رئاسة الأغلبية تؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات وتعزيز التعاون الحكومي    بالفيديو.. الإرهاب بالمغرب كان يعتزم استهداف مقرات أمنية حساسة وأسواق ممتازة    الوداد يضم لاعبا فرنسيا ويستعير آخر من جنوب إفريقيا    زياش إلى الدحيل القطري    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تواصل تنفيذ برنامجها السنوي لتنقية شبكة التطهير السائل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    أمطار الأربعاء تؤكد حاجة طنجة لمزيد من مشاريع الحد من الفيضانات    مدير "البسيج": الأجهزة الأمنية تسير بخطى ثابتة في محاربة الإرهاب دون مبالاة بمن يشكك أو يبخس    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    بايتاس: "التراشق والشيطنة" لا يخدم مكافحة الفساد والاستراتيجية الوطنية حققت 80% من أهدافها    أخنوش يتباحث مع وزير الخارجية اليمني و الأخير يجدد دعم بلاده لمغربية الصحراء    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    بعد تعليق نتنياهو قرار اطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين.. تقارير اعلامية: "الإفراج من سجن عوفر سيتم خلال ساعات الليل"    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    قتلى في اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية قرب واشنطن    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عاجل.. الوزير السابق مبديع يُجري عملية جراحية "خطيرة" والمحكمة تؤجل قضيته    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    الشرطة المواطنة في خدمة الطفولة: ولاية أمن الدار البيضاء تحقق حلم الطفل ريان    مارين لوبان: من يحكمون الجزائر يخفون الحاضر.. لديهم اقتصاد مدمر، وشباب ضائع، وبلد في حالة تفكك    ارتفاع مفاجئ وتسجل مستويات قياسية في أسعار البيض    الوداد البيضاوي يعزز صفوفه بمهاجم صانداونز الجنوب إفريقي على سبيل الإعارة    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    افتتاح السنة القضائية بطنجة: معالجة 328 ألف قضية واستقبال أكثر من 42 ألف شكاية خلال 2024    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    نيمار يتنازل عن نصف مستحقاته للرحيل عن صفوف الهلال    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة اعتقال حسني مبارك بالمغرب
نشر في أخبارنا يوم 06 - 02 - 2011

لرفع كل لبس، فإننا نتحدث عن أكتوبر 1963، أثناء حرب الرمال، حين ساند جمال عبد الناصر الرئيس الجزائري بن بلة في الحرب ضد المغرب.. وكيف تاهت مروحية في مجاهل الصحراء الشرقية للمغرب، كانت تقل ستة مصريين كان بينهم الرئيس الحالي لمصر حسني مبارك، باعتباره مسؤولا عسكريا.. كيف اعتقل؟ من استنطقه، وكيف حمل إلى سجن دار المقري حيث قضى حوالي الشهر؟ والحكاية الطريفة لحملهم إلى القصر الملكي قبل تسليمهم إلى جمال عبد الناصر كهدية من الراحل الحسن الثاني.. ذاك ما نحاول الإجابة عنه.
جمال عبد الناصر الجمهوري ضد الحسن الثاني الملكي
منذ ثورة يوليوز 1952، لم يكن الحكم المصري يكن للملكيات أي عاطفة حب، إن عبث الملك فاروق المطاح به أعطى نموذجا سيئا للملكيات، لذلك كان القومي البكباشي جمال عبد الناصر يمجد الجمهوريات ويفضلها على الملكيات. وكانت الجزائر بلد المليون شهيد، بحسب عبد الناصر، ثورية وتقدمية واشتراكية وتحريرية، فيما لم يكن يرى في المغرب غير ملكية رجعية متخلفة خادمة للاستعمار ودكتاتورية فاسدة. من هذا المنطلق ساند جمال عبد الناصر النظام الجزائري ضد المغرب في حرب الرمال عام 1963، حيث أرسل حوالي ألف جندي مصري لدعم الجيش الجزائري ضد القوات المسلحة الملكية المغربية بالإضافة إلى عتاد حربي، وكان حسني مبارك ضمن هؤلاء، لقد جاء على متن طائرة لقتل جنود الحسن الثاني، الذي سيتحول لديه، فيما بعد، إلى مرسول محبوب بين الملك الراحل والرئيس المصري المغتال أنور السادات.
حين ألقي القبض على حسني مبارك بالمغرب
في أكتوبر 1963 "ألقي القبض على "العقيد" حسني مبارك في صحراء المغرب الشرقية، وفي أكتوبر 1981، توج مبارك رئيسا للجمهورية المصرية فينا يشبه حادثة تاريخية استثنائية بعد حادث اغتيال أنور السادات. إنه تاريخ طويل وماكر، يجهل الكثير من المصريين بعض تفاصيله، فالسيد حسني مبارك الحاكم اليوم الذي يطالب شعب مصر المحروسة برحيله، لم يكن سوى ذلك العقيد الذي أرسل ضمن ألف جندي لمساندة الجيش الجزائري في مواجهة القوات المسلحة الملكية في حرب الرمال عام 1963، تقول وثائق سرية إن جمال عبد الناصر كان يريد من خلال الإطاحة بالنظام المغربي، عبر هزم جيوشه النظامية، استقطاب نظام تونس الذي كانت له وشائج قربى وطيدة مع ملكية الحسن الثاني، وأيضا تقديم رسالة تحذير إلى النظام الملكي السنوسي بليبيا لقد أرسل جمال عبد الناصر حوالي ألف جندي إلى منطقة حاسي بيضة عام 1963، حيث نشبت حرب بين الجزائر والمغرب ستعرف بحرب الرمال، كان ضمنهم الضابط الميداني أركان حرب حسني مبارك الذي كلف باعتباره قائد سرب للطيارات، ويقول اخرون إنه كان جنديا برتبة عقيد (كولونيل) واخرون يتكلمون عن رتبة رائد (كوموندو)، لمعرفة الخصاص الذي كان يعانيه الجيش الجزائري في قاعدة العبادلة بالجزائر، كانت الطائرة التي تقل المصريين الستة تقوم بجولة استطلاعية على الحدود المغربية- الجزائرية في مكان اشتباكات الجيشين، غير أنها غابت عن الأنظار. البعض يقول بسبب عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب عاصفة رملية، والبعض الآخر يقول بسبب تيه ربان طائرة الهيلكوبتر، التي نزلت في الشرق المغربي بشكل اضطراري، حيث تمت محاصرتها من طرف سكان محاميد الغزلان وقائد المنطقة الذي أخبر القيادة العسكرية بمراكش حول وجود مصريين ثلاثة منهم برتبة عقيد (كولونيل) اعتبروا صيدا ثمينا بالنسبة للحسن الثاني الذي قدم المعتقلين المصريين خلال ندوة صحافية في نهاية أكتوبر 1963، وكان بينهم حسني مبارك.. إنهم وليمة مصرية تورط جمال عبد الناصر في حرب الجزائر مع المغرب.
حين ربط المواطنون حسني مبارك وطائرة هيلكوبتر خوفا من طيرانها
تجمع سكان محاميد الغزلان حول هذا الطائر الغريب الذي حط بالخطأ على حقولهم، وروع كلابهم ودواجنهم، فتجمعوا حول طائرة الهيلوبتر وانقضوا على الربان والضباط المصريين وعضو مجلس قيادة الثورة الجزائرية شريف بلقاسم حيث أوثقوهم بالحبال، واستنادا إلى رواية حكاها له أحد ضباط المخابرات المغربية المتقاعدين من (الكاب1)، يقول محمد لومة غن هذا الضابط حين توجه إلى منطقة محاميد الغزلان وجد الضباط المصريين ومن بينهم بالطبع حسني مبارك، مكبلين بالحبال إلى جذوع النخيل، كما أن طائرة الهيلكوبتر لم تسلم بدورها من التكبيل وربطها بالحبال مع أشجار النخيل، ولما استفسر ضابط المخابرات المتقاعد بعض الأهالي عن سبب ربطهم للمروحية، أجابوه بأنهم يخشونها ان تطير.
حسني مبارك في دار المقري
بعد إعلام قائد المنطقة العسكرية عن وقوع القادة العسكريين المصريين في فخ الأهالي، أعطى الجنرال أوفقير أوامره بإحضارهم على وجه السرعة إلى مدينة مراكش، ليخضعوا للاستنطاق، قبل حملهم إلى الرباط، إلى دار المقري أسبوعا بعد 20 أكتوبر1963، حيث يحكي الفقيه البصري والحبيب الفرقاني المعتقلين على خلفية أحداث مؤامرة 15 يوليوز 1963، خبر التقاء المعتقلين الاتحاديين بالضبط المصريين، الذين سيصبح أحدهما، حاكما لمصر أكثر من 30 سنة، إنه حسني مبارك، الذي لم تحتفظ الجزائر له ود وقوفه إلى جانبها في حرب الرمال، لذلك سيقول مسؤول مصري حديثا: " بس أنا نفسي أعرف ليه الجزائريين دلوقتي بيكرهوا المصرين، رغم أننا ساعدناهم على دولة إحنا مكنش فيه بينا وبينهما عدواة، واعتقل ريسنا علشانهم وبرده هم بيكرهونا للأسف هما ميعرفوش جمايل مصر عليهم لحد دلوقتي".
وبسبب ما اعتبره الراحل الحسن الثاني تدخلا مصريا في صراعه مع نظام بن بلة، قام باستدعاء سفير المملكة بمصر، وقام بطرد حوالي 350 معلما مصريا ومنع كل ما يمت بصلة لمصر من التداول في المغرب بما في ذلك أغاني رواد الطر العربي.
هدية بشرية مقابل باقة ورد
حقق المغرب انتصارا كبيرا في حرب الرمال، وطاردت القوات المسلحة الملكية القوات الجزائرية وتوغلت في عمق التراب الجزائري، إلا أن الراحل الحسن الثاني أمر بعودة الجيوش المغربية إلى قواعدها بالحدود المغربية الشرقية، وحكاية البزة العسكرية لإدريس بن عمر الغاضب من القرار أشهر من أن تعاد روايتها في هذا الباب.. وتدخلت الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ودولة صديقة للصلح بين الجزائر و المغرب، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار بباماكو بمالي يوم 29 أكتوبر 1963، وعادت المياه إلى مجاريها بين المغرب ومصر، حيث قبل الراحل الحسن الثاني الدعوة الرسمية التي وجهت له زيارة الجمهورية العربية المتحدة آنذاك.
وحول ظروف وطريقة تسليم الملك الراحل الحسن الثاني للضابط المصريين لجمال عبد الناصر، أكد لومة أن موضوع كيفية الصلح مع جمال عبد الناصر، طرح لشكل قوي على الحسن الثاني، بعد أن عرفت العلاقات المصرية- المغربية توترا كبيرا شمل كافة القطاعات، حتى الغنية منها، مع وعي الحسن الثاني يكون أن مصر تشكل وزنا إستراتيجيا في المنطقة العربية، لهذا استشار مجموعة من أصدقائه، إذ اقترحوا عليه أن ينظم رحلة إلى مصر، تسبقه خلالها طائرة الأسري، وأن يظلوا في المطار إلى حين وصوله، وأن يسلمهم بيديه للرئيس المصري وهذا ما حصل، حيث أقلعت طائرة عسكرية متوسطة الحجم تجاه مصر، وتبعتها الطائرة الملكية .
ولدى وصول الحسم الثاني إلى المطار، استقبله جمال عبد الناصر شخصيا رفقة وفد من الحكومة المصرية، بعدها اقتربت طفلة صغيرة من الحسن الثاني وقدمت للملك الراحل باقة من الورد، ترحيبا به، غير أن هذا الأخير المعروف بذكائه اللماح، قبل الطفلة الصغيرة والتفت إلى عبد الناصر وقال له: "يا فخامة الرئيس شكرا على باقة الورد"، وأنه بدوره سيهديه باقة من اللحوم الحية، بعدها اتسعت حدقة عين جمال عبد الناصر ولم يفهم شيئا، وبإشارة من الحسن الثاني ظهر الضباط المصريون الأسرى الستة بزيهم العسكري، ففهم عبد الناصر معنى باقة اللحوم الحية، وضحك وعانق الملك الحسن الثاني.
مبارك يستسلم أمام المحققين المغاربة ويعترف بكل شيء
أشرقت شمس حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية من المغرب، كل مجرد ضابط عادي في صفوف قوات أرسلها الرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر لمساعدة القوات الجزائرية في حربها ضد المغرب خلال حرب الرمال سنة 1963، ليجد نفسه أسيرا دون ان يدري كيف؟ ربما هو القدر الذي حرك تلك الزوبعة الرملية التي عبدت لهم طريق الأسر داخل التراب المغربي؟ وهي تلك الغفوة التي تملكت ربان الهيلكوبتر، وجعلت حدسه لا يميز بين التراب المغربي عن الجزائري، المهم ان واقعة أسر مبارك كانت بداية ميلاد مشروع رئيس الجمهورية لدولة مثل مصر، خصوصا وان بعد فترة من الأسر أحسن الحسن الثاني ضيافته، لتتكرر اللقاءات بين الطرفين، سواء كنائب للرئيس الراحل أنور السادات أو عندما تولى زمام الأمور في مصر، قبل أن يجد نفسه قاب قوسين من أن يغادرها.
كشف الأستاذ الباحث محمد لومة، عن بعض خيوط اعتقال الرئيس حسني مبارك بالمغرب عندما كان ضابطا في الجيش المصري، إذ أكد على أنه خلال اندلاع المواجهات المسلحة بين الجيش المغربي والجزائري في أكتوبر 1963، في منطقة حاسي بيضة، في إطار ما يعرف بحرب الرمال، كان الجيش الجزائري يفتقر إلى الأسلحة الثقيلة منها سلاح المدفعية وسلاح الجو، هذا المعطى العسكري دفع بالقيادة الجزائرية في تلك الفترة إلى طلب الاستعانة بالخبرة المصرية في المجال العسكري، وهو الطلب الذي لم يتردد في الاستجابة له الرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، خصوصا وأن ميزان المواجهة كان يميل لصالح المغرب بحكم توفره على جيش نظامي مكون من حوالي 20 ألف جندي، أغلبهم خبر الحروف في صفوف الجيوش الاستعمارية الفرنسية والإسبانية، ولإعادة ميزان القوى إلى الطرف الجزائري، عمل الرئيس جمال عبد الناصر على إرسال مجموعة من طائرات "هيلكوبتر" مصرية إلى الجزائر، كان على متن إحداها رائد "كومندو" حسني مبارك، إلى جانب خمسة ضباط مصريين كبار، وقيادي في مجلس الثورة الجزائري، وكلفت هذه المروحية خلال الحرب بمهمة استطلاع خلف خطوط الاشتباكات بين الجيشين المغربي والجزائري، وبالضبط في منطقة تيندوف، لكن خلال مهمتهم العسكرية، تعرضت طائرتهم لعاصفة رملية تسببت في إضاعة ربان المروحية لخط الرحلة، لتنزل الطائرة اضطراريا في منطقة محاميد الغزلان، إذ قام المواطنون أنذاك بمحاصرتها وأحضروا مجموعة من الحبال، وقاموا بتقييد جميع طاقم الطائرة المروحي والضباط المصريين، وعضو مجلس قيادة الثورة الجزائري شريف بلقاسم الذي ينحدر من منطقة سيدي قاسم بلقاسم الذي تم تسليمه فيما بعد بحكم أنه قيادي في الدولة الجزائرية، في حين جرى الاحتفاظ بالضباط المصريين الستة رهن الاعتقال.
وأشار لومة إلى أنه بحكم أن حدث الاعتقال وقع في عهد الجنرال أوفقير، فإن الضباط المصريين الستة، أحضروا إلى دار المقري الشهيرة. ومن غرائب الصدف، أن هذا المعتقل كان يعج في تلك الفترة بمجموعة من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذين اعتقلوا على خلفية مؤامرة 15 يوليوز 1963، كان من بين الأسماء المعتقلة وقتها، الحبيب الفرقاني، محمد المكناسي، الفقيه البصري واللائحة طويلة، مضيفا أن الضيوف المصريين وضعوا في إحدى القاعات التي توجد في إحدى القاعات التي توجد في إحدى زوايا الدار بالداخل، وأنه في الزاوية المقابلة، كانت زوجة شيخ العرب "مينة" معتقلة أيضا، مع إبنيها صغيري السن وأبيها.
وحسب الضابط المغاربة الذين اشرفوا على التحقيق مع هؤلاء الضباط-يقول لومة- فقد أكدوا أن أحد الضباط المصريين وكان برتبة كولونيل "مقدم"، وهو أعلى رتبة بين راكبي الهيلكوبتر، رفض بشكل مطلق إعطاء أي معلومات، وأنه دعا المحققين، بالعودة إلى اتفاقية "جنيف" لسنة 1948 المتعلقة بأسرى الحرب، في حين زود حسني مبارك خلال التحقيق معه المحققين بكل المعلومات، بل اعترف بكل شيء رعبا وخوفا وتكلم بدون حدود، وبعد أن قضى الضباط الستة أسابيع في دار المقري، تم نقلها بعد ذلك إلى مقر الضيافة الملكية الخاصة، بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، واستفادوا من الكرم الملكي على جميع المستويات، حيث كانت تطبخ لهم وجبات في المطبخ الملكي، تضم أنواعا مختلفة من أشهى الوجبات، لكن وعندما قرر الملك الحسن الثاني إعادتهم إلى مصر، أصيبوا بانهيار عصبي وأجهش بعضهم بالبكاء، بعد أن اعتاد الحياة الرغيدة في الضيافة الملكية الخاصة، وأن هذا القرار الملكي سيعيدهم إلى عهد الوجبات المصرية الشعبية الشهيرة.
ويكشف لومة أن اعتقال حسني مبارك ورفاقه الضباط المصريين، الذين أكد بالملموس تورط القيادة المصرية في حرب الرمال، دفع بالملك الحسن الثاني إلى منع كل الأفلام والمسلسلات والأغاني المصرية على الشعب المغربي، ولو تعلق الأمر بكبار نجوم الطرب المصري، مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش... بالكامل، وأن أحد الإذاعيين المغاربة "الحاج كوتة"، كان يسخر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويردد باللهجة المصرية "إوا البكباشي والبكباشي" بطريقة ساخرة يتهكم فيها على جمال عبد الناصر، و "البكباشي" هي الرتبة العسكرية التي كان يحملها جمال عبد الناصر خلال قيامه بالثورة على نظام حكم الملك فاروق في 23 يونيو 1952، وتعادل رتبة عقيد.
بعد واقعة الاعتقال، أشار لومة إلى أن حسني مبارك احتفظ بعلاقة وطيدة مع الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان رسول الرئيس السابق الراحل أنور السادات للعاهل المغربي، من أجل تدارس القضايا الكبرى التي كانت تعرفها المنطقة في ذلك الوقت.
صالح حشاد ل"المشعل"
أوفقير أعطى أمرا صارما بإحضار حسني مبارك
* حدثنا عن السياق العام الذي تم فيه اعتقال الرئيس المصري حسني مبارك في المغرب؟
- كان ذلك في حرب الرمال سنة 1963، والتي شهدت صراعا مسلحا بين المغرب والجزائر، تزامنت تلك الحرب مع توتر العلاقات المغربية- المصرية، وهو ما دفع بالرئيس المصري وقتها جمال عبد الناصر إلى إرسال ضباط مصريين إلى الجزائر لمساعدة الجيش الجزائري وتأطير بشكل جيد، لكن الذي وقع هو أن مبارك ورفاقه بعد ركوبهم لمروحية عسكرية، أخطئوا موقع النزول، ووجدوا أنفسهم في نواحي منطقة أرفود داخل التراب المغربي، وبعد نزول المروحية، أجبرهم قائد المنطقة على الاستسلام وعدم محاولة الهرب، ليعلم القيادة العليا للجيش التي كانت موجودة في مراكش خلال تلك الفترة، والتي كان على رأسها الجنرال محمد أوفقير، الذي أعطى أمرا صارما لطيار صديق لي، بأن يذهب إلى أرفود ويحضر هؤلاء الضباط المصريين، وهو ما جرى بالفعل، إذ استقل طائرة إلى أرفود وأحضر الأسرى المصريين إلى مراكش.
* كم كان عدد أولئك الضباط المعتقلين؟
- لم أتعرف على العدد الحقيقي لأولئك الضباط واعتقدوا أن عددهم ربما كان أربعة أو خمسة ضباط، لكن يبقى الأهم هو أنه كان هناك ضابط في رتبة ملازم من بين الضباط الذين ساندوا الجزائر في حربها ضد المغرب، كان إسمه حسني مبارك، وظلوا معتقلين في مراكش إلى أن قرر الملك الراحل الحسن الثاني، بعد أن انتهت الأزمة وانفرج التوتر بين مصر والمغرب، أخذهم معه في طائرة ليسلمهم للرئيس الأسبق الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن قام بإطلاق سراح كل الجنود الأسرى بسبب الحرب في مدينة مراكش.
* ما كان موقعك خلال الفترة التي جرى اعتقالهم فيها؟
- كنت مشاركا في حرب الرمال، إذ كلفت من طرف القيادة العامة للجيش وقتها، بأن أقود سريا من الطائرات التي قدمها الاتحاد السوفياتي للمغرب كهدية على نيله الاستقلال، حيث كنت رفقة زملائي الطيارين نشارك في الدفاع عن حوزة الوطن.
* هل كنت شاهد عيان عند إلقاء القبض عليهم؟
- فعلا، لقد كنت لحظتها في القاعدة الجوية بمراكش لحظة وصول الطائرة وعلى متنها الضباط المصريون .
* حسب بعض المتتبعين، صرحوا بأنك أنت من أمرك الجنرال أوفقير بإحضار الضباط المصريين؟
- لا، هذه المعلومة غير صحيحة، أوفقير كلف صديقا لي فارق الحياة حاليا، بهذه المهمة، وهو من تكلف بإحضارهم على متن طائرة.
* يقال إن الجنرال الدليمي هو من سلم الضباط المصريين لأوفقير؟
- هذه المعلومة لم أسمع بها من قبل، فكل ما أعرفه هو أن الجنرال أوفقير أعطى أمرا لصديقي الطيار يقضي بإحضار الضابط المصريين.
* كم كانت المدة التي عاشها أولئك الضباط رهن الاعتقال؟
لم يقضوا مدة طويلة، ربما لم تتجاوز المدة شهرا أو شهرين حسب علمي، لأن الصراع والمواجهات المسلحة لم تدم مدة طويلة أيضا.
يهود مغاربة يسخرون من حسني مبارك
في خضم الشعارات الكبرى التي رفعها الرئيس المنصري الراحل جمال عبد الناصر، والتي منها محاربة إسرائيل وتحرير فلسطين، قابل اليهود المغاربة من مناطق الجنوب، الضباط المصريين ومنهم حسني مبارك بشعارات استفزازية عقب وقوعهم في الأسر، حسب رواية الكرزازي العماري الذي كان له شرف أسرهم في جنوب المغرب، بعد أن حطت طائرتهم داخل التراب المغربي، وحسب شهادته، فإن المنطقة التي وقع فيهل الأسر كانت تضم مئات من اليهود المغاربة فتجمعوا من مظاهرات عند علمهم بالخبر، واستقبلوا مبارك وضباطه بهتافات معادية وبشعارات تسخر من شعاراتهم "القومية الكبيرة" إذ خاطبوهم قائلين: في إسرائيل ما قديتوشي عليهم وجايين تحاربو الحسن الثاني؟".
المصوريون لا يعلمون حقيقة أسر حسني مبارك بالمغرب
بعد أن قرر حسني مبارك فرض حصار على تنظيم حماس لمنع حزب الله من تزويده بالأسلحة، استند إبراهيم عيسى رئيس التحرير السابق لصحيفة "الأسبوع" المصرية في مقاله على رواية العسكري المغربي السابق "كرزازي العماري"، الذي أسر حسنتي مبارك وباقي الضباط المصريين خلال حرب الرمال سنة 1963، ليثبت أن مبارك تورط أيضا في تهريب الأسلحة لصالح الجزائر إبان حربها ضد المغرب، وقام بسرد تفاصيل الاعتقال-حسب ما جحاء على لسان العماري- منها أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبعد أن أرسل ضباطه إلى قاعدة العبادلة في الجزائر لمعرفة احتياجات العسكريين الجزائريين والخدمة التي يمكن أن تقدمها مصر للجزائر في حربها ضد المغرب، كلف أيضا وقتها الضابط الميداني أركان حرب حسني مبارك بتسجيل حاجيات الجزائر من السلاح باعتباره قائد سرب ، تزويد العسكريين المقاتلين بخطط جديدة . لكن ما يلاحظ من مقال الصحافي المصري هو أنه يبدو وكأنه يعلم بهذه الواقعة لأول مرة، الأمر الذي جعله يتابع في مقاله "إن هذه القصة تعلمنا ضمن ما تعلمنا أننا مازلنا لا نعرف الكثير عن حياة الرئيس مبارك وسيرة مشواره، وهل هذه الواقعة المخيفة لها شقيقات أخرى لم يفصح عنها (عنهن) أحد؟ وربما ننتظر..".
من جانب أخر، عمل إبراهيم عيسى من أجل تأكيد حقيقة الأسر، على الإشارة في مقاله إلى رسالة الصحفي المغربي خالد الجامعي إلى الرئيس حسني مبارك التي ذكرته بلحظات اعتقاله من طرف القوات المغربية، حيث اعتبرها الصحفي المصري رواية أخرى تؤكد الواقعة.
مبارك ورفاقه يذرفون الدمع في ضيافة الحسن الثاني
بعد أن تم أسر وإحالة الضباط المصريين، ومن بينهم الرئيس المصري حسني مبارك، على معتقل دار المقري الرمز السيء الذكر للتعذيب في زمن سنوات الرصاص، بعد أجواء حرب الرمال مع الجزائر عام 1963، أمر الملك المراحل الحسن الثاني بنقل المصريين إلى ضيافته الخاصة والاهتمام بهم وتلبية جميع طلباتهم، وهو ما تحقق الضباط الذين عاشوا حياة رغيدة على كافة المستويات، لكن عندما علموا أنهم سيغادرون الإقامة- تقول بعض المصادر- تناوبوا على البكاء. وإن كان البعض فسر الأمر على أنه كان حزنا على فراق حياة الملوك، فإن البعض الآخر اعتبر أن هؤلاء الضباط كانوا يتوهمون بأن تلكم الضيافة الخاصة ما هي إلا الأماني الأخيرة التي تحقق لهم قبل أن يجري إعدامهم، إلا أنهم حين هموا بركوب الطائرة التي كانت ستقلهم إلى بلدهم، أدركوا ساعتها بأن المغرب بلد مضياف فعلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.