - لنعد، إذن، إلى لقاء إفران وإلى الدور الذي كلفت به كيهودي مغربي... > أولا، لم يقحم الملك الحسن الثاني أبدا اليهود المغاربة في الأمور السياسية للبلاد ولم يطلب أبدا من أي يهودي مغربي التدخل في أي قضية مهما كانت طبيعتها.. لم يطلب أبدا من أي يهودي يعيش في المغرب أن ينضم إلى أي لقاء مع أي إسرائيلي. مبدَأ الملك هذا كان ينبع من خلفية التضامن العربي الإسلامي، فهو لم ينس أبدا أنه رئيس دولة عربية وأنه كان قريبا من الفلسطينيين وأنه ساعد الشعب الفلسطيني في خلافه مع إسرائيل. - كنت في إسرائيل عندما بدأت حكاية لقاء إفران؟ > لا، أبدا. كنت في باريس عندما اتصل بي سي أحمد رضا اكديرة هاتفيا ليخبرني بأن صاحب الجلالة غير رأيه وأنه لم يعد يرغب في الذهاب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية تلبية لدعوة الرئيس رونالد ريغان، ولا إلى الأممالمتحدة حيث كان من المحتمل أن يلتقي رئيس الحكومة الإسرائيلية. طلب مني اكديرة، إذن، أن أنتقل إلى إسرائيل للقاء شيمون بيريس والتأكد من أنه مستعد، فعلا، للمجيء إلى المغرب من أجل تدشين نقاش مفتوح ومباشر وكامل. استقللت الطائرة من باريس إلى إسرائيل، والتقيت شيمون بيريس، الذي كان مرفوقا بأوري سافير، رئيس كتابته الخاصة آنذاك، الذي كان يتكلم الفرنسية بطلاقة. تحدثت إلى الوزير الأول الإسرائيلي في الموضوع، فأبلغني رغبته في إجراء اللقاء مع جلالة الملك في المغرب. فوضحت له أن الأمر ممكن، لكن يجب أن أعيد الاتصال باكديرة للتأكد من ذلك. فطلبت هذا الأخير على الهاتف من مكتب شيمون بيريس، وأكد لي أن صاحب الجلالة لا يمانع، مبدئيا، قبل أن يصر على أن أتأكد من أن الوزير الإسرائيلي مستعد للحديث في كل القضايا العالقة مع الفلسطينيين. أبلغت شيمون بيريس بأنني أريد وثيقة يؤكد لي بموجبها أنه مستعد للحديث إليه. بعد ذلك، غادرت نحو المطار عائدا إلى المغرب. وبينما كنت في المطار لحق بي يوسي بيلين، الذي كان أسهم في مفاوضات أوسلو وصياغتها مع محمود عباس، ليسلمني وثيقة الالتزام بما قاله شيمون بيريس. - طبعا، سلمت الوثيقة إلى أحمد رضا اكديرة... > نعم، بعد وصولي إلى المغرب سلمتها إلى اكديرة، قبل أن ألتقيه في اليوم الموالي ليخبرني بأن صاحب الجلالة يلح على أن تحمل الوثيقة التوقيع الشخصي للسيد شيمون بيريس. مرة أخرى، عدت إلى إسرائيل والتقيت رئيس الوزراء الإسرائيلي وأبلغته رغبة جلالة الملك في توقيعه على الوثيقة. فرد علي بأنه لا يمانع في التوقيع، لكن بشرط أن يتأكد هو الآخر من موافقة صاحب الجلالة على اللقاء، وهذا يتطلب توقيعا مماثلا منه أو من شخص يمثله. اتصلت، إذن، بسي أحمد رضا اكديرة فأخبرته بما جرى، فقال لي: «ما عليك إلا أن توقع الوثيقة أنت نفسك...». وقع شيمون بيريس على الوثيقة، ووقعت أنا كذلك؛ لكنه قال لي قبل أن يوقع: «روبير، هل تعتقد أن التوقيع على هذه الوثيقة لا يحمل أي خطر علي؟.» فأجبته: «إذا كان من خاسر في هذه القضية فهو الحسن الثاني، وليس أنت. ماذا عساك تخسر أنت؟». فقال لي: «ربما تسبب لي هذا التوقيع في موتي السياسي، والموت السياسي أخطر من الموت العادي». وفي اليوم الموالي، هاتفني أوري سافير ليقول لي إن شيمون بيريس يحترمني، إلا أنه يريدني أن أتصل باكديرة ليتأكد من أن توقيعي ملزم وأنني أمثل الملك فعلا. - كان عليك أن تقدم الدليل على ذلك... > نعم، وقد أخبرت سي أحمد رضا اكديرة بشرط الإسرائيليين، فأجابني بأنه سينتقل إلى باريس في التاريخ الفلاني وسيلتقي هناك بممثل عن الجانب الإسرائيلي لاستكمال التوقيع على وثيقة الالتزام، فتم الاتفاق على اللقاء في فندق «كريون» بباريس. فعلا، انتقلت إلى الفندق والتقيت أوري سافير وقدمته إلى سي أحمد في غرفته. فقال له الأخير: «سيدي، لقد جئت من المغرب في رحلة سريعة ذهابا وإيابا لأؤكد لك أن الوثيقة التي سلمني إياها روبير حقيقية وأنني أنا من طلب من روبير التوقيع لأؤكد لكم موافقتنا على اللقاء، وها هو التاريخ الذي يحدده جلالة الملك للقاء السيد شيمون بيريس بالمغرب». ظل المبعوث الإسرائيلي يرمقني تارة ويرمق أحمد رضا اكديرة تارة أخرى قبل أن ينهي هذا الأخير اللقاء، ويعتذر لأنه كان عليه أن يعود إلى المغرب بسرعة. وبعد مغادرة اكديرة الفندق، أخذ المبعوث الإسرائيلي يحتج ويصيح: «كيف؟ لماذا يتركني ويغادر بهذه السرعة؟ لماذا لا نتناول العشاء جميعا؟...»، فتدخلت لأقول: «اسمع، جئت لغرض محدد. اكديرة كذلك جاء لنفس الغرض؛ هذا هو اتفاقكما وقد قمتما بما جئتما من أجله، فهل تريد أن أتصل به ليعود؟...». فقال: «لا...»، قلت: «إذا كانت المسألة مسألة عشاء، فأنا الذي سأدعوك إليه، رغم أنه لم يكن في نيتي ذلك...».