عاد محمد الوفا، وزير الحكامة في نسخة بنكيران الثانية، ليصنع الحدث، أو لنقل الفرجة السياسية التي افتقدناها في رئيس الحكومة، وذلك حينما نزل ضيفا، الأسبوع الماضي، على طلبة أحد معاهد الصحافة والإعلام بالدار البيضاء، حيث تحدث عن الملك، وعن عبد الرحمان اليوسفي وادريس جطو، كما تحدث عن بنكيران وشباط، وعن التعليم والحكامة وصندوق المقاصة.. دون أن يتخلى عن قفشاته المراكشية التي جعلت منه، بالقوة والفعل، الوزير الأكثر إثارة للجدل. يرفض محمد الوفا، وزير التربية الوطنية السابق ووزير الحكامة الحالي، أن ينتهي سياسيا، أو إعلاميا على الأقل؛ لذلك ظل يبحث، بمناسبة وبدونها، عن أن يكون له حضور في مشهدنا بقطع النظر عن طبيعة هذا الحضور. وعلى الرغم من أن الرجل نجا بأعجوبة من السقوط من غربال الحكومة، وانتقل من التعليم إلى الحكامة في النسخة الثانية لفريق بنكيران، فإنه لم ينس قفشاته وحركاته البهلوانية التي جعلت منه أشهر وزير في الحكومتين. ومن «أوباما باباه» و»المدير وصحابتو» إلى «الملاوي وخبز الشعير»، نجح هذا المراكشي في شد أنظار المغاربة الذين كانوا ينتظرون منه إصلاحا لحال المدرسة المغربية، قبل أن يكتشفوا أنه كان آخر من يعلم في قطاع اجتماعي حساس له علاقة بالتربية والتكوين؛ واليوم، يتمنون أن يترك خلفه كل هذه الحكايات والبهلوانيات، ليتفرغ لقضايا الشؤون العامة التي كلف بها، خصوصا وأن حكومة بنكيران تسير باتجاه رفع الدعم عن عدد من المواد الأساسية التي ظلت تستفيد، لسنوات وعقود، من صندوق المقاصة؛ وهو ما يجعل دور الوفا، اليوم، أهم في تتبع السوق ومواجهة الاحتكار المحتمل وحماية الضعفاء بعد أن يدخل تحرير هذه السوق حيز التنفيذ ابتداء من سنة 2015. يُحسب لعبد الإله بنكيران أنه أول رئيس حكومة استطاع أن يصنع الفرجة وهو في التلفزيون.. فقد ظل الرجل يحقق نسبة مشاهدة عالية، إذا ما قورن بالوزراء الأولين الذين تعاقبوا على تدبير الشأن العام. وبقدرما عرف عن سلفه عباس الفاسي التواري عن كاميرات التلفزيون، أضحى بنكيران وجها مألوفا لدى جمهور الشاشة، إلى درجة لا يتردد معها كثيرون في وصف اللحظات التي يحضر فيها رئيس الحكومة إلى التلفزيون، أو إلى مجلس النواب أو مجلس المستشارين، بكونها لحظات فرجة يمكن أن نسميها ب»بنكيران شو».. وبدا المغاربة أمام شخصية استثنائية يكتشفونها لأول مرة. اليوم، قد يسحب محمد الوفا، الوزير الأكثر إثارة للجدل، بساط الفرجة من تحت قدمي رئيسه، ليس لأنه استطاع أن ينجز شيئا في النسخة الأولى أو في النسخة الثانية لحكومة بنكيران، ولكن لأنه عرف كيف يصنع الحدث في كل مناسبة، إلى درجة أن أخباره وصوره ملأت، وتملأ، صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.. وفي الوقت الذي رأى فيه كثيرون أن مقامه في الحكومة كان مهزورا، اختار أن يضحي بانتمائه الحزبي من أجل الحقيبة الوزارية، وهو الذي كانت له علاقة خاصة بالاستوزار منذ كان يمني النفس بذلك في حكومة أول تناوب أجهض في 1996، والذي كان مقررا أن يقوده الاستقلالي امحمد بوستة، ثم في حكومة التناوب الذي قادها عبد الرحمان اليوسفي في 1998، بعد أن رفض الملك الراحل الحسن الثاني استوزاره، حينما شطب على اسمه بقلمه الأحمر، إلى جانب بعض الأسماء التي اقترحها وزيره الأول اليوسفي، لينتظر دوره في حكومة بنكيران. بقي فقط أن نتساءل: من يمثل محمد الوفا في حكومة بنكيران التي قيل إنها حكومة سياسية حملتها رياح الربيع العربي وصناديق اقتراع ما بعد دستور 2011؟ هل لازال يمثل حزب الاستقلال، رغم أن حزب علال الفاسي غادر سفينة بنكيران، وصفق خلفه بابها، أم إنه لا يمثل إلا نفسه؟ ولمن يجب أن يقدم غدا الحساب، وهو الذي لا يتردد في الحديث وبإسهاب عن المسؤولية السياسية التي يجب أن يتحملها الوزير ويتحمل تبعاتها؟ مهما يكن، فالأكيد هو أن الوفا ليس وزير سيادة، ومع ذلك فقد نجح في اختبار البقاء في النسخة الثانية لحكومة «البيجيدي». «برافو» لهذا المراكشي الذي يستحق أن يكون الوزير الأكثر إثارة للجدل، أينما حل وارتحل.