تثير قضية علامات التشوير في مدينة الدارالبيضاء جدلا كبيرا بين مراقبين ومتتبعين للشأن المحلي البيضاوي. ففي الوقت الذي يؤكد البعض أن المدينة تعرف خصاصا مهولا في علامات التشوير، وأن القضية تحتاج إلى مقاربة تشاركية ودراسة علمية دقيقة لهذه الإشكالية، تؤكد آراء أخرى أنه وقع تحسن ملموس مقارنة مع السنوات الماضية. في مدن كثيرة في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط تشعر بفارق كبير بين ما يقع في العاصمة الاقتصادية وما يقع في تلك المدن. المقارنة هنا ليست على مستوى البنيات التحتية المرتبطة بشبكات التنقل الحضري أو القناطر، ولكنها تخص، بكل بساطة، علامات التشوير، فلا يشعر أي شخص يزور هذه المدن بأي «دوخة»، لأن هذه العلامات تقوده من المطار إلى الوجهة التي يريد، عكس ما يقع في هذه المدينة، كما يقول عبد الكريم، مواطن بالدارالبيضاء، ف»علامات التشوير في العاصمة الاقتصادية تخلق مشكلا كبيرا على عدة أصعدة، لأن بعضها يتم وضعه بدون أي دراسة، وهو ما يتسبب في الكثير من المشاكل، ليس فقط بالنسبة للسكان، بل أيضا لبعض الزائرين، الذين لا يجدون بدا من استفسار بعض المواطنين عن وجهتهم، بسبب غياب هذه العلامات دون الحديث عن المشاكل التي تواجه السائقين». أن تحوز رخصة سياقة في العاصمة الاقتصادية أمر سهل جدا ولا يتطلب منك قدرات خارقة، ولكن كن متأكدا أنك ستعيش يوميا عذابا لا مثيل له خلال قيادتك للسيارة إلى درجة أنك ستكره اليوم الذي قررت فيه اجتياز امتحان السياقة، لأسباب كثيرة من بينها المسألة المتعلقة بعلامات التشوير، فهذه العلامات تتسبب في بعض الأحيان في الاكتظاظ الكبير على طول الشوارع، وهو ما يجعل بعض المواطنين يستنجدون بصبر أيوب كلما قرروا ركوب سياراتهم، لأن السياقة تتطلب صبرا لا حدود له. غياب التنسيق عبد الغاني المرحاني، باحث في إعداد الحكامة، يؤكد في تصريح ل «المساء» أن مشكل التشوير في العاصمة الاقتصادية يحتاج إلى رؤية شمولية ودراسة تستحضر كل المعطيات المتعلقة بهذه القضية، بمشاركة أهل الاختصاص والذين لهم دراية بهذا المجال، وبشكل قطعي ضروريات مخطط حركة السير والجولان في المدينة. وعن وجود تنسيق بين المقاطعات والمجلس الجماعي بخصوص هذه القضية، أوضح عبد الغاني المرحاني، الذي يشغل كذلك مهمة نائب رئيس مقاطعة سيدي مومن، أنه لا يوجد أي تنسيق في هذه القضية، على اعتبار أن هناك مناطق تكون محظوظة وتستفيد من علامات تشوير كثيرة ومناطق تعاني عوزا في هذه العلامات، وقال «ما يثبت عدم وجود أي تنسيق هو أنك في بعض الأحيان تجد اسم شارع في مقاطعة يتكرر في مقاطعة أخرى، وكأن الأمر لا يهم مدينة واحدة». وأكد المتحدث ذاته، أنه لابد أن تأخذ المقاطعات زمام الأمور في هذا الشأن، كما أنه من اللازم أن يكون هناك مخطط عمل شمولي يستحضر جميع الإشكاليات المرتبطة بالعنونة والتشوير في العاصمة الاقتصادية، لأن ذلك يهم بشكل كبير صورة المدينة لدى الآخر، ومن العيب أن تبقى رهينة لهذا المشكل، مضيفا: «لابد أن يتم التعامل مع هذا المشكل بالجدية اللازمة، على اعتبار أنه لا يمكن أن تبقى المشاكل المرتبطة بالعنونة والتوشير في مدينة بحجم الدارالبيضاء قائمة، فهذا المشكل لابد من القطع معه نهائيا. القضية المرتبطة بقلة علامات التشوير في الدار البيضاء تم طرحها في الكثير من المناسبات، بل إنه تم في وقت سابق اعتماد مشروع لتسمية الكثير من الأزقة والشوارع، إلا أن هذه الخطوة لم تحل هذه الإشكالية، وكان هذا المشروع يهدف إلى توحيد ألوان علامات التشوير بين جميع المقاطعات، إضافة إلى تفادي السقوط في فخ تكرار أسماء الشوارع والأزقة في المناطق البيضاوية، لأن ذلك يحدث بعض الارتباك لدى البيضاويين. وقفات احتجاجية وفي حديثه عن قضية علامات التشوير في العاصمة الاقتصادية عادت الذكريات بمصطفى الكيحل، الكاتب العام الوطني لفيدرالية مهنيي النقل، قليلا إلى الوراء، وبالضبط خلال إحداث الخط الأول ل «الطرامواي»، حيث أوضح أنه سبق أن تم تنظيم مجموعة من الوقفات الاحتجاجية بسبب قضية علامات التشوير، مؤكدا أن بعضها تم وضعه دون أي تشاور، وقال: «لقد تم وضع بعض علامات التشوير في مكان غير مناسب، ولقد نبهنا لهذا الأمر في مناسبات كثيرة». وأكد مصطفى الكيحل، أن الإشكال الذي تعرفه الدارالبيضاء في هذا السياق يحتاج إلى دراسة تقنية ووضع معايير محددة لهذه العملية، من أجل وضع علامات للتشوير تخدم تحركات المواطنين والسائقين على حد سواء. وقال بلاغ للنقابة الوطنية لمستثمري المقاولات الصغرى للنقل الطرقي للمسافرين توصلت «المساء» بنسخة منه أنه في سياق الحديث عن علامات التشوير داخل المجال الحضري يمكن القول إنها تنظم عملية المرور بالمدينة، حفاظا على سلامة الراجلين والراكبين من حوادث السير وضمان سلامة مرور السيارات والحافلات والدراجات النارية والعادية وكذلك الراجلين وتوكل صلاحية وضع هذه العلامات إلى لجنة السير والجولان التابعة للمجلس الجماعي. الواقع المأساوي وأضاف البلاغ أن علامات التشوير هي تلك الموجودة على جنبات الطريق لتغيير الاتجاه وعدم عرقلة السير، وهي تخبر السائق بالمسالك التي يجب التوجه إليها، وتلك المخصصة لبعض أصناف مستعملي الطريق. وأضاف البلاغ أن بعض الطرق معروفة بسوء بنيتها التحتية وتآكل جنباتها وكثرة عيوبها، وذلك بالرغم من سياسة الترقيع التي تنهجها الجهات المسؤولة بين الفينة والأخرى. وقال البلاغ: « واقع مأساوي يعجز القلم وحتى الصورة عن عكسه أو وصفه نظرا للغياب التام للمراقبة الفعلية من طرف الجهات المعنية بما فيها مصالح الأشغال العمومية، كما أن الأوضاع تزداد خطورة عند تساقط الأمطار وحين يخيم الضباب، لأنها لا تزال دون المستوى المطلوب، حيث تتميز بمنعرجات خطيرة وضيقة على مستوى القناطر، بالإضافة إلى غياب إشارات المرور واللوحات الفوسفورية التي تساعد السائق على تفادي وقوع الحادث، باتخاذ الاحتياطات الضرورية. تحسن محدود وأكد محمد الغطاس، رئيس المنظمة المغربية للتربية والسلامة الطرقية، في تصريح ل «المساء» أن مناطق كثيرة في الدار البيضاء تشهد عجزا كبيرا في علامات التشوير، ففي الوقت الذي تعرف فيه وسط المدينة ومحيطها وفرة علامات التشوير، فإن مناطق أخرى تشهد عجزا، مصيفا: «على المستوى الوطني هناك تطورا في علامات التشوير في بعض المدن، خاصة في الشمال، الأمر الذي يساهم في الحد من حوادث السير، لكن على مستوى العاصمة الاقتصادية لا يزال هناك نقص في هذه العملية». الرأي الآخر بالمقابل، أكد مصدر من مجلس مدينة الدارالبيضاء، أنه لا يمكن وضع أي علامة للتشوير إلا بعد انعقاد لجنة السير والجولان في أي عمالة مقاطعة سيتم فيها وضع علامة التشوير، وقال «لا يتم وضع علامة التشوير بطريقة عشوائية، فالأمر يجري حسب دراسة وبعد اجتماع لجنة السير والجولان في عمالة المقاطعة المعنية بوضع هذه العلامة». وعن ما يعتبره مجموعة من مراقبي الشأن المحلي بالخصاص في علامات التشوير، أكد المصدر ذاته أن هناك مشروعا على صعيد ولاية الدار البيضاء بخصوص هذه القضية، وقال «لا أعتقد أن هناك نقصا كبيرا في علامات التشوير، وإن هناك مشروعا سيتم إنجازه على صعيد ولاية الدار البيضاء يهم علامات التشوير». وكان مصدر مطلع قال ل «المساء» في وقت سابق: «لقد كان الهدف هو وضع نظام المعلومات الجغرافية، إذ سيساعد هذا النظام على ضبط ومعرفة جميع المرافق الموجودة في الدار البيضاء»، وأكد أنه لابد من بذل مجهود كبير لإخراج هذا النظام إلى حيز الوجود. واعترف المصدر ذاته بوجود تقصير في وضع علامات التشوير، وقال: «لابد من بذل مجهود كبير في هذا الاتجاه، والحرص على إخراج نظام المعلومات الجغرافية إلى حيز الوجود، وأضاف أنه سبق أن تم طرح هذه القضية على المجلس الجماعي السابق للنقاش». المقاربة التشاركية وبين هذا الرأي وذاك يظهر أن الإشكال المرتبط بعلامات التشوير في مدينة بحجم الدارالبيضاء يتطلب فتح نقاش عمومي، لأن القضية ليست بالسهولة التي يعتقد البعض وتحتاج إلى مشاركة جميع الفاعلين والمتدخلين في الشأن المحلي البيضاوي، لأنه إذا كانت هناك مناطق استفادت من وجود علامات التشوير، فإن مناطق أخرى في محيط المدينة تعاني نقصا مهولا في هذه القضية، كما يقول أحد المراقبين للشأن المحلي في الدارالبيضاء. وتؤثر قلة علامات التشوير على صورة المدينة، إذ يؤكد بعض المواطنين أنهم يعانون كثيرا لمعرفة عنوان مستشفى عمومي أو مرفق اجتماعي أو رياضي، مما يدفعهم في الكثير من الأحيان إلى الاستعانة بمواطنين آخرين لعلهم يرشدونهم إلى وجهتهم. وفي السياق المرتبط بحركة السير والجولان على مستوى المدينة، لا يزال النقاش متواصلا حول جدوى مدارات الطرق التي تم إحداثها في السنوات الخمس الماضية، فهناك من يؤكد أن هذه المدارات ساهمت في تنظيم حركة السير والجولان، وهناك رأي آخر يؤكد أن القضية زادت من حدة أزمة السير، وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في إحداث هذه المدارات، فمدار عزبان في منطقة ليساسفة، واحد من مدارات الجحيم في العاصمة الاقتصادية، ففي أوقات الذروة صباحا أو مساء يضطر السائقون في بعض الأحيان إلى الوقوف أزيد من 20 دقيقة إن هم أرادوا المرور من هذا المدار، ولأنه كان يحدث مجموعة من المشاكل تمت الاستعانة بخدمات إشارات المرور، وهو ما ساهم في تعميق محنة السائقين الذين يمرون منه. ما يقال عن مدار عزبان يمكن تعميمه على مجموعة من المدرات الأخرى، وقال مصدر ل»المساء» الفكرة لم تكن جيدة، وكان يجب قبل إحداثها توضيح طريقة التعامل مع هذه المدارات للرأي العام المحلي لكي يتم اجتناب ما تعيشه حاليا، وتحولت فكرة مدارات الطرق إلى عذاب بالنسبة للعديد من السائقين، إذ أصبحت بعضها تعرف حوادث سير، كما أنها زادت من حدة الاكتظاظ في أوقات الذروة.