البرلمان الأذربيجاني يصادق على اتفاقية التعاون العسكري مع المغرب    احتجاج يرفض تمرير الحكومة "قانون الإضراب" ويتشبث ب"الترافع الميداني"    المغرب يستقطب 2 مليون سائح إسباني.. وجهة بديلة عن السفر الداخلي    ارتفاع حصيلة ضحايا حادث تحطم طائرة في كوريا إلى 174 قتيلا    المغرب التطواني ينهزم في آسفي    شخصيات بارزة وجمهور شغوف يحيون ليالي الجاز في دار الصويري    2024 سنة تأكيد تفوق كرة القدم الوطنية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    سكوري: الحكومة سطرت خطة جديدة في مجال التشغيل للقضاء على البطالة    موجة برد وزخات قوية تستمر 3 أيام في المغرب    ما الفرق بين قاعدة الولد للفراش والخبرة الجينية !!!    إقالة المدربين الأجانب هل تؤثر على أداء أندية القسم الاحترافي    لجنة الانضباط في الكاف تغرم نادي الجيش الملكي 15,000 دولار أمريكي    مستشار رئيس حكومة القبائل يكتب عن التحرر من قيود النظام الجزائري    الصحة العالمية تكشف سر المرض الغامض في الكونغو    محمد أوشن يناقش أطروحة الدكتوراه في التاريخ المعاصر    مهاجرون ينجحون في الوصول إلى إسبانيا انطلاقا من ساحل الحسيمة    يواجه إسرائيل بردائه الأبيض.. حسام أبو صفية طبيب بغزة "ما هزّته دولة نووية"    تقرير دولي: الجزائر وتونس في مواجهة تحديات أزمة الجوع    دراسة حديثة تظهر وجود تريليونات الأطنان من الهيدروجين تحت سطح الأرض    ما حقيقة استفادة الستريمر إلياس المالكي من تخفيف الحكم؟    دراسة: اكتشاف طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    الولايات المتحدة.. تحور فيروس إنفلونزا الطيور يثير قلقا علميا    جهود متواصلة لقطر سفينة بحرية مغربية جانحة بين الصخور قبالة الناظور    بلجيكا تحظر بيع السجائر الإلكترونية اعتبارا من الشهر المقبل    تحسن الليرة السورية مقابل الدولار    مندوبية التخطيط تتمسك بنسبة الأمازيغية وتوضح اختلافات معدل البطالة    نسبة ملء سدود المغرب تصل إلى 28 % وسط تحذيرات من أزمة فلاحية    انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    وفاة رضيع خامس بالبرد في قطاع غزة    مدينة الفنيدق تحتضن منافسات كأس العرش للفول كونتاكت لمنتخبات العصب    خلال يوم واحد.. 3 حوادث طيران في كوريا والنرويج وكندا    أرضية ملعب العربي الزاولي تُعقد مهمة الرجاء أمام صن داونز    مقتل صحافية فلسطينية بنيران صديقة    مجلة إسبانية: المغرب في طريق ليصبح 'وادي سيليكون فالي' المستقبل    قيادي انفصالي يدعو لاحتلال موريتانيا ويتنبأ بتقسيم الجزائر    في الذكرى الرابعة للقرار الأمريكي لاعتراف واشنطن بمغربية الصحراء :    غانا تعزز الشراكة مع المغرب بإلغاء تأشيرات الدخول    في مؤلف حديث.. صحفيون يروون ما لم يُرْوَ في تغطية زلزال الحوز    أبطال الكيك بوكسينغ والمواي طاي المغاربة يبصمون على موسم جيد خلال سنة 2024    ماكرون يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار بغزة    الولايات المتحدة.. إلغاء أو تأخير آلاف الرحلات الجوية جراء سوء الأحوال الجوية    انتشار "بوحمرون" بإقليم شفشاون يدق ناقوس الخطر ومطالب عاجلة على طاولة الوزير    تحولات جوهرية في قطاع التكنولوجيا المالية خلال سنة 2024    رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سيخضع لعملية جراحية لاستئصال البروستاتا    لقاء يجمع عامل إقليم الحسيمة مع ممثلي قطاع الطاكسيات    الترتيب ونتائج البطولة الاحترافية الدورة ال16    بحضور أزولاي.. لقاء ثقافي بالصويرة يبرز أهمية المكان في تشكيل الهوية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب ومصر.. تاريخ من العلاقات «المتشنجة»
من «الضلوع» في انقلاب الصخيرات وحرب الرمال إلى اتهام الحسن الثاني ب« العمالة لإسرائيل»
نشر في المساء يوم 25 - 01 - 2015

حينما اختارت الصحافية أماني الخياط، توجيه نقدها اللاذع فيما يشبه السب والقذف في حق مملكة محمد السادس، اعتبر الكثيرون أن ذلك مجرد « «اجتهاد» من قناة مصرية قد تكون قامت بمهمة خاصة لفائدة خصوم المغرب. لذلك لم يهتم المغاربة كثيرا بهذا الأمر، واعتبروه حرية «تعبير»، خصوصا وأن قبل أماني الخياط، كان بعض الفنانين المصريين قد وصفوا المغربيات بالمتفننات في السحر، وأنهم «خاطفات رجالة».
غير أن تنامي هذا السلوك سيطرح أكثر من سؤال عن توقيت هذا الهجوم المصري على العلاقات المغربية، التي ظلت في مجملها، عادية، وإن كان للمغاربة فيها سبق أنهم شاركوا في حرب تحرير سيناء المصرية بتجريدة مغربية، يذكرها تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد قالت أماني الخياط وهي في قناة «اون تي في»، قبل أن تنتقل إلى قناة «القاهرة والناس» إن «الاقتصاد المغربي قائم على الدعارة، وإن ملك المغرب يضم الإسلاميين للحكومة لإسكاتهم». قبل أن تقدم قناة «اون تي في» في حينها اعتذارا رسميا أكثر من مرة للمغرب، مؤكدة أن موقف المذيعة موقف فردي غير مسؤول.
كما قدم وقتها وزير الخارجية المصري، سامح شكري، اعتذارا رسميا في السفارة المغربية، مؤكدا أن العلاقة بين البلدين علاقة تاريخية ولا يمكن لموقف فردي أن يؤثر فيها.
غير أن كل هذه الاعتذارات ستصبح غير ذات جدوى حينما ستنشر بعض التقارير، بالصوت والصورة، تقول إن بعض الإعلاميين المصريين شاركوا في أنشطة «منظمات» تنتمي لما يسمى بالجمهورية الوهمية، بعد أن استفادوا من امتيازات منحتها لهم الجزائر. وهو ما يعني أن الجمهورية المصرية دخلت على خط القضية الوطنية، بعد أن لعب الغاز الجزائري لعبته، حيث قيل إن مصر ستستفيد منه في 2015 بحجم 270 ألف طن.
سيختار المغاربة الرد على هذا التقارب الجزائري المصري عن طريق الغاز، من خلال تقرير متلفز بثته القناة الأولى والقناة الثانية يقول ملخصه، إن وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم كان عن طريق انقلاب عسكري، في الوقت الذي يعتبر فيه محمد مرسي، هو الرئيس الشرعي لجمهورية مصر. وبدا أننا أمام حرب «إخوة أعداء» يقودها الإعلام الرسمي للبلدين، وليس وزراءهما. لذلك كان لا بد أن تشتم رائحة خلاف قد يكون جوهريا إذا لم يتم تطويقه، وإذا لم تدخل على الخط الدبلوماسية الرسمية والموازية، ورئيسا البلدين.
فقد نظم مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية ندوة في موضوع «مستقبل العلاقات المغربية المصرية على ضوء التجاذبات الإعلامية الأخيرة»، بعد أن لاحظ المركز، في الآونة الأخيرة، أن العلاقة بين البلدين تعرضت إلى نوع من التشويش الإعلامي، كان من شأنه أن يعصف بكل المكتسبات التاريخية، التي راكمها البلدان، والتي تمثلت في مواقف بعض الإعلاميين المصريين، وبعض الفنانين عبر قنوات فضائية، والتي تضمنت سبا صريحا ونقدا لاذعا للمغرب ورموزه في السلطة. واتهام المغرب بالدعارة والشعوذة وكل الأوصاف، والنعوت الجارحة والحاطة من كرامة المغاربة. فضلا عن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الجزائر، وما تلاها من تحرشات على الوحدة الترابية للمغرب. بل ولم يسلم منه حتى شخص الملك أثناء زيارته الأخيرة إلى تركيا.
واعتبر المركز في ندوته أن هذا التعاطي الإعلامي المصري تجاه المغرب، هو الذي شحن الإعلام الرسمي والخاص بالمغرب لرد الاعتبار الأدبي والأخلاقي. حيث وصفت كل من القناة الأولى والقناة الثانية عند تطرقهما للأحداث التي طبعت السنة الفارطة 2014، نظام عبد الفتاح السيسي ب«النظام الانقلابي والعسكري»، وأن الأحداث التي واكبت وصول السيسي إلى الحكم كانت بمثابة «أحداث غير ديمقراطية تخللتها ألوان من العنف والفوضى، نجم عنها قتل المتظاهرين في ميداني رابعة والنهضة، في ظل عزوف عن المشاركة الانتخابية. فيما وصف التلفزيون المغربي الرئيس المصري السابق محمد مرسي ب«الرئيس المنتخب».
على الرغم من أن اللهجة التي تحدث بها التلفزيون المغربي الرسمي، أثارت استغراب الكثير من المتابعين والملاحظين للعلاقات المغربية المصرية، لاسيما أن المغرب هنأ عبد الفتاح السيسي بعد تبوئه مقعد الرئاسة المصرية على إثر الانتخابات الرئاسية التي جرت في ماي 2014.
تحرك المغرب الرسمي والشعبي للرد. وكان لا بد أن تتحرك الديبلوماسية المصرية هي الأخرى لتطويق القضية، والخروج من هذه المعركة بأقل الخسائر. لذلك حضر وزير خارجية مصر إلى فاس ليحظى باستقبال ملكي، كان بمثابة نقطة نهاية هذا المسلسل. خصوصا وأن بلاغا للديوان الملكي صدر لكي يعطي لهذه الزيارة حجمها السياسي وهو يتحدث عن الاستقبال الملكي بقصر فاس للسيد سامح شكري، وزير الخارجية المصري الذي «نقل لجلالته رسالة أخوة ومودة وصداقة من أخيه فخامة السيد عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية».
في الوقت الذي نقل فيه السيد سامح شكري إلى جلالة الملك دعوة الرئيس السيسي للقيام بزيارة رسمية لجمهورية مصر العربية. دون أن يغفلا ضرورة تحريك عجلة اللجنة المغربية المصرية العليا المشتركة.
بين جمهورية مصر ومملكة محمد السادس، وقبلها الحسن الثاني ووالده محمد الخامس، كان المد والجزر لا يتوقفان.
لقد ظل الحسن الثاني خصما سياسيا للزعيم جمال عبد الناصر، الذي اتهم ملك المغرب بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي. كما كان المغرب قد اتهم جمهورية مصر بتقديم الدعم العسكري للجارة الجزائر أثناء ما عرف بحرب الرمال، إلى درجة أن الجيش المغربي أسقط طائرة كان يقودها حسني مبارك، الذي سيتولى رئاسة البلد بعد اغتيال محمد أنور السادات.
في هذا الخاص نستحضر تاريخ البلدين، وعلاقة الشد والجدب بينهما خصوصا على عهد ملك، كان لا يخفي عداءه للجمهوريات التي ثارت ضد ملوكها. وعلى عهد رئيس، ظل يساند كل الثورات والشعوب التي انتفضت ضد ملوكها.
هكذا «شاركت» مصر في انقلاب الصخيرات
كتبها الحسن الثاني في «ذاكرة ملك»
ظل الحسن الثاني يعتقد، حد الجزم، أن الانقلاب الذي قاده محمد أوفقير وزير داخليته في الصخيرات في بداية السبعينيات، والذي سقط فيه قتلى وجرحى، وأعدم على إثره جنرالات، كان بتخطيط مصري ومشاركة ضمنية من جمال عبد الناصر، وبعض المقربين منه.
لذلك كتب الملك الراحل في «ذاكرة ملك» أن محمد حسنين هيكل، وهو أحد الصحافيين المقربين جدا من الرئيس المصري، ساند انقلاب أوفقير وذلك من خلال علمه المسبق بتدبيره. ومن الأدلة التي قدمها الحسن الثاني في كتابه، مذكراته، هي تلك الطريقة التي غطت بها جريدة الأهرام المصرية الحدث، حيث كان هيكل يرأس تحريرها.
كان لا بد لهيكل أن يرد على هذا الاتهام المباشر. لذلك كتب في اليوم الأول الذي نزلت فيه مذكرات الملك إلى الأسواق، مقالا في الأهرام سماه «ذاكرة صحافي».
يحكي هيكل كيف أنه التقى الملك الراحل سنة 1975 حينما دعاه لحفل عشاء في قصره بفاس، بعد أن أقلته إحدى طائرات السرب الملكي من الرباط. ويضيف الصحافي المصري في المذكرات التي نشرها بعد ذلك بمجلة «وجهة نظر» أن الحسن الثاني بادره بالسؤال عما كان يعرفه في محاولات الانقلاب التي دبرها الجنرال أوفقير، سواء عن طريق مساعده المدبوح في عيد ميلاده بالصخيرات في يوليوز من سنة 1971، أو تلك التي دبرها لإسقاط طائرته وهو عائد من باريس سنة بعد ذلك. وزاد الملك في الاتهام حينما استشهد بما نشرته جريدة الأهرام وقتها، حيث كان هيكل رئيس تحريرها حيث ستكتب الأهرام، وعلى خمسة أعمدة بعرض الصفحة الأولى، تفاصيل كل ما جرى، رغم أن المحاولة انطلقت في حدود الساعة السابعة مساء، وهي التاسعة ليلا في القاهرة. وفي مدة قصيرة كانت التغطية جاهزة.
وأضاف الملك، في محاولة لتثبيت تهمة مشاركة عبد الناصر والمقربين منه في عملية الإعداد لانقلاب الصخيرات، أن أحد المتآمرين في انقلاب الصخيرات اعترف بأن أوفقير كان ينوي، بعد نجاح انقلابه، أن يبعث إلى حسنين هيكل بدعوة لكي يأتي للكتابة عنه، تماما كما كتب عن انقلاب القدافي في ليبيا.
كان رد هيكل قويا حينما قال للحسن الثاني إننا في مصر، وجمال عبد الناصر أولهم، نعرف أن أوفقير كان هو رجل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المغرب العربي كله.. لقد كنا نشك فيه، وكنا نتهمه دائما. ومن ثم لا يمكننا أن نعتبر ما قام به عملا وطنيا أو قوميا.
وللتأكيد على ما يقول، استشهد هيكل بواقعة كان بطلها أوفقير.
قال هيكل للحسن الثاني إن اختيار أنور السادات نائبا للرئيس جمال عبد الناصر، حدث بسبب الجنرال محمد أوفقير.
ففي دجنبر من سنة 1969 كان جمال الرئيس المصري يستعد للسفر إلى المغرب من أجل الحضور لمؤتمر عربي احتضنته العاصمة المغربية. ووصلت عبد الناصر معطيات تفيد بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تخطط لاغتياله. وأن المكلف بالمهمة لن يكون غير أوفقير وزير داخلية الحسن الثاني.
وقتها، يقول هيكل، فكر عبد الناصر في الأمر جيدا، وكاد يعتذر عن السفر إلى الرباط، قبل أن يقرر اختيار محمد أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية لكي لا يقع أي فراغ إذا حدث أي مكروه لجمال عبد الناصر.
وزاد هيكل في دفاعه عن نفسه وعن ولي نعمته جمال عبد الناصر حينما حكى عن واقعة حدثت بحضور الحسن الثاني، وأحمد عصمان وهو وقتها وزير أول، والمستشار أحمد بن سودة، ومدير التشريفات مولاي عبد الحفيظ، على هامش مؤتمر القمة لسنة 1969.
لقد تقدم أوفقير، يحكي هيكل، للسلام عليه. وقال له: إنني أتحاشى الصحافة والصحافيين دائما، لكنني أتابع ما تكتب. ثم أضاف: لماذا تهاجمني وأنت لا تملك دليلا، وكان هيكل يكتب باستمرار أن أوفقير هو من اختطف المهدي بن بركة واغتاله.
فكان رد هيكل: أنت رجل غامض على الأقل. والرجل الغامض متعب لخصومه، ولأصدقائه على السواء. فخصومه لا يعرفون بالضبط، ماذا. والأصدقاء لا يعرفون بالضبط، كيف.
رد أوفقير: وهل أنت خصم أم صديق؟
فأجابه هيكل: أنا خصم. ثم أضاف «إنني خصم لوزير الداخلية، أي وزير داخلية. أما حينما يكون أوفقير هو وزير الداخلية، فإن الخصومة تصبح وقتها أشد تعقيدا».
رد أوفقير، أمام أنظار الحسن الثاني الذي كان يتابع الحوار: وهل يضايقك حفظ الأمن؟
أجاب هيكل: يتوقف على معنى الأمن.
أجاب أوفقير أن معنى الأمن عندي هو أن يكون كل إنسان آمن في بيته ومع أولاده.
قال هيكل:هذا كلام واسع. أنا أتحدث عن الأمن ضد الأفكار.. فمسألة الأمن ضد اللصوص لا أناقشها، ولكني أناقش أمن الفكر. فرد أوفقير «أن الأمن الفكري هو ألا تختلف عن رأي الجماعة.. فليس من حق أحد أن يخرج عن الجماعة..هذا هو حكم الدين.
لكن الجنرال أوفقير لم يتكلف فقط بأمن البلاد واستقرارها، ولكنه راهن على أن يكون حاكمها المطلق، خصوصا وقد جرب ذلك لبضع ساعات كان فيها الحسن الثاني مرتبكا حينما وضع كل السلط بيديه دفعة واحدة.
ولا غرابة أن يتولى أوفقير وزارتي الدفاع والداخلية، وأن يكون مطلعا على كل الملفات التي تعني القضايا الكبرى للبلد. لكن هذا الطموح سيمتد لأشياء أكبر هي التي قادته للقيام بأكثر من انقلاب، قبل أن يفشل.
التقى هيكل الجنرال محمد أوفقير في أكثر من مناسبة. وفي كل مرة، كان الحوار بينهما صاخبا بالنظر لما كان يكتبه هيكل من مقالات حول الشأن المغربي في عدد من الصحف المغربية. وهي مقالات ظلت في مجملها تتهم أوفقير بارتكاب جملة من التجاوزات السياسية.
ولأن الصحافي حسنين هيكل كان هو صوت جمال عبد الناصر، فقد تضمنت كتاباته خصوصا تلك التي نشرها سواء بعد وفاة الرئيس المصري، أو بعد وفاة الحسن الثاني، تؤكد كيف أن المغرب الرسمي وفي مقدمته الملك الراحل، ظل مقتنعا أنه كانت للمصريين يد في انقلاب الصخيرات، الذي خرج منه الملك سالما.
جمال عبد الناصر يتهم الحسن الثاني بتوفير المعلومات لإسرائيل
في معطيات كشف عنها الصحافي هيكل بعد وفاة الملك
كتبت «النيويورك تايمز» الأمريكية، بعد وفاة الحسن الثاني، أن ملك المغرب الحسن الثاني ظل يعطي للموساد، وغيرها من أجهزة الأمن الإسرائيلي، الإذن للتنصت على مناقشات ومداولات القمم العربية والإسلامية. وفي المقابل كانت الموساد مسؤولة عن حمايته، سواء في المغرب أو خارجه، خصوصا بفرنسا التي كان دائم السفر إليها.
وفي شهادة للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، كما كشف عنها الصحافي حسنين هيكل في مذكراته، يقول إنه في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الدار البيضاء سنة 1965، تداول القادة العرب مشروع الرئيس السوري، وقتها اللواء أمين الحافظ، الذي طلب قرارا عربيا لخوض معركة تحرير فلسطين. ومضى المشروع السوري أبعد من ذلك حينما حدد القوات العسكرية التي ستكلف بالمهمة وذلك من خلال الرسوم والخرائط والجداول.
لكن بعد حوالي سنة من مؤتمر الدار البيضاء، سيفاجئ الزعيم اليوغوسلافي «بروز تيتو» زميله المصري جمال عبد الناصر بكل تفاصيل المخطط العربي الذي كان يراهن على إبادة إسرائيل.
لقد حمل مسؤول إسرائيلي إلى «تيتو» تفاصيل ما تم تداوله في الدار البيضاء. وأضاف أن كل هذه التفاصيل متوفرة لدى الأمريكيين أيضا حيث أطلع عليها الرئيس نيكسون نفسه، وقرر بعدها الرفع من المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بطريقة تجاوزت المعدل السابق.
لقد ذهبت شكوك جمال عبد الناصر وقتها لأوفقير، باعتباره رجل وكالة المخابرات الأمريكية في المغرب العربي. لذلك صارح الحسن الثاني بالأمر بمناسبة مؤتمر القمة العربي في 1969 بالرباط، قبل أن يكتشف أن الحسن الثاني نفسه هو من ظل يوفر هذه الخدمة لإسرائيل.
أما ما زاد في اقتناع عبد الناصر بهذا الأمر، فهو أن عدد المؤتمرات العربية التي احتضنها المغرب، زاد بشكل كبير، خصوصا تلك المؤتمرات التي تناولت قضية الصراع العربي الإسرائيلي.
فالأرقام تقول إن المغرب نظم منذ سنة 1965 مؤتمر قمة عربيا في الدار البيضاء. وسنة بعد ذلك سيعود لتنظيم مؤتمر قمة عربي ثان في الرباط في دجنبر. وفي أكتوبر من سنة 1974، ستحتضن الرباط مرة أخرى مؤتمر قمة عربي. وفي نونبر من سنة 1981، ستحتضن فاس مؤتمر قمة عربيا جديدا، وهو المؤتمر الذي عقد وانفض دون جلسات بعد أن وصل الخلاف بين القادة العرب مستويات كبرى. وفي السنة الموالية، 1982، سيعود العرب لعقد مؤتمر قمة آخر في فاس أيضا. ثم آخر في الدار البيضاء سنة 1985 حيث عقد مؤتمر عربي طارئ، وآخر في نفس المدينة سنة 1989.
هذا بالإضافة إلى ثلاث قمم إسلامية في 1969، و1982 وثالث في 1994.
لعل كل هذا الحضور العربي في المغرب، من خلال قمم ضمت رؤساء وقادة هذه الدول، وتداولت في قضايا تهم أساسا الصراع العربي الإسرائيلي، هو الذي عزز شهادات عدد من كبار المسؤولين في الموساد بكون الحسن الثاني قدم الكثير من المساعدات لهذا الجهاز للتنصت على مداولات هذه القمم ومعرفة أدق تفاصيلها.
وفي المقابل، استفاد الحسن الثاني من حماية كاملة لشخصه اضطلع بها الموساد، الذي ظل يضع أمامه أدق تفاصيل خصومه ومعارضيه وكان في مقدمتهم المهدي بن بركة، الذي لم يعد سرا أن الموساد ساهمت في اختطافه من قلب باريس، قبل أن تتم تصفيته..
في فصل مثير من مذكراته، يحكي الصحافي المصري هيكل عن العلاقة القوية التي كانت تجمع الحسن الثاني بالدولة العبرية. وهي علاقة حكاها له رفيقه الرئيس المصري جمال عبد الناصر. لذلك فقد شكلت وفاة الحسن الثاني لحظة قوية في تاريخ إسرائيل، وتاريخ عدد من الدول والشعوب. ولعل أكبر من انتبهوا للفراغ الذي سيحدثه غياب ملك بحجم وقيمة الحسن الثاني، هم الإسرائيليون الذين لم يخفوا حزنهم الشديد على هذا المصاب الجلل. لذلك لم يكن غريبا أن تنشر اللجنة الأمريكية اليهودية، بعد وفاته، إعلانا مؤدى عنه في كل الصحف الأمريكية كتب سطره الأول بالعربية، والثاني باللغة الانجليزية، والثالث بالعبرية يقول» فلتكن ذكراه مباركة للأبد». وهو ما اعتبره المصريون وقتها دليلا قاطعا على العلاقة القوية بين ملك المغرب وإسرائيل.
لقد استحضر المصريون ما كتبه كبير المحررين السياسيين في جريدة « الجيروساليم بوست» بعد وفاة الحسن الثاني حينما قال: « لقد كان سلوك الحسن الثاني تجاه اليهود وتجاه إسرائيل سلوكا يدعو للإعجاب. ففي حين أن معظم الأنظمة العربية ناصبت العداء لإسرائيل إلى درجة التهديد بإبادتها، فإن الملك الحسن سمح للموساد، وهو جهاز المخابرات الإسرائيلي، بأن يقيم مركزا كبيرا لها في المغرب. كما أنه كان الرجل الأول الذي استضاف الاجتماع الأول بين «موشي ديان» وبين حسن التهامي مبعوث الرئيس أنور السادات في 1977 والذي مهد فيما بعد لاتفاقية «كامب دايفيد».
وكتبت جريدة «الأندبندنت» البريطانية بعد وفاة الملك الراحل أن العلاقات المغربية الإسرائيلية كانت خاصة جدا. لقد استفاد منها الملك كما استفادت إسرائيل، التي أشرفت على تنظيم المخابرات المغربية وتدريب عملائها. ولمدة أربعين سنة.
زد على ذلك، حسب الجريدة البريطانية، فإن إسرائيل زودت المغرب بأسلحة كثيرة منها دبابات. وقامت بدور كبير في مطاردة وتصفية أعداء الحسن الثاني ومعارضيه.
وأضافت الجريدة أن العلاقات المغربية الإسرائيلية بدأت مع محمد الخامس، الذي سمح لعشرات الآلاف من اليهود المغاربة بالهجرة إلى إسرائيل.
وعن العلاقة بين الحسن الثاني وجمال عبد الناصر، قال «يوسي ميلمان» في دراسته عن المخابرات الإسرائيلية، إن الموساد كانت تتولى إمداد الحسن الثاني بمعلومات وتقارير عن النوايا العدائية للزعيم المصري جمال عبد الناصر. كما قامت إسرائيل بإمداد المغرب بمائة دبابة لتقوية الجيش المغربي في حربه مع الجزائر في الستينيات، كما تولت الموساد متابعة تحركات المهدي بن بركة والإبلاغ عنه قبل اختطافه.
وكشف» أمير اورين»، وهو واحد من كبار المسؤولين في الموساد لجريدة معاريف بعد وفاة الحسن الثاني، كيف أن ملك المغرب سمح للموساد بالتنصت على كل المناقشات التي دارت بين القادة العرب أثناء انعقاد القمم العربية، خصوصا تلك التي عقدت في المغرب منذ قمة 1965 بالرباط، والتي كان موضوعها هو البحث في خطط القيادة العربية المتحدة في مواجهة إسرائيل. وهو التنصت الذي ساعد إسرائيل في حرب الستة أيام لسنة 1967.
إنها المعطيات التي ظلت تفتح على الحسن الثاني جبهة المعارضة من قبل المصريين سواء في فترة حكمه، أو بعد وفاته. لذلك لم يخف المصريون غضبهم ضد الحسن الثاني حينما قررت إسرائيل تكريمه بعد أن وضعت لجنة خاصة مشروع تسمية 70 موقعا فيها الشوارع والمنتزهات باسم الحسن الثاني. كما وضعت طابعا بريديا في 2000 يحمل صورة الحسن الثاني.
محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي احتضنه «صوت العرب»
الملك فاروق يوافق على لجوئه السياسي
لقب ببطل الريف وبأسد المجاهدين وأمير المجاهدين، وهو الذي أفنى حياته في حمل السلاح ومواجهة الاحتلالين الفرنسي والإسباني معبئا جيشا غير مسبوق تاريخيا، مؤلفا من قبائل الريف المغربي. قبل أن يموت مبعدا شبه منفي في العاصمة المصرية القاهرة، حيث يرقد جثمانه إلى اليوم.
فحينما انتهى عهد الحماية الفرنسية والإسبانية على المغرب، ظل الخطابي رافضا لفكرة العودة الى بلده، قبل التصفية النهائية والكاملة للاستعمار ومظاهره. وهو الذي ظل يعتبر أن بقاء القواعد العسكرية الأجنبية في الأقطار المغاربية خيانة، وطعنة في صميم قضية المغرب، وأن القصد من هذا هو استدامة نفوذ فرنسا في الأقطار الثلاثة؟
حينما اختار الخطابي الإقامة بمصر، كان قد جرى بينه وبين محمد الخامس اتفاق يقضي بعودة «أمير الريف» إلى المغرب. غير أن وفاة السلطان، فرضت على الخطابي البقاء في منفاه الاختياري».
وعندما اندلعت ثورة الريف سنة 1958 خرج بني ورياغل، وهي القبيلة التي ساندت بن عبد الكريم الخطابي، ورئيسها أمزيان إلى السيبة. وعلى الرغم من أن ولي العهد، قائد القوات المسلحة الملكية، المتمركز في تطوان، والكولونيل محمد أوفقير، هما اللذان تولّيا قمع هذه الانتفاضة، فإن أهل الريف كانوا يرون هذا القمع يستهدفهم من حكومة الوطنيين التي كان يقودها حزبا الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
بعد فرض إسبانيا نظام الحماية على شمال المغرب، رفض والد الخطابي الخضوع للإسبان، فعزلت إسبانيا الخطابي الابن عن القضاء وسجنته حوالي سنة.
ولما أطلق سراحه وجد أباه يعد لمقاومة الاستعمار الإسباني لكن الموت عاجله عام 1920، فخلفه -وهو في سن التاسعة والثلاثين- في زعامة القبيلة وإكمال ما بدأه، وقد استطاع رجاله مهاجمة المواقع التي احتلها الإسبان ومحاصرتها.
أوقع بالإسبان هزيمة تاريخية في معركة أنوال يوم 22 يوليوز 1921، حيث قتل 15 ألف جندي إسباني على رأسهم قائدهم الجنرال «سلفستر»، كما أسر 570 جنديا. وطرد الاستعمار من منطقة الريف ودفع القوات الإسبانية لمغادرة إقليم جبالة كله والتراجع للسواحل، وأعلن حكومة خاصة بمنطقة الريف في 18 سبتمبر 1921 دون التنكر لسلطان المغرب.
حول رجاله المقاتلين إلى جيش نظامي، وسعى لتنظيم الإدارة المدنية ووضع دستور وتشكيل مجلس عام، مسطرا أهداف حكومته في عدم الاعتراف بالحماية الفرنسية على المغرب، وجلاء الإسبان من المناطق المحتلة، وإقامة علاقة طيبة مع جميع الدول.
انزعج الاستعمار الفرنسي من الواقع الجديد في منطقة الريف فقرر التدخل لمصلحة الإسبان، لخشيته من أن يكون نجاح ثورة الخطابي بمثابة وقود للمغاربة في باقي المناطق وللثورات في شمال أفريقيا كلها ضد الاستعمار. قاوم العمليات العسكرية للفرنسيين والإسبان ببسالة وقوة، فاستعانوا بإمدادات عسكرية هائلة وحاصروه، وأنهكوه باستعمال القنابل الكيميائية غير التقليدية، فاستسلم عام 1926 أسير حرب، وخوفا من سقوط مزيد من الشهداء واستمرار القتل.
بعد ذلك أعلن عن تخليه عن مشروع جمهورية الريف ونادى باستقلال كامل التراب المغربي، فنفاه الاحتلال الفرنسي مع عائلته وبعض أتباعه إلى جزيرة «لارينيون» النائية في المحيط الهندي.
وبعد عشرين عاما، وفي 1947، تقرر نقله إلى فرنسا، وأثناء نقله توقفت الباخرة في ميناء بورسعيد المصري، واستطاع بعض المغاربة زيارته، واقترحوا عليه طلب اللجوء السياسي من الملك فاروق، الذي استجاب له رغم احتجاج السفير الفرنسي بمصر.
بقي في مصر مع عمه عبد السلام وعائلاتهما حتى وفاته، وفي القاهرة استأنف المقاومة وساند، عبر راديو «صوت العرب»، كل الحركات التحررية في شمال أفريقيا وباقي الدول العربية والإسلامية.
أسس عام 1947 مع ثلة من أبناء المغرب العربي لجنة «تحرير المغرب العربي» وتولى رئاستها، وتعرف على الإمام حسن البنا وعدد من رجالات مصر ورجال المقاومة من دول عربية وإسلامية.
غير أنه لم يكتب له العودة إلى بلده المغرب حيث توفي ودفن بمصر.
حرب الرمال التي شهدت اعتقال حسني مبارك
يوم شارك الجيش المصري في حرب الجزائر على المغرب
لم تكن حرب الرمال، التي اندلعت في بداية الستينيات بين المغرب والجزائر، مجرد مواجهة بين جارين ظلا يتقاسمان التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، ولكنها كانت حربا بين معسكرين شرقي وغربي. لذلك لم يعد الأمر سرا اليوم أن الجزائر ظلت مساندة في تلك المواجهة، وهي الخارجة للتو من عقود الاستعمار الفرنسي، بدعم عسكري وبشري من روسيا وكوريا. بل ومن الشقيقة مصر، على عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
أما في الجهة المغربية، فلم يكن قائد هذه المواجهة غير
جنرال اسمه إدريس بنعمر العلمي، الذي سيقبل على مضض الامتثال لأمر الملك القاضي بتراجع الجيش المغربي إلى مواقعه بعد توغل كبير في الأراضي الجزائرية.
لقد انطلقت المواجهات بين القوات الجزائرية والجيش المغربي بهجومات مباغتة شنها الجزائريون على مركزي «حسي بيضا» و«تينجوب»، ثم على مركز «إيش» في شرق فكيك، إلا أن بن عمر سيرغمهم على التراجع بعد أن أصبح على بعد كيلومترات من قلب العاصمة، لأن الحسن الثاني سيضطر إلى توقيف هذه الحرب بعد أن دخل على خطها الروس والأمريكان.
تراجع أغضب الجنرال بن عمر، الذي خلع زيه العسكري وهو في لقاء بالحسن الثاني ليلقيه أمام الملك، القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلا: «مولاي لا يقبل، في المنطق الحربي والتقاليد العسكرية، أن يعود جيش منتصر إلى نقطة انطلاقه الأولى كأنه جيش منهزم».
ويحكي المتتبعون كيف أن حرب الرمال نشبت بعد أن قاد الجيش الجزائري، دون سابق إنذار، غارة على سرية للقوات المساعدة، بمنطقة «بونو» التي تبعد بحوالي 45 كيلومترا شرق مدينة امحاميد الغزلان التي تبعد بدورها عن الحدود المغربية الجزائرية بعشرين كيلومترا. إذ قام فيلق من المشاة الجزائريين مدعومين بالمدفعية الثقيلة بإعدام أفراد السرية المغربية بعد تكبيلهم بالأسلاك الشائكة، وإضرام النار في جثثهم بعد ذلك. ولم تكتف الجزائر بذلك، بل أرسلت قوات أخرى للهجوم على منطقة «حاسي بيضا والتينجوب « على بعد 60 كيلومترا عن امحاميد الغزلان.
لقد كان الجيش الجزائري يتوفر، وقتها، على أسلحة روسية، وعلى دعم مصري وكوري وسوري.، فضلا عن الدعم اللوجيستيكي والمعرفي الذي حظي به الجيش الجزائري من قبل المستشارين والخبراء العسكريين المصريين، بحكم تحالف الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع الجزائر. في حين كان تسليح القوات المغربية خفيفا ببعض المدرعات الموروثة عن الاستعمار الفرنسي. لكن نقطة قوة الجيش الملكي كانت تكمن في خبرته التي راكمها جنوده الذين شاركوا في حرب الهند الصينية والحرب العالمية الثانية.
وخلال هذه المواجهة، كانت خسائرالجزائر أكبر. ومن ذلك القضاء على فيلق كان يقوده رائد من الجيش المصري لقي حتفه في المعركة، وفرقة من المظليين ضمت 600 جندي تحت إمرة رائد من الجيش المصري. بالإضافة إلى أسر حوالي 500 جزائري.
غير أن الملك الراحل، تدخل لإصدار أوامره بوقف الهجمات والعمليات التي كانت قد حققت انتصارا ساحقا على الجنود الجزائريين. وهو ما أغضب الجنرال إدريس بنعمر، الذي كان يرغب في أن يكون انتصار جنوده شاملا. فيما كانت وتيرة الوساطات لتوقيف أوزار الحرب، سريعة على كل المستويات.
وعلى الرغم من أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان قد أوفد ضباطا من كبار قادة الجيش المصري لمساعدة الجزائريين في حربهم ضد المغرب، إلا أنه سيفاجأ بالأخبار التي تتحدث عن اعتقالهم وأسرهم من طرف جنود مغاربة تحت إمرة الجنرال إدريس بنعمر، الذي يبدو أنه تكتم عن النازلة.
غير أن المثير، هو أن من بين أولئك الأسرى، كان يوجد طيار اسمه محمد حسني مبارك، هو الذي سيصبح رئيسا لمصر بعد اغتيال الرئيس محمد أنور السادات.
لقد تحركت القيادة المصرية وقتها لمساندة الجزائر بألف مقاتل من فرق النخبة المصرية، مع كتيبة مدفعية مصرية بكامل تسليحها، وتشكيل جوي خاص من أحدث الطائرات سوفياتية الصنع، التي حصلت عليها مصر للتو من الاتحاد السوفياتي.
وبسبب التميز والكفاءة المهنية، والتدريب الروسي الرفيع، وجد الطيار المقاتل محمد حسني مبارك، قائد سرب الطائرة القاذفة سوفياتية الصنع «إليوشن 2 - 28» نفسه من بين القوة الجوية التي كلفها الرئيس جمال عبد الناصر بالتحرك الفوري إلى دولة الجزائر.
وفي عز الحرب، ظهرت حقيقة القوة الجوية المصرية، التي لم تكن مجرد طائرات مصرية مقاتلة. بل إنها تشكلت من حوالي 10 طائرات نفاثة مقاتلة من طراز «ميج - 19 - ميكويان جوريفيتش» سوفياتية الصنع.
كما تشكلت القوة الجوية المصرية المساندة للجيش المصري وقتها من عدد آخر من الطائرات العمودية، وطائرات النقل الروسية الثقيلة التى حملت قوات النخبة المصرية مع كامل عتادها.
كما ضمت القوة الجوية المصرية الرئيسية خمسة طيارين كانوا من أفضل الطيارين المقاتلين الجويين المصريين، على الطرازات السوفياتية المختلفة أبرزهم الطيار محمد حسنى مبارك.
لقد كان مقررا نقل الطيارين المصريين الخمسة، عقب وصولهم الجزائر، مباشرة إلى القاعدة الجوية الحربية الغربية القريبة من مناطق المعارك، تمهيدا لتسلمهم طائرات جزائرية سوفياتية الصنع من طراز عال.
غير أن المصريين سيكتشفون، لدى وصولهم القاعدة الجوية العسكرية الجزائرية الغربية، أن الطائرات السوفياتية الرابضة في انتظارهم قديمة حيث تعاني من عدة مشاكل تقنية.
ونظرا لضيق الوقت، وعدم توفر قطع الغيار الروسية اللازمة، أجبرت أحداث المعارك الطيارين من القوة الجوية المصرية الموفدة للجزائر على الموافقة على الطيران بطائرتين جزائريتين روسيتي الصنع كانتا الأفضل حالة.
وتقرر نقل الثلاثة طيارين المصريين الباقين، وكان من بينهم الطيار حسني مبارك، على متن طائرة عمودية جزائرية إلى قاعدة عسكرية جزائرية أخرى تمهيدا لتسلمهم طائرات قاذفة روسية من الطراز الذي تدربوا على قيادته.
غير أن المروحية الجزائرية، ستتعطل فجأة بسبب خطأ تقني أصاب محركاتها جراء عاصفة رملية كثيفة باغتتها أثناء طيرانها على ارتفاعات منخفضة، بهدف تمويه الرادارات الأرضية.
فاضطر قائد المروحية إلى الهبوط اضطراريا داخل منطقة عمليات عسكرية مشتركة جغرافيا، حيث سيتم أسر طاقم الطائرة الجزائرية العمودية بواسطة القوات الأرضية المغربية.
لقد شكل هذا السقوط الحدث حينما اكتشف المغاربة تواجد قوات أجنبية تقاتل إلى جانب الجيش الجزائري، وفي مقدمتهم مصريون. لذلك سيقرر الحسن الثانى 1999 فضح قرار مساندة النظام المصري للرئيس جمال عبد الناصر، لدولة الجزائر ضد المغرب، حينما هدد بعرض طاقم الطائرة العمودية الجزائرية وركابها من الأسرى المصريين، على وسائل الإعلام العالمية وهم مقيدو اليدين والأرجل.
ستدخل المخابرات الروسية على الخط. وسيتحرك الرئيس الروسي «خورتشوف» شخصيا لثني الحسن الثاني على دخول مغامرة عرض الأسرى المصريين على وسائل الإعلام العالمية، بعد أن هدد الرئيس المصري أنه لن يتردد في الدخول في الحرب إلى جانب الجزائر بكل جيشه المصري، بعد أن قال عبد الناصر إن القضية ستصبح أمرا شخصيا بينه وبين الحسن الثاني، الذي سيضطر إلى قبول نصيحة موسكو بعدم إهانة الطيارين المصريين الثلاثة أمام الإعلام الدولي. حيث اكتفت بالكشف عن الطيارين المصريين في الصحف والإعلام المحلي بشكل أقل حدة دون إهانة متعمدة.
كان لا بد أن تنتهي حادثة أسر الطيارين المصريين الثلاثة بأزمة دبلوماسية حقيقية بين القاهرة والرباط. فقد تبادل فيها البلدان استدعاء السفراء، وجمدت على إثرها أنشطة السفارات، وقامت الحكومة المغربية بترحيل 350 مدرسا وأستاذا جامعيا مصريا عملوا وقتها بعقود رسمية في جامعات المغرب المختلفة.
ولم تهدأ النفوس إلا حينما أشرفت منظمة الوحدة الإفريقية على التوقيع على اتفاقية وقف إطلاق النيران بين الجزائر والمغرب في 20 فبراير 1964. كما وافقت الأطراف المتحاربة، بناء على تلك الاتفاقية التى وقعت تحت إشراف ووساطة عربية ودولية كاملة، على إجراء عمليات تبادل للأسرى بين الجزائر والمملكة المغربية. ليتم بعد ذلك ترحيل الأسرى المصريين، ومن بينهم الطيار حسني مبارك إلى القاهرة حيث تم تسليمهم فى شهر أبريل 1964 إلى مندوبي منظمة الصليب الأحمر الدولية كأسرى حرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.