في سنة 2008، اندلعت حرب صغيرة بين مبصاريين بتزنيت وبين مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بالمدينة ذاتها، ونشرت بعض تفاصيلها في مقالات صحفية. والسبب؟ استعانة جمعية الأعمال الاجتماعية في حملتها لقياس النظر وفحص العيون لفائدة الأسرة التعليمية بجمعية يوجد مقرها بمدينة فاس. المبصاريون احتجوا على إسناد هذه المهمة لجمعية وصفوها بغير المؤهلة لإنجاز فحص العيون وقياس البصر، واستعانة هذه الأخيرة بأناس غير مؤهلين وليس لديهم أي اختصاص في المجال، ما يجعلهم يعرضون حياة المستفيدين من الحملة للخطر، يقول المبصاريون المحتجون. خطر العيون لكن ليست فقط عيون المواطنين هي التي تعرض للخطر، ولكن كذلك عاملون في القطاع، يقولون إنهم قضوا سنوات كثيرة في فصول التحصيل، خارج المغرب وداخله، في القطاع الخاص والقطاع العمومي، وحصلوا على ديبلومات متخصصة، وتكبدوا تكاليف فتح محل مرخص بعدما حصلوا على موافقة الأمانة العامة للحكومة، ولديهم ضرائب يؤدونها لفائدة الدولة، وأعباء اجتماعية يتحملونها، فيما المنافسة تشتد، ومن أخطرها منافسة أناس يختفون تحت يافطة الجمعيات ويقدمون ما يقومون به على أنه عمل خيري، في حين أن الأمر يتعلق بعمليات ثقيلة لجمع الأموال الطائلة، دون الاكتراث بعيون المواطنين، ودون أي اعتبار لقطاع عريض يكتوي بنار هذه المنافسة غير الشريفة، حسب سمير بنشقرون، الرئيس الشرفي لنقابة المبصاريين المغاربة. في حين لم يتردد المبصاريون المحتجون، في سنة 2008، على اتهام الجمعية التي تكلفت بفحص عيون رجال التعليم بمدينة تيزنيت ب"انتحال صفة" ينظمها الظهير الشريف الصادر بتاريخ 5 صفر 1374 الموافق ل4 أكتوبر 1954. والغريب في أمر هذه الجمعيات أنها تتناسل كالفطر في المدن الكبرى، وغالبا ما يكون جل أعضاء مكاتبها من عائلة واحدة، أما الأعضاء المسؤولون عن الحملات، فإنهم سرعان ما ينطلقون بدورهم في تفريخ جمعيات للأغراض نفسها بمجرد ما يعرفون خبايا العمل، وتضاريس هذه الأنشطة، ويختلفون مع مكتب الجمعية السابق حول حقهم في الأتعاب والتعويضات. انتحال صفة وكشفت تطورات هذا الصراع على أن حملات عدد من الجمعيات المتهمة ب"انتحال صفة" في مجال تقديم الخدمات للمواطنين في مجال فحص وقياس البصر تنظم في مختلف مناطق المغرب، ومنها ما ينظم لأسابيع، وتختار بعض الجمعيات مناطق قروية بعيدة، يحتاج فيها المواطنون إلى فحوصات ونظارات، دون طرح أسئلة حول الواقفين وراء العملية، وتخصصاتهم، وأجندتهم، ويعتبرون بأن منح مبلغ مالي "مناسب" مقابل تمكينهم من الفحوصات والنظارات الطبية، وهم في بلدتهم، أهون لهم من قطع المسافات الطويلة التي تربط بين القرى المعزولة وبين المدن الكبرى للتوجه لدى أصحاب النظارات، لكن المبصاريين يكشفون على أن هذا الواقع يخفي مضاربات وأموال تجمع على حساب المهنة، وعلى حساب عيون المواطنين. وتورد المعطيات بأن بعض هذه الجمعيات يعمد إلى التسويق لمثل هذه الحملات على أنها مجانية، لكن في معرض إجراء "الفحوصات" يطلب من المستفيدين إيداع مبالغ مالية في صندوق الحملة، مقابل وصولات تسلم لهم من قبل الساهرين على هذه الحملات. وقالت المصادر إن البعض قد عمد، في إطار "الاستثمار" في المشروع، إلى إحداث شركات مكلفة باستيراد المواد الأولية من بلدان أجنبية. وفي إطار "تقريب الخدمات" من المواطنين، فإن جودة هذه المواد تكون عادة ضعيفة، ولذلك يتم تسويقها بأثمنة منخفضة، تحت يافطة "العمل الخيري". ولم يخف بعض المهنيين ممن التقت بهم "المساء" وجود يافطة أخرى مرتبطة بالحملات الانتخابية في هذا "العمل الخيري"، حيث أن بعض الجمعيات العاملة في "القطاع"، تنسق مع بعض الأعيان والمنتخبين لتقديم "الخدمات الطبية" لفائدة قاعدة انتخابية يراهن عليها في عمليات التصويت، ويتسلم الواقفون وراء العملية ثمن "الخدمة" ب"الجملة" لدى المنتخب الذي دخل في حملة انتخابية قبل الأوان، في حين تكون الخدمة ب"المجان"، مقابل أن يحضر المدعمون الحقيقيون للحملة في الواجهة لكي تتم رؤيتهم من قبل العشرات من المستفيدين، ويعرفون بأنهم هو من يقفون وراء هذه "الخدمات الجليلة". وبينت تطورات صراع مبصاريين بجهة سوس ماسة درعة ضد جمعية متهمة ب"انتحال صفة"، على أن بعض الفاعلين الجمعويين في القطاع يعمدون إلى الاستعانة ب"ملفات صحفية" لاستمالة المستفيدين، وإقناع المسؤولين المحليين بأن ما يقومون به غير خارج عن القانون، إذ تظهرهم الصور في أحد الملفات الصحفية رفقة وزراء، وبعض عمال الأقاليم، وعاين محضر عون قضائي على أن هؤلاء الفاعلين يرتدون بذلات بيضاء، وهم في أغلبهم من الشبان، ويتلقون مقابل ذلك مبالغ محددة في ما بين 100 و200 درهم، وأكدت الجهة المنظمة للعون القضائي على أن حملة الجمعية يحضرها طبيب، غير أن العون أكد بأن الذين يرتدون البذل البيضاء ليسوا أطباء، وأكدوا بأنهم مجرد "متطوعين"، ولم يجد العون في الخيمة أي طبيب. ظهير منظم يقول سمير بنشقرون، أحد المبصاريين الذين يحتجون على فوضى القطاع، إن مهنة بيع النظارات تعد من المهن التي نظمت منذ فترة الاستعمار، لكن عدم تفعيل مقتضيات الظهير أدى إلى عشوائية ضربت مهنة المبصاريين. ويتحدث الظهير الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 5 نونبر 1954، على أن "بائع النظارات هو الذي يزاول مهنة البيع للعموم الآلات الصالحة لتقويم النظر وتكون مجهزة طبق قوانين علم البصر"، و"يصور أشكال إطارات النظارات وزجاجاتها ويقدر حجمها أو يصنعها أو يشتريها ثم يقوم إن اقتضى الحال ذلك بتحويل شكلها وفحصها وتطبيقها على البصر". وجاء في الفصل الثاني بأنه "لا يجوز قبول أي شخص في مهنة بائعي النظارات بالتفصيل إن لم يكن حائزا على إجازة أو شهادة للدولة تمنح له حق مزاولة هذه المهنة..."، ونص الظهير على أن من أراد مزاولة المهنة عليه أن يحصل على رخصة تسلم له إن اقتضى الحال ذلك طبق الكيفيات وتنشر في الجريدة الرسمية للدولة الشريفة قائمة بائعي النظارات بالتفصيل ممن رخص لهم في تعاطي المهنة..". وأكد على أن المؤسسات التجارية التي تكون تجارتها الرئيسية هي النظارات لا يمكن أن تسير من قبل شخص آخر سوى ممن تتوفر فيه الشروط المتعلقة بتعاطي بيع النظارات. مخطط استعجالي النقابة الوطنية المهنية للمبصاريين المغاربة نظمت، منتصف شهر يناير الجاري، وقفة احتجاجية أمام مقر ولاية جهة فاس بولمان، بغرض إثارة انتباه وزارة الداخلية إلى وضعية القطاع، ومطالبة العمال والولاة بالمساهمة بحزم في تنقية المهنة من المتطفلين، حيث دعوا إلى منع الجمعيات التي تدعي العمل الخيري من القيام بحملات لفحص البصر وقياس النظر، وبيع النظارات، لكونها تشكل خطرا على صحة المواطنين، وتشكل تهديدا حقيقيا للمهنة، كما أشاروا إلى انتشار محلات غير مرخصة لبيع النظارات في مختلف المدن، ويفضل المتطفلون على القطاع ممارسة "تطفلهم" في الأحياء الشعبية، بعيدا عن "رصد" المهنيين. ومن اللافت أن المهنيين يشيرون بأصبع الاتهام، بين الفينة والأخرى، إلى بعض العاملين في القطاع بالمساهمة في تكريس العشوائية، مستغلين في ذلك ما يسمونه "تقاعس" السلطات المحلية، حيث أن الترخيص الذي يحصل عليه المبصاري لا يسمح من الناحية القانونية سوى بفتح محل واحد، لكن بعض "أباطرة" القطاع يعمدون إلى فتح عشرات المحلات بترخيص واحد. فعوض أن يغلق المقر الأول الذي فتحه قبل تغيير العنوان، يتركه مفتوحا، ويقبل على فتح محل آخر، وهكذا، ما يضر بمصالح فئات واسعة من المبصاريين الذين لا يملكون سوى رفع شعارات بين الفينة والأخرى تطالب بحزم السلطات في تطبيق القانون، وتنقية المهنة من الشوائب، بالرغم من أن عددا منهم يعتبر بأن المدخل الأساسي لإعادة هيكلة القطاع يكمن في إحداث هيئة وطنية للمبصاريين، على غرار بقية الفئات المهنية كهيئة الأطباء والمحامين والمهندسين والصيادلة...ويراهن العاملون في القطاع على مشروع قانون جديد أعدته وزارة الصحة لتكريس هذا التوجه، ويوجد في ثلاجة الأمانة العامة للحكومة. وقد لجأ المهنيون إلى عقد لقاءات هامشية مع عدد من الفرق البرلمانية الوازنة في البرلمان بغرض تحسيسها بأهمية المشروع الذي تمت صياغته في سنة 2013 والذي يحمل رقم 45.13، وكسب رهان الدفاع عن مصالحها أثناء تقديم المشروع للمناقشة. وأدرجت مذكرة تقديمية لهذا المشروع، اطلعت "المساء" على نسخة منها، مهنة النظاراتي ضمن المهن الصحية غير الطبية والصيدلية، وذلك إلى جانب مهنة الممرض والقابلة. وجاء في المذكرة بأن هذه الأعمال شبه الطبية عرفت تطورا مهما تبعا لتقدم العلوم الطبية، مما أدى إلى بروز اختصاصات جديدة نتج عنها ظهور مهن شبه طبية متعددة كالمروض الطبي ومقوم النطق ومقوم البصر ومقوم العظام ومقوم السمع. ونسخ المشروع أحكام الظهير الشريف لسنة 1954 بشأن سن قانون ضابط لتعاطي مهنة بيع النظارات بالتفصيل. ونص المشروع على غرامات مالية في حق المزاولين غير القانونيين لهذه المهن، كما اعتبر بأن استعمال صفة إحدى هذه المهن من طرف شخص غير حاصل على ديبلوم متعلق بهذه المهنة، انتحالا للصفة وتطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في مدونة القانون الجنائي. تخصص: نظاراتي في المغرب يتم تدريس البصريات والمبصريات في مؤسستين عموميتين في إطار الإجازة المهنية، وهما، كلية العلوم السملالية بجامعة القاضي عياض بمراكش، وكلية العلوم ظهر الهراز بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وذلك إلى جانب ما يقرب من سبع مؤسسات للتعليم العالي الخاص برسم 2013/2014، ما يعني أن النظاراتيون يحصلون على ديبلومات الإجازة مسلمة من المؤسسات المغربية للتعليم العالي العمومي، أو شواهد معترف بمعادلتها لها، أو ديبلومات مسلمة من إحدى مؤسسات التعليم العالي الخاص المعتمدة بعد دراسة لمدة تعادل على الأقل المدة المقررة في القطاع العام بعد البكالوريا، أو مسلمة من مؤسسة خاصة للتكوين المهني المعتمدة بعد دراسة تعادل على الأقل المدة المقررة في القطاع العام بعد البكالوريا. معركة مفتوحة في جامعة القاضي عياض تنتهي بالحصول على الاعتراف في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، وفي إطار توجه انفتاح الجامعة على محيطها الاجتماعي والاقتصادي والمهني، فتحت كلية العلوم بجامعة القاضي عياض تخصصا في المبصاريات، وبعد 4 سنوات من التحصيل العلمي منحت شهادات الإجازة لخريجي الشعبة، لكن هؤلاء وعندما توجهوا إلى الأمانة العامة للحكومة للحصول على التراخيص الضرورية لفتح محلاتهم، فوجؤوا برفض الطلبات. والسبب؟ التكوين لا يتلاءم مع المواد التي ينبغي أن تدرس في توجه المبصريات. ورغم محاولات قام بها الطلبة المجازون، إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه، وللخروج من المأزق، اشترطت عليهم الأمانة العامة للحكومة إعادة سنتين من التكوين، مع شرط الاستعانة بأساتذة من كلية الطب بالدار البيضاء للتأطير. ولم يحل مشكل هذه الإجازة المهنية إلا في سنة 2001، وهو التاريخ الذي منحت فيه الأمانة العامة للحكومة أول ترخيص لإجازة المبصاريات لطلبة جامعة القاضي عياض. لكن قبل ذلك، فإن عددا من المهنيين تلقوا تكوينهم في دول أوربية، وحصلوا على شواهد من مدارس متخصصة، وعندما عادوا لفتح محلاتهم كمبصاريين اضطروا لاجتياز عدد من المراحل، للحصول على المعادلة وعلى ترخيص الأمانة العامة للحكومة. وإلى جانب ذلك، فقد شهد عدد من المدن الكبرى للمملكة ظهور مدارس متخصصة في مثل هذه التكوينات، وهي التكوينات ذاتها التي أدخلها قطاع التكوين المهني في برامجه، بالرغم من أن شروط القبول تثير جدلا في أوساط المهنيين الذين يستغربون كيف أن مؤسسات التكوين المهني لا تبالي بنوعية شهادة البكالوريا للمرشحين، بالرغم من أن تكوين المبصريات يدخل في إطار التكوينات العلمية ذات الارتباط الوثيق بالعلوم الفيزيائية.