فرحات مهني يكتب: هل اليسار الفرنسي يحمي النظام الجزائري الإجرامي    مسؤول يكشف أسباب استهداف وزارة الصحة للبالغين في حملة التلقيح ضد بوحمرون    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    فرنسا تلوح بمراجعة الاتفاقية مع الجزائر.. باريس تواصل تأديب نظام الكابرانات    لاعب دولي سابق يقترب من الانضمام للوداد    أمن مطار محمد الخامس يوقف مواطنا تركيا مطلوبا دوليا    مراجعة اللوائح الانتخابية العامة : إمكانية التأكد من التسجيل في هذه اللوائح قبل 17 يناير الجاري    أوساط ‬إسبانية ‬تزيد ‬من ‬ضغوطها ‬للإسراع ‬بفتح ‬معبري ‬سبتة ‬ومليلية ‬المحتلتين ‬بعد ‬فشل ‬المحاولة ‬الأولى ‬‮ ‬    جماعة طنجة تعلن عن تدابير عملية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية    وزارة ‬الصحة ‬تتدخل ‬بعد ‬تواصل ‬انتشار ‬‮«‬بوحمرون‮»‬.. ‬    توقيف قائد بإقليم ميدلت للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    موجة برد مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    ارتفاع عدد قتلى حرائق لوس أنجليس المستعرة    باعتراف حكومي.. ثلثا التلاميذ لا يعرفون الحساب ولا يتقنون العربية ولا يفهمون الفرنسية في نهاية المرحلة الابتدائية    تفاصيل انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الدوري السنوي لنادي اولمبيك الجديدة للكرة الحديدية , إقبال مكثف وتتويج مستحق    أكادير.. توقيف 4 أشخاص حجز 155 غراما من الكوكايين ومحركين بحريين يشتبه في استعمالهما في تنظيم الهجرة غير النظامية    نبيل صانصي يصدر ألبومه الجديد "الكوحل"    رواية "على بياض" لخلود الراشدي.. تجربة فريدة تتناول موضوع الإدمان وتمزج فن الراب بالرواية    مندوبية التخطيط تتوقع عودة الانتعاش الاقتصادي الوطني في بداية عام 2025    الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.. طقوس وعادات تعزز روح الانتماء والتنوع    أطباء القطاع العام يعلنون إضرابا وطنيا لعشرة أيام احتجاجا على تجاهل مطالبهم    المنتخب المغربي لكرة القدم لأقل من 16 سنة يخوض تجمعا إعداديا بسلا    بلعسال منسق فرق الأغلبية بالنواب    أنشيلوتي يعترف : ريال مدريد لم يكن متماسكا وبرشلونة كان الأفضل    بركة: الجهود الحكومية لم تحقق نتائج في خفض البطالة والغلاء    ياسين عدنان: مهرجان مراكش للكتاب الإنجليزي يواكب التحولات العميقة للمجتمع المغربي    السعودية تطلق مشروع مدينة للثروة الحيوانية بقيمة 2.4 مليار دولار    الذهب يتراجع متأثرا بتقرير عن الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية    بشرى سارة للمرضى.. تخفيضات جديدة على 190 دواء في المغرب    حموشي يؤشر على تعيين كفاءات شابة لتحمل مسؤولية التسيير الأمني    المغربي العواني يعزز دفاع التعاون الليبي    قطر تسلم إسرائيل وحماس مسودة "نهائية" لاتفاق وقف إطلاق النار    دعوات للاحتجاج تزامنا مع محاكمة مناهض التطبيع إسماعيل الغزاوي    أخنوش: ملتزمون بترسيم الأمازيغية    فن اللغا والسجية.. الظاهرة الغيوانية بنات الغيوان/ احميدة الباهري رحلة نغم/ حلم المنتخب الغيواني (فيديو)    راديو الناس.. هل هناك قانون يؤطر أصحاب القنوات على مواقع التواصل الاجتماعي (ج1)؟    شي يشدد على كسب معركة حاسمة ومستمرة وشاملة ضد الفساد    على أنقاض البيئة.. إسرائيل توسع مستوطناتها على حساب الغطاء النباتي الأخضر    فيتامين K2 يساهم في تقليل تقلصات الساق الليلية لدى كبار السن    من بينهم نهضة بركان.. هذه هي الفرق المتأهلة لربع نهائي كأس الكونفدرالية    الدولار يرتفع مدعوما بالتقرير القوي عن سوق العمل    أطباء مغاربة يطالبون بالإفراج عن الدكتور أبو صفية المعتقل في إسرائيل    للتعبير عن انخراطهم في حملة "مرانيش راضي".. احتجاجات شعبية في ولاية البويرة الجزائرية (فيديوهات)    برشلونة بعشرة لاعبين يقسو على ريال 5-2 بنهائي كأس السوبر الإسبانية    النفط يسجل أعلى مستوى في أكثر من 3 أشهر مع تأثر صادرات روسيا بالعقوبات    تحذيرات خطيرة من كاتب سيرة إيلون ماسك    دراسة: ثلث سواحل العالم الرملية أصبحت "صلبة"    رياض يسعد مدرب كريستال بالاس    الحسيمة تستقبل السنة الأمازيغية الجديدة باحتفالات بهيجة    بولعوالي يستعرض علاقة مستشرقين بالعوالم المظلمة للقرصنة والجاسوسية    تحرك وزارة الصحة للحد من انتشار "بوحمرون" يصطدم بإضراب الأطباء    خمسة أعداء للبنكرياس .. كيف تضر العادات اليومية بصحتك؟    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضرب بالزّراويط على رأس من يقرأ الكوازيط
نشر في المساء يوم 15 - 02 - 2015

مرة، سألني مسؤول أجنبي عن أهم الصحف المغربية المؤثرة في البلاد، فأجبته على الفور: إنها «لوموند»! اعتقد الرجل أني لم أسمع سؤاله جيدا فكرره، فكررت عليه الجواب نفسه، وقلت له بنبرة أقوى: إنها صحيفة
«لوموند».
قال لي المسؤول الأوربي إن «لوموند» ليست مغربية، وأنا أسأل عن الصحف المغربية المؤثرة، كررت له الجواب نفسه وتصنعت بعض اللؤم والاصفرار في ابتسامتي حتى لا أضطر إلى تكرار الجواب نفسه، وأخيرا فهم الرجل، أو كاد.
استفضت أكثر في الشرح، وقلت له إن «لوموند» ليست هي الصحيفة «المغربية» المؤثرة الوحيدة في البلاد، بل هناك أيضا «لوفيغارو» و»إيل باييس» وإيل موندو» و»الدايلي مايل» و»الواشنطن بوست» و»نيويورك تايمز».. وأخرى كثيرة.
وأخيرا، استوعب ذلك الرجل أن تأثير الصحف المغربية لا يساوي شيئا أمام التأثير الكبير للصحف الأوربية والأمريكية، وأنا ساهمت في تأجيج يقينه بذلك عندما قلت له إننا نكتب عن فضائح كثيرة، كثيرة جدا، لكنها تمرّ، في أحيان كثيرة، كما يمر «الكارْ من أمام الدوّار»؛ وفي أحيان أخرى، نجد أنفسنا في الكوميساريات أو المحاكم، لكن عندما تكتبُ عن الموضوع نفسه صحفٌ أوربية وأمريكية، ولو بضعة أسطر، فإن المغرب ينقلب على قفاه مثل سلحفاة عجوز.
هذه الأيام، حدث ذلك فعلا وانقلب المغرب على ظهره لأن صحيفة «لوموند» كتبت عن المغرب مرة أخرى، وهذه المرة بدا الموضوع جديا لأنه يطرق قضية على قدر كبير من الحساسية، وهي تهريب أموال البلاد نحو البنوك الأجنبية، مع ما يتبع ذلك من تهرب من الضرائب وغسيل للأموال ونهب لأرزاق المغاربة.
تفاصيل هذه القضية اهتم بها المغاربة جميعا، خصوصا وأن الصحيفة الفرنسية قالت إن لديها لائحة بأسماء أزيد من ألف شخصية مغربية، من مختلف المراتب السياسية والعسكرية والاقتصادية، تضع أموالها في بنك سويسري شهير.
المغاربة جميعا يعرفون أن مسوؤليهم يُهرّبون الأموال إلى الخارج، بينما نظل نطلب الاستثمارات الأجنبية مثل متسولين في ساحة «باب الحد» صباح الجمعة؛ والصحف المغربية تكتب عن هذا الموضوع باستمرار، لكن فقط من «لفوق لْفوق»، لذلك من الضروري أن نتساءل: لماذا تؤثر فينا صحف أجنبية بهذه الدرجة الرهيبة، إلى حد أن أزيد من ألف شخصية مغربية جافاها النوم منذ اليوم الذي أعلنت فيه «لوموند» توفرها على اللائحة السوداء.
الموضوع الأخير لصحيفة «لوموند» الفرنسية هو مجرد مثال واحد من بين عشرات أو مئات الأمثلة الأخرى التي أحس فيها المسؤولون المغاربة وغيرهم، من الذين يعتقدون أنفسهم فوق القانون، بأن الصحافة هي فعلا سلطة رابعة، وأن الصحافة بإمكانها فعلا أن تقلب النعيم إلى جحيم، وأن الصحافة، وهذا هو الأهم، لا يمكنك أن تلجمها بالاستدعاءات المتواصلة إلى الكوميسارية والتهديد بالمتابعة القضائية وتغريمها مبالغ خيالية لإخافتها وترهيبها.
نحن في المغرب، وبعد قرون على ظهور الصحافة، لم نصل بعد إلى مرحلة يمكننا فيها أن نمنع النوم على جفون المئات أو الآلاف من المسؤولين والأغنياء المغاربة، مثلما فعلت «لوموند» هذه الأيام. ونحن اليوم في المغرب لم نملك بعد العقلية الإعلامية التي تجعل صحافيا ما يستيقظ صباحا ويقول لنفسه: هذا اليوم سأفعل شيئا مختلفا، ثم يبدأ في «حفر» تحقيق شاق وصعب حول ثروات المسؤولين المغاربة في البنوك الأجنبية، والمشكلة هي أنه لو حدث وقررت صحيفة مغربية أن تفعل مثل «لوموند» فإنها ستجد نفسها فجأة تحت وطأة مئات الدعاوى القضائية، والآلاف من المكالمات التلفونية المهددة، وأشياء كثيرة أخرى لا داعي إلى حصرها.
أتذكر أننا كتبنا، يوما، موضوعا عن فضائح وحوش العقار، وهي فضائح موثقة بالحجة والدليل ويعرفها كل المغاربة؛ وبعد بضعة أيام، طولبنا بحضور محاكمة لأن وحوش العقار «دْعاوْنا» وطالبوا بتعويض قدره مليار سنتيم.. نعم مليار سنتيم. ماذا لو أن صحيفة «لوموند» هي التي كتبت ذلك الموضوع، هل كان لوحش عقاري ما، أن يمتلك الشجاعة لرفع مجرد سبابته أمام تلك الصحيفة؟
مصيبتنا ليست فقط في فساد مسوؤلينا وتهريب أموالنا ونهب أرزاقنا، بل مصيبتنا الكبرى في كوننا لم نستطع صنع إعلام حقيقي ووازن، ومصيبتنا هي أننا لم نستطع صنع قوانين حقيقية تحمي الإعلام الحر والرصين من وحشية الفساد وطغيان المفسدين، ومصيبتنا الأخرى هي أننا لازلنا مترددين في حذف القوانين الجنائية من مجال الإعلام، وكأن كل صحافي مجرم حتى تثبت براءته.
ما نعيشه، اليوم، من وهن كبير لصحافتنا وتكالب عليها، لم يأت صدفة، فالمغرب كان من أولى البلدان التي صدرت فيها صحف منذ القرن التاسع عشر، حيث صدرت أول صحيفة في طنجة؛ لكن رغم كل هذا الزمن الطويل، لاتزال العقلية السائدة في التعامل مع الصحافة المغربية تلخصها تلك الفتوى القديمة التي أصدرها فقيه مغربي وعنوانها: الضّرب بالزّراويط على رأس من يقرأ الكوازيط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.