لم تنفع محاولات اللمّ المتكررة في خلق إجماع حول إسلام توافقي وقادر على تمثيل الستة ملايين مسلم الذين يعيشون في فرنسا. ما بين «إسلام الجزائر»، «إسلام المغرب» و«إسلام إفريقيا» و«الإسلام الآسيوي»، ما بين النفوذ السري للسعودية والنضالية المكشوفة للإخوان المسلمين وأتباعهم.. كل يلغو بلغوه. بدل أن تسخر هذه التعددية الإثنية، الثقافية والروحية لخدمة قضايا المسلمين وتحويل تواجدهم إلى قوة فاعلة، بل نافذة في المجتمع الفرنسي، لا تزال تفرقهم مشادات تافهة حول اليوم الثابت لذبيحة الأضحى أو رؤية هلال شهر رمضان، إلى درجة أن العديد من المسلمين أصبحوا يثقون في التقويم الذي توزعه وزارة البريد والمواصلات الفرنسية، وليس في تقويم مسجد باريس أو اليوميات التي تقترحها المجازر الإسلامية! وتوفر لنا بانوراما العلاقات بين مختلف المؤسسات الممثلة للديانة الإسلامية نظرة وافية عن طبيعة النبذ التي يغذيها البعض تجاه البعض الآخر، إذ ما بين مسجد باريس، الذي يسيره الجزائريون، والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الذي يتحكم فيه المغاربة، ما بين «اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا»، الذي يسيطر عليه المغاربة بمعية الإخوان المسلمين، ومسجد باريس والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، ثمة حرب مفتوحة، رهاناتها مالية وسياسية، وطبعا إيديولوجية. هذا على مستوى المؤسسات الكبرى؛ أما على مستوى مساجد الضواحي والهوامش، وهي عبارة عن «كاراجات»، بأئمتها ومللها، فهي تشتغل من دون تقنين وفي الظلام. ثم هناك الجمعيات المزيفة التي تتحدث باسم الإسلام والتي يتلخص مسعاها في الحصول على اعتمادات مالية من طرف الجماعات المحلية أو من طرف هيئات خليجية للإحسان. ولكأن البانوراما ليست قاتمة بما فيه الكفاية، رأت النور في المدة الأخيرة جمعيات وهيئات إسلامية تعرف بنفسها وبرنامجها كهيئات لائكية، هدفها الدفاع عن المواطنة، الاندماج وحرية المعتقد داخل الإسلام. يرفع دعاة هذا التوجه الجديد الشعار التالي: حساسيتنا إسلامية وعقلنا علماني! في هذا الاتجاه أطلق عز الدين بوعمامة، جزائري-مغربي الأصل، والذي يعرف نفسه ك«مسلم علماني»، مبادرة لخلق تجمع لاديني، يهتم بالتربية والتطبيب والدراسة في أوساط العائلات المسلمة في فرنسا، وتحديدا في مدينة كان التي يقطن بها. مروان بولودنين، طبيب جراحي يعمل بمدينة نيس بالجنوب الفرنسي، أعلن بدوره، هذا الأسبوع، رفقة مسلمين وفرنسيين، عن تأسيس جمعية «موزاييك. الفيدرالية اللائكية للمواطنين ذوي الاتجاه الإسلامي». وقد أشار الدكتور بولودنين إلى أن «أحد أهداف الجمعية هو خلق إطار مؤسساتي لائكي وجمهوري للأغلبية الصامتة التي تسعى إلى التعبير عن هويتها المغتصبة من طرف أقلية صاخبة... وإلا سيبقى المتطرفون أسياد الساحة». في العاشر من هذا الشهر، أطلقت رسميا بمدينة درانسي، بناحية السين-سان دونيه، «مناظرة أئمة فرنسا» التي ترأستها كريستين بوتان، وزيرة الإسكان وبحضور ممثلي المدينة وبعض ممثلي الهيئات الديبلوماسية العربية ورئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا، والحاخام الأكبر لباريس. وتغيب عن الاجتماع ممثلو وزارة الداخلية ومسؤولو الكنيسة المسيحية، وكذا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. ويرأس «مناظرة أئمة فرنسا» حسن الشلغومي، وهو شخص ترعاه المؤسسات اليهودية ولا يثير لا إجماع وزارة الداخلية، وهي الجهة المكلفة بالأوقاف، ولا إجماع المسلمين. الملاحظ في هذه الجمعيات أو الهيئات رغبتها في استنساخ «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا»، تنظيما وتسييرا وتوجها. وقد بلغت الألينة بالدكتور بولودنين ورفاقه درجة بالغة من السخافة إلى حد تلقيب الجمعية التي يرأسها، في آخر اجتماع عقدته الجمعية هذا الأسبوع باسم ٌCRIM، «المجلس التمثيلي للمؤسسات الإسلامية»، كناية عن CRIF، «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا!». كل هذه المبادرات تمت بتزكية من المستشار الخاص للرئيس ساركوزي، هنري غينو، الذي استقبل لأربع مرات مسؤولي جمعية CRIM. هل تزكية غينو لهذه المبادرات عمل فردي؟ إن كان بموافقة قصر الإيليزيه فإن ذلك يتناقض ومسؤولية ساركوزي تجاه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهي هيئة كان من وراء ابتكارها. الخلاصة هي أن حالة التشرذم التي يعيشها الإسلام في فرنسا، لن ينجح في ترميمها وإصلاحها لا CRIM ولا نموذج CRIF وإنما عملية إصلاح راديكالي ومن الداخل.