ترعرع خالد، الشاب الأنيق، في وسط عائلي بسيط، انقطع باكرا عن الدراسة وعاش رغم ذلك مدللا، و كان يحلم بالعبور إلى الضفة الأخرى، انقلب وضعه إثر وفاة والده، فتعاطى لتجارة المخدرات، جرب الاعتقال عدة مرات، وأصبح اليوم متسولا معاقا بعد تلقيه لطعنة سكين. انقطع خالد عن الدراسة في المستوى الإعدادي، ومنذ ذلك الحين، لم يفكر سوى في العبور إلى الضفة الأخرى «الفردوس الأوربي»، غير أن كل محاولاته باءت بالفشل، مما جعل والدته ترق لحاله وتمنحه ما توفره من مصاريف البيت، حتى تلبي حاجياته التي تزداد كلما تقدم في السن. لم يفعل مثل باقي أقرانه، الذين تعاطوا للتجارة أو بيع السجائر بالتقسيط، أو لبعض المهن الموسمية، بل اعتاد النوم حتى ساعة متأخرة في الصباح، ليقضي باقي الوقت في «رأس الدرب» أو المقهى لا يتذكر المنزل إلا حين يحس بالجوع أو النوم. ورغم صرامة والده الموظف بإحدى الإدارات العمومية، فإن ذلك لم يزده إلا تعنتا وإصرارا على مواصلة حياته الطائشة التي ألفها، إلى درجة أنه لم يعد يفكر حتى في «الحريك». فقدان المعيل خالد شاب أنيق يعتني كثيرا بنفسه وبهندامه، يواكب صيحات الموضة، وباستثناء تدخين السجائر، فإنه ليس مدمنا على أي ممنوع كالحشيش أو الكحول وغيرها. توالت الأيام على هذا المنوال، إلى أن حل ذلك الصباح الخريفي الذي استفاق فيه سكان الحي على صراخ ونواح في منزل خالد. لقد توفي والده إثر نوبة قلبية وهو يستعد للخروج إلى العمل. مرت مراسيم الدفن والتعازي والحداد، ليتغير مجرى حياة الشاب الطائش الكسول. لم يعد بمقدور الأم تلبية حاجياته اليومية، وبدأ يفكر جديا في العمل، لكن ماذا عساه يفعل؟ فهو لا يجيد أية مهنة أو حرفة، ومستواه الدراسي لن يمكنه من الحصول على وظيفة، كما أنه ألف الراحة والنوم إلى أوقات متأخرة. بدأت فكرة تتبلور في ذهنه مع مرور الأيام، خاصة مع استحالة الاستمرار في نمط العيش الذي تعود عليه قبل وفاة أبيه. أقصر الطرق الاتجار في المخدرات هو أبسط طريقة للربح السريع والكافي دون بذل جهود كبيرة. الأمر ليس بالصعب، فجل أصدقائه في الدرب يتاجرون في الحشيش، وبعضهم لن يمانع في العمل معه. كانت البداية مساعدة تاجر في الحشيش، حيث كان يمد خالد بقطع لبيعها مقابل قدر معين من كل قطعة، والحقيقة أن التاجر كان سخيا معه، خصوصا أنه كان بعيدا عن الشبهات والجميع يعرف أنه لا يستهلك الحشيش، فبالأحرى أن يتاجر فيه. بدأ المدخول ينمو بشكل ملحوظ، وازدادت شهية خالد لكسب المزيد، ولهذا قرر دخول ميدان المنافسة، وشرع في العمل لحسابه الخاص، والافتراق عن البائع الذي لقنه أبجديات المهنة. تعاقبت الأحداث، وتم اعتقال خالد أثناء إحدى الحملات التمشيطية وحكم عليه بسنة واحدة حبسا، كانت كافية لجعله شخصا آخر، إذ بمجرد خروجه بدأ في استهلاك المخدرات والكحول، وصار من أكثر أبناء الحي شغبا، وأيضا من أشهر بائعي الحشيش في المنطقة. اعتقل ثانية بتهمة الضرب والجرح والسكر العلني، بعدما أحدث فوضى في شجار مع أحد ندمائه، لم ينم معها السكان طيلة الليل وحكم عليه بثمانية أشهر، وبعد الإفراج عنه بدأ في ترويج الأقراص المهلوسة، التي كان أيضا يستهلكها مع الكحول، وما نتج عن ذلك في جسمه من خدوش بشفرات الحلاقة والسكين التي أصبحت لا تفارقه، مهددا بها كل من مر من أمامه. نهاية قاسية اعتقل مرة ثالثة ورابعة، وكان كل مرة يخرج فيها من السجن يبدو أكثر شراسة وتوحشا. وأثناء أحد نزاعاته اليومية، استل خصمه سكينا من تحت ملابسه ثم وجه طعنة لخالد في ظهره أصيب من جرائها بشلل كلي، زاد من محنة الأم التي لم تصمد أمام هول المصيبة سوى أشهر قليلة لتسلم النفس إلى بارئها، ليجد خالد نفسه وحيدا على كرسي متحرك يقوده أحد أبناء الجيران ليتسول في طرقات وشوارع العاصمة السياحية للمملكة بحثا عن دريهمات قليلة، وهو الذي عشق دوما الحصول على المال الكثير دون تعب، إنها سخرية القدر!!