«إن الرواية العربية، اليوم، تعبّر عن واقع متعدد المسوخ والستارات المركّبة من الزيف والوهم والحقائق المدّمرة، وعن عالم انسحقت فيه نفسية الكائن، حتى باتت مشوهة تفرز أمراضا متعددة..»، وهي أمام اختيارين اثنين، إما «أن تكون حجابا يزيف العواطف والحقائق»، فتغرق في الذاتية والبكائية التي سادت فترة طويلة من الزمن، وإما أن تكون «مشهدا للتصادم والتجريب والحداثة، عن طريق خرق الستار وخلخلة البديهي الجامد وتدمير المعتقدات التكريسية..»، وهذا ما تحاول أن تفعله الرواية العربية الحديثة و«التجريبية ذات الحساسية الجديدة، والأفق المشرّع على أسئلة متقاطعة، والتي تتقصد اكتشاف المحتمل والممكن وتشريح «الهوية المحتجبة» للواقع والكائن..». يطرح كتاب (شعرية الرواية الفانتاستيكية) «رهانا تشكيليا لخطاب مغاير»، لصاحب شعيب حليفي بصفته يمثّل نوعا من الكتابة التي تمزج الطبيعي بما هو فوق الطبيعي من الشخصيات والأحداث «بطريقة مقلقة، تجعل المتلّقي يتردد بين تفسيرين للأحداث، ويشكّل هذا التردد العنصر الأساسي للفانتستيك، من خلال بحثه عن مفاجآت لعالمنا العادي والمألوف». بهذا المعنى تتخذ الرواية الفانتاستيكية طابع المغامرة والتجريب، فهي «رهان يعكف على سبر أغوار النفس وتحليل أحلامها واستيهاماتها وتخاييلها الشفافة والمعقدة معا..». من هذا المنطلق، يقسّم الكاتب شعيب حليفي بحثه إلى فصلين، يقدّم في فصله الأول تصورا نظريا لشعرية الفانتاستيك، وفيه يتطرق إلى وضع تحديد منهجي له، وإلى مواضيعه، وإلى المقاربة بينه وبين العجائبي والغرائبي، وإلى تفسير خطابه، وإلى استنتاج تركيبي عام لبنيانه. في الفصل الثاني ينتقل الكاتب إلى شرح مكوّناته السردية وحساسيته الوصفية، وإلى البحث في إطاره الذي يوحّد الزمان والفضاء ويسمح لهما بالتفاعل، وإلى وصف مميزات الشخصية الفانتاستيكية وتحولاتها. «ليس أمام الرواية ، اليوم أو غدا إلا البحث باستمرار عن مجازفات جديدة تسمها باللااكتمال المفتوح، والتعدد الخصب» الذي يجمع بين البحث بجرأة في ثنايا المعرفة إلى جانب غواية المتعة. لذا فإن بحث هذا الكتاب يقدم خدمات جليّة لصنّاع الرواية العربية، لأن الفانتاستيك، «هو تأكيد على غنى التخيّل العربي وإمكاناته الواسعة، ولما يعد به من مجازفات دلالية وشكلية»، وإنه ليستدعي ويستحق آليات نقدية جديدة.