مما لاشك فيه أن مدونة الأسرة، جاءت لتؤسس ثقافة شرعية متجددة، وقانونية عصرية تمثلت في تغير الأدوار بين الرجل والمرأة داخل الأسرة، بعدما كنا نجد في السابق بأن المسؤولية المادية والمعنوية للأسرة كان يتحملها الرجل بمفرده، حيث أن المرأة شاركته هذه المسؤولية، وباشرت سوق الشغل والعمل، وساهمت بدخلها في تحسين الأوضاع المادية للبيت، ما دفع المشرع إلى التدخل لإقرار هذا النظام، اعترافا منه بالجهود والمساهمة التي تبذلها المرأة في تكوين الثروة الأسرية، ولذلك جاءت المادة 49 من المدونة لتزيح هذا الستار، وتنبذ هذا الغموض، وترد الاعتبار للزوجين وبالخصوص الزوجة بالمقتضيات التالية : "لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها . وعليه، فالمرأة تتمتع بذمة مالية مستقلة، ويمكن لها استثمار أموالها لحسابها الخاص بكل حرية واختيار، عن طريق التجارة أو الصناعة أو الفلاحة، وكل أنواع المعاملات المالية المشروعة، ويمكنها ادخار أموالها في اسمها الخاص، والتصرف فيها كيف شاءت بالبيع والشراء والإيجار، والهبة والصدقة وغيرها، دون أن يكون للزوج حق التدخل في منعها أو تقييد حريتها بأي شكل من الأشكال، ويتمتع الزوج بالمقابل بالحق نفسه وليس لها أن تتدخل لمنعه أو تقييد حريته سواء بسواء واستثناء من القاعدة العامة المتمثلة في مبدأ فصل الذمة المالية، نجد المشرع أقر وأضاف قاعدة أخرى اختيارية، نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 49 تجيز للزوجين الاتفاق على تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية.. ورغم ما نصت عليه مدونة الأسرة محاولة منها إنهاء الخلاف الذي كان قائما في ظل مدونة الأحوال الشخصية واعترافها بالمرأة ومساهمتها المالية في الأسرة، فمازال الراتب محط صراع وخلافات أسرية قائمة قد تعصف في أحيان كثيرة بالأسرة برمتها، حيث لا تتقبل الكثير من النساء العاملات أن يتصرف أزواجهن في راتبهن، كما يرفض الأزواج في المقابل أن يسمحوا لزوجاتهم بالخروج إلى العمل طوال اليوم دون الاستفادة من الراتب الشهري الذي تتقاضاه. ويعتقد الزوج أنه حق من حقوقه مقابل "تنازله" عن حقوقه الزوجية بسبب غياب الزوجة عن البيت وإهمال بعض واجباتها المنزلية. ويشكل الخلاف على راتب الزوجة أكبر المشاكل طرحا بالنسبة للمرأة العاملة بوصفه ما يزال سببا جوهريا في الخلافات الأسرية. فتذكر عدة سيدات تواجهن قضايا طلاق أو قضايا المطالبة بالرجوع إلى بيت الزوجية بأن الزوج يستولي على راتبها أو يجبرها على منحه جزء من الراتب الشهرين، بل إن الأمر وصل بين العديد من الأزواج إلى ارتكاب جنح الضرب والجرح العمدي، الذي مارسه بعض الأزواج ضد الزوجة العاملة التي ترفض منحهم الراتب أو مخلفاتها المالية الكبيرة. ومن بين الشهادات التي جمعناها من سيدات واجهن مشاكل الراتب، سيدة تعمل معلمة تمنح شهريا مبلغا ماليا لزوجها كمساعدة في مصاريف البيت وتمنحه دفتر الشيكات ليسحب ما يريد من مال، إلى غاية أن اختفى لمدة شهر بعد أن سحب كل رصيدها، واكتشفت أنه متزوج بأخرى، شابة ويعيش معها تحت سقف واحد. قصص كثيرة تجعل ردود الأفعال والأقوال متباينة بين مؤيد لأن يحظى الزوج بقسط من راتب الزوجة من باب التعاون على نفقات الأسرة ونبذ المجتمع كل زوجة عاملة لا تساعد زوجها على متطلبات الحياة الاقتصادية كالإيجار ومصاريف تدريس الأطفال ونفقات الأسرة الكبيرة خاصة إذا كان الزوج غير قادر على توفيرها من راتبه الشهري، وهناك من يعارض "تطاول" الزوج على راتب زوجته لأن الشريعة الإسلامية تفرض نفقة الزوجة على الزوج. رأي الدين يتم استدعاء الشرع واتخاذ الشروط الصحيحة لدراسة المسألة بعمق حتى لا يصبح الأمر مجرد محاولة لإرهاب الطرف الآخر، خاصة مع انزلاق البعض وراء الفتاوى في هذا الجدل، متصورين أن الأمر ببساطة بإنزال بعض الفتاوى أو الآراء يتم حسم المسألة، ويسود ذلك التناول في حين أننا بصدد أوضاع جديدة تماما ليس في العلاقة بين الرجل والمرأة فقط، ولكن في المنظومة الاجتماعية في حد ذاتها، والتي أصبح خروج المرأة للعمل في معظم مجتمعاتنا حقيقة واقعة يتعامل معها المجتمع كجزء من الحياة الزوجية، بحيث يبني الكثيرون حياتهم من حيث المبدأ على وجود هذه "الزوجة"الزوجة العاملة ومساهمتها في مصاريف الأسرة كعنصر فاعل وأساسي في الحياة الزوجية. وبالتالي فالأمر خرج من بساطة الذمة المالية المستقلة للزوجة أو إذن الزوج لها وتنازله عن حقوقه إلى وضع شديد التركيب والتفاعل، ليبقى التوافق بين كلا الزوجين ومراعاتهما لمصحلة الأسرة هو الحل.