كرست عملية انتخاب مكاتب مجالس المقاطعات والجماعات، التي عرفتها عدد من مدن المغرب، منطق هيمنة المرشحين الذين يحملون صفة وزراء وأمناء عامين لأحزاب سياسية، حيث لم يخب ظن جل الوزراء الذين دخلوا غمار هذه المنافسة غير المتكافئة في الظفر برئاسة تلك المجالس. وهكذا استطاع عبد الواحد الراضي الذي يحمل صفتي كاتب أول للاتحاد الاشتراكي إلى جانب كونه وزيرا للعدل, أن يتوج على رأس جماعة القصيبية بإقليم سيدي سيلمان، في حين تمكن حليفه في الحكومة مصطفى المنصوري، رئيس التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجلس النواب، من الظفر بجماعة العروي بإقليم الناظور. ونفس الشيء تكرر مع رئيس مجلس المستشارين المعطي بنقدور عن نفس الحزب الذي توج رئيسا على جماعة الجاقمة دائرة الكارة التابعة لإقليم برشيد. أما الوزير عبد اللطيف معزوز الذي ترشح لجماعيات 2009 بإقليم صفرو عن حزب الاستقلال فقد قاده تحالفه مع العدالة والتنمية محليا إلى رئاسة جماعة صفرو. كما حافظت وزيرة الصحة الاستقلالية ياسمينة بادو على نفس منصبها داخل مقاطعة آنفا. وإذا كانت الأسماء السالف ذكرها قد استطاعت الوصول إلى رأس تلك الجماعات بسبب حملها لصفة وزير حالي, فإن أسماء أخرى ما زالت «بركة» صفة وزير سابق تؤدي مفعولها معهم كما هو الشأن بالنسبة إلى وزير الشؤون الخارجية السابق محمد بنعيسى، الذي يستحق الدخول إلى كتاب غينينس للأرقام القياسية، بعدما استطاع أن يقنع 15 مستشارا ينتمون إلى حزب الأحرار بالتصويت على لائحته التي تتضمن اسمه فقط بالجماعة الحضرية أصيلا. أما كاتب الدولة السابق بوزارة الداخلية وصديق الملك فؤاد عالي الهمة فالطريق كان سالكا أمامه للظفر ببلدية الرحامنة. سياسة القرب على الطريقة المغربية حسب الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لجمعية بدائل إدريس بنعلي, فإن سلاسة وصول الوزراء وقادة الأحزاب السياسية إلى مناصب رئاسة الجماعات المحلية تراجع إلى سياسة الأعيان التي يعتمد عليها النظام المغربي منذ أمد طويل، وهي ليست ظاهرة جديدة بقدر ما هي إعادة إنتاج نفس الأنماط الكائنة. يوضح بنعلي ل«المساء» أن هذا السلوك مرتبط بمحاولة النظام السياسي بالمغرب تطويق المجتمع وتأطيره عن طريق هذه النخب التي كسبت ثقته. حيث يحاول هؤلاء الأشخاص، عن طريق الخدمات التي يقدمونها للساكنة التي ينحدرون من نفس موطنها تجسيد سياسة القرب على الطريقة المغربية. وبخصوص الكيفية التي يعتمدها هؤلاء في الظفر برئاسة تلك المجالس، يوضح الخيبر الاقتصادي، أن الخدمات التي يقدمونها عادة كرخص حراسة السيارات، والتوسط للسكان في الحصول على وظائف في الدولة تعبد الطريق أمامهم للفوز في الاستحقاقات. كما يعزو بنعلي تنامي ظاهرة الأعيان إلى تغير الهيكلة السوسيولوجية للمدن المغربية، التي كانت تعرف انتشار الطبقة الوسطى، التي لم تكن تقبل بسلوك الأعيان الذين كان لهم نفوذ قوي في المدارات القروي،ة أما بعد أن صارت المدن هي الأخرى قروية بفضل الهجرة القروية، فقد دخل هؤلاء الأعيان إلى المدن وصاروا يستعملون الوسائل القديمة المتعلقة بسياسة القرب من المواطنين، وتتمركز عبر ذلك سلط الدولة بأيديهم. وبخصوص إمكانية التوفيق بين الجمع بين مهام متعددة، حيث يكون الشخص وزيرا ورئيسا للجماعة ومديرا لمؤسسة عامة إلى جانب منصبه القيادي في الحزب، أوضح بنعلي أن الذي أنتج تمركز الوظائف بين يدي نخبة قليلة كان هو قلة الأطر الكفأة التي يمكن أن تتحمل مسؤولية تلك الوظائف. لكن هذا العامل لم يعد مطروحا الآن بفضل ما يزخر به المغرب من طاقات. ورغم أن طلبات المجتمع كثيرة ومتعددة فان القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي لم تتغير، بل تتجه نحو التقليص، الشيء الذي جعل الكثير من الشباب لا يجدون مكانهم داخل المجتمع، مما خلق نوعا من التذمر لديهم, بعد أن خاب ظنهم في الترقية الاجتماعية ولم تعد الاستحقاقات الانتخابية وسيلة من وسائل الوصول إليها. تعطل هذه الوظيفية خيب الآمال عندهم وشرع الباب بالمقابل للتوجه نحو التطرف. وبخصوص أسباب الإحباط الذي يسببه هذا الوضع يوضح بنعلي أن المشكل الأساسي في الأزمة السياسية المغربية ناجم عن غياب الزعامة السياسية القادرة على خلق بذور الأمل وزراعة الثقة من جديد. كما هو ناتج عن غياب مشروع مجتمعي واضح المعالم. قدرات عفريت سليمان بالنسبة إلى عز الدين العلام، أستاذ العلوم السياسية فإن الذي يتحكم في ظفر هذه الأسماء بتلك المجالس هو حضورهم المعنوي والعلاقات التي يربطونها. كما لديهم عدد من الزبناء إلى جانب وضعيتهم الاعتبارية. ويكفي أن يكون الشخص وزيرا وأمينا عاما أو قياديا بحزب كي تكون الطريق سالكة أمامه للقيام بعدد من المهام وبالتالي لا مجال للتنافس معه في تلك المجالس. ولكن تكديس المناصب يبقى أمرا غير ذي جدوى حسب العلام، فالشخص الذي يراكم المناصب يتعين عليه ان يتمتع بقدرة عفريت سيدنا سيلمان حتى يمكنه التوفيق بينها، حسب تعبير الباحث السياسي، مشيرا إلى أن غالبية الذين يقومون بهذا العمل يتكلون في إنجاز المهام المكلفين بها على أشخاص آخرين، وهم الذين يتحكمون حقيقة ويقررون سواء في الوزارات أو مجالس الجماعات. وحول ما إذا كان تكديس وجمع هذه الوظائف هو نوع من « البريستيج» بالنسبة إلى هذه الأسماء، رغم أنها لا تباشر حقيقة تسيير تلك المجالس، يوضح العلام أن عددا من الاعتبارات تتدخل لتحديد هذه السلوكيات. فبالنسبة إلى بعض المناطق المهمة بالمغرب المحسوبة على المغرب النافع تتدخل الدولة بكل ثقلها لتوجيه من يكون مشرفا علي تسيير الشأن المحلي بها. أما المناطق المحسوبة على المغرب غير النافع فإن الدولة لا يعنيها من يسير تلك المناطق. على أن الاتجاه العام يسير عادة في اتجاه إسناد مهمة تسيير أمر العديد من المجالس من خلال توجيه ضمني من الدوائر العليا، من خلال فسح المجال لبعض من النخب السياسية مع إعطاء إشارات بأنها مقبولة لدى هذه الدوائر، مقابل رفع الفيتو في وجه نخب أخرى بدعوى أن الدوائر العليا غير راضية عنها. الانتماء العائلي بطاقة مرور للمناصب العليا يحدد محمد سوكري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، 3 عناصر مجتمعة كمعايير معتمدة من قبل المنظومة السياسية بالمغرب قصد الولوج إلى دائرة القرار أو امتلاك السلطة. أولى هذه العوامل متعلقة بعنصر الكفاءة سواء منها التقنية والعلمية والقدرة على التسيير، لكن يلاحظ سوكري في تصريح ل«المساء» أن هذا الشرط ليس بالضرورة لازما بالنسبة إلى النخبة الحالية، حيث يترك هذا العنصر الباب مشرعا أمام العنصر الثاني ضمن هذه العوامل المتعلقة بشرط الولوج, ألا وهو عنصر العشائرية أو المحور العائلي. ذلك أن الانتماء إلى عائلات مقربة من المخزن كآل الفاسي يعد بمثابة بطاقة خضراء لتبوء المناصب ويضاف إلى هذين العنصرين شرط الولاء، هذا العنصر ليس إيديولوجيا بالضرورة ولا يرتبط بما هو فكري بقدر ما يتعلق بإمكانية الخضوع للنظام السياسي والولاء للمخزن. ولا تخرج طرق الولوج، حسب أستاذ العلوم السياسية، عن باقي الأنماط المتبعة والمتعلقة بالعشائرية والمصلحة والزبونية. ونتيجة لهذا الوضع نجد أن نفس النخب ونفس الأشخاص من نفس الانتماءات الأسرية يحتكرون الوظائف السامية، مما يفوت الفرصة على باقي الشرائح الأخرى قصد التداول عليها، الشيء الذي يفرغ محتوى مسلكيات الانتخابات والهيئات السياسية من أن تلعب دورها المفروض في أن تكون وسيلة من وسائل الترقية الاجتماعية.