أحيانا ، لا يعرف المرء ماذا يجب عليه أن يفعل عندما يسمع بعض «السياسيين» المغاربة عندما يحلّون ضيوفا على التلفزيون، وهم يقولون كلاما غريبا ينتمي إلى الكوميديا السوداء، لكنهم ينطقون به وهم جادّون في كلامهم. أي أنهم يحوّلون هذه الأخبار الساخرة إلى كلام «ديال بصحّ». آخر مثال على هذا النوع هو ما قاله حميد شباط، عمدة مدينة فاس عندما حل في الأسبوع الماضي ضيفا على برنامج «حوار»، وصرّح بدون خجل أمام المشاهدين بأن كل من دخل إلى مدينة فاس يصبح عالما في ثمانية أيام! ما قاله شباط في الحقيقة كان يجب ألاّ يمرّ مرور الكرام، لأنه استخفّ بأهم وأقدس شيء في حياة الإنسان، ألا وهو العلم، الذي يفني العلماء (سواء علماء الشرع أو علماء العلوم الأخرى) حياتهم من أجل تحصيله، وبعد ذلك يأتي شباط ويضرب كل مجهودهم وسهرهم في الصفر، عندما يقول إن الإنسان يستطيع أن يصير عالما في ثمانية أيام، كل ما يجب عليه أن يفعله هو أن يأخذ عطلة من ثمانية أيام ويذهب لقضائها في مكان ما في مدينة فاس، وهكذا يصير عالما في ثمانية أيام! ب«إذن» حميد شباط بطبيعة الحال! ما صرح به شباط يعتبر استهتارا بالعلم والعلماء، وعلى كل حال فما قاله الرجل يضعنا مرة أخرى أمام سؤال قيمة العلم لدى المغاربة، خصوصا في هذا الزمن الذي استطاعت فيه السيدة ثريا جبران أن تصل إلى منصب وزيرة الثقافة، رغم أنها لا تتوفر على شهادات أخرى باستثناء شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله! القيمة الحقيقية للعلم لدى المغاربة يمكن أن نكتشفها في الأرقام التي كشفت عنها إحدى الدراسات في وقت سابق، والتي تتحدث عن كون المغاربة لا ينفقون على الثقافة سوى ستين سنتيما في اليوم! يعني طناش ريال. من يسمع بهذا الخبر الغريب لا يمكنه بطبيعة الحال إلا أن يضحك. ولكنه ضحك كالبكاء كما قال الشاعر. أي أنه يتحوّل إلى «بومزوي» فيما بعد ! وبما أن ثريا جبران هي المعنية الأولى بهذا الخبر الكارثي، ما دام أنها تحمل حقيبة وزارة الثقافة، فقد أعلنت معالي الوزيرة بعد صدور هذا الرقم عن كون وزارتها تشتغل على «خطة وطنية» من أجل تحفيز المغاربة على القراءة وشراء الكتب. ولكن، ما هو السبب الذي يجعل المغاربة أصلا لا يقرؤون ؟ هذا هو السؤال الذي يجب على الوزيرة أن تبحث له عن جواب قبل التفكير في أي خطة أو برنامج للتشجيع على القراءة. فالمغاربة يا سعادة الوزيرة لا يقرؤون ليس لأنهم لا يحبون القراءة، بل لأن الظروف العامة التي يعيش فيها البلد هي التي لا تساعد على ذلك . بالله عليكم كيف تريدون من الناس أن يقرؤوا الجرائد مثلا، ونحن نرى كيف أن الصحف تنشر كل يوم أخبار عمليات الاختلاس والنهب التي تتعرض لها المؤسسات العمومية ، ومع ذلك لا يمكن أن تسمع حتى عن توقيف أحد المفسدين ، فأحرى تقديمه إلى المحكمة . وقبل أشهر فقط ، نشرت كل الصحف فضائح الفساد المالي والإداري التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير، وعوض أن نسمع عن تقديم كل المتورطين في تبديد المال العام، الذين وردت أسماؤهم في التقرير، أمام القضاء، نسي الجميع تقرير المجلس الأعلى بسرعة، وكأن الشعب المغربي ليس في حاجة إلى كل هذه الأموال الطائلة التي تذهب كل يوم أدراج الرياح. لماذا إذن يشتري المواطن المغربي جريدة كي يملأ رأسه بالأخبار السوداء التي ترفع نسبة السكر في الدم ، وهو على علم مسبق بأن «أبطال» هذه الأخبار لن يتعرضوا ولو لمجرد مساءلة من طرف الجهات المختصة. وبعد ذلك يتساءلون لماذا لا يتجاوز عدد مبيعات الصحف المغربية مجتمعة 300 ألف نسخة في اليوم، وهو نفس العدد الذي كانت تبيعه في سنوات السبعينيات من القرن الماضي. إيوا راه سيادنا أولا قالوا: إذا ظهر السبب بطل العجب!