شكلت الرقصة الشهيرة لوزير النقل كريم غلاب بمقاطعة سباتة شهر أبريل الأخير مؤشرا على بداية استعدادات عدد من وزراء حكومة عباس الفاسي لخوض انتخابات 12 يونيو القادم. فقد تأكد أن أغلب الوزراء سيترأسون لوائح أحزابهم خلال الاستحقاقات القادمة، وهو ما تسبب في نشوء مشاكل مع الأعضاء الذين يرغبون في أن تتحرك المياه الراكدة من تحت التكتلات داخل التنظيمات الحزبية، والسماح للطاقات الشابة بتجديد دمائها بما يمكن من ضمان تدبير جيد للشؤون المحلية، وتحسين صورة الأحزاب لدى المواطنين. وذلك بالإضافة إلى أن ترشح الوزراء يتسبب في تضييع شؤون المجالس البلدية التي يرأسونها لكونهم لا يستطيعون التوفيق بين المهمتين، ويستحيل عليهم مباشرة أداء المهام المطلوبة منهم بأنفسهم. ويرى الدكتور حسن قرنفل، الأستاذ الجامعي بجامعة أبي شعيب الدكالي بمدينة الجديدة، أنه آن الأوان لكي يفكر المغرب في سن قانون يمنع المزواجة بين منصب الوزارة ومنصب رئاسة المجالس الحضرية، خاصة في المناطق التي يكون تعداد سكانها كبيرا. ويشرح قرنفل في اتصال مع «المساء» أن لرئاسة وزير لمجلس بلدي لها تأثيرات سلبية كبيرة سواء على العملية السياسية وصورة تدبير الشأن العام لدى المواطن، أو على مستوى الاشتغال داخل البلديات نفسها. ويوضح الخبير المغربي ذلك بقوله «الكل يعلم أن منصب الوزير يعني انشغالات متعددة وعلى عدة مستويات، بحيث يستهلك المنصب ووظائفه والأدوار المطلوبة منه جل وقت الوزير، مما يعني بالضرورة تضييع المهام الأخرى وخاصة داخل المجلس البلدي الذي يحتاج إلى تركيز ووقت كبيرين». وبسبب هذا الانشغال، يضطر الوزراء في غالب الأحوال إلى تسيير بلدياتهم عبر الهواتف، وعبر تفويض الصلاحيات وهو ما يزيد من حدة المشاكل داخل المجالس البلدية، ويضاعف من مخاطر تضييع حقوق المواطنين. وسبق لمصطفى المنصوري، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار ورئيس مجلس النواب، أن أكد خلال ندوة صحافية بالرباط نهاية شهر أبريل الأخير، بمناسبة تقديمه لبرنامج حزبه الانتخابي، أن التطور التكنولوجي يسمح للوزراء الذين يترأسون مجالس بلدية بتسيير شؤون المجالس دون اشتراط حضورهم المادي بالضرورة. وفي نظر قرنفل فإن التكنولوجيا لا تغني عن حضور المسؤولين عن البلديات “وإذا كان الأمر كذلك يعلق ساخرا لماذا لا نفكر في إنشاء حكومة إلكترونية ونرتاح؟”. وهو الرأي نفسه الذي تتبناه المنظمات الحقوقية، وقد صرح عبد الإله بنعبد السلام، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ل «المساء» بأن تفعيل آليات المراقبة بات ضروريا لمحاسبة المنتخبين الجماعيين وخاصة الوزراء منهم، لأن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم تمس حياة المواطنين البسطاء بشكل مباشر. ويضيف بنعبد السلام أن احترام حقوق الناس من طرف المشرفين على الجماعات المحلية واجب وطني ومن المفترض أنهم يحرصون كمسيرين على تحسين الخدمة للمواطنين، وتوفير الظروف الحسنة لتدبير شؤون البلديات بما يحقق مصالح الناس. وكل هذا يوضح بنعبد السلام يستلزم إيجاد مسطرة خاصة للمراقبة والمحاسبة بغرض تقييم مردودية المسؤولين على المجالس البلدية، ومحاسبتهم على أي تقصير قد يمس مصالح المواطنين. ويدفع حرص الوزراء على الجمع بين المنصب الوزاري ومنصب رئاسة البلدية المتتبعين إلى طرح العديد من الأسئلة حول الهدف الحقيقي من هذا الحرص، والذي لا يقف بالضرورة عند حدود الرغبة في خدمة المواطنين في مناطقهم. ويفسر قرنفل هذا الوضع بقوله إن أغلب الوزراء يعلمون جيدا أن التواجد بالقرب من الناس ومحاولة ترك انطباع حسن لديهم في ما يرتبط بالخدمات التي تقدمها الجماعات المحلية، هو السبيل الأمثل للوصول إلى القبة التشريعية التي تبقى ضرورية بالنسبة إلى أي وزير. ويضيف أستاذ علم السياسة في حديثه مع «المساء» أنه لا عجب بسبب ذلك في أن يكون الوزراء الحاليون في حكومة عباس الفاسي ممن يحتلون مقعدا داخل البرلمان هم الأكثر حرصا من باقي زملائهم على الفوز بمنصب داخل المجالس المحلية. ويشرح الخبراء أن الطبقة السياسية المغربية متأثرة إلى حد بعيد بالتجربة الفرنسية التي يصر فيها الوزراء على الجمع بين المنصب الوزاري والحضور داخل البلديات بالرغم من المشاكل الكثيرة التي يثيرها. وقد دفعت تلك المشاكل، ومن بينها عرقلة السير السريع والطبيعي للشؤون البلدية، رئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان إلى بلورة مبادرة لمنع ترشح الوزراء في الجماعات المحلية التي يتجاوز تعداد سكانها نسبة يحددها القانون. لكن الرافضين لهذه المبادرة ساهموا في إفشالها ليستمر الوضع على ما كان عليه، مثلما هو الحال في المغرب.