عبد الصمد بلكبير هذا التمييز أو الفصل، يطلق بقصد التغليط والتشويش غالبا، لا بقصد التوضيح، هذا مع أنه صحيح. فاليهودية دين، وهو لذلك نشأ قبل ظهور الإيديولوجيا وبالتالي السياسة. في حين أن الصهيونية إيديولوجية سياسية. الصهيونية في الأصل اختراع واقتراح مسيحي (نابليون) عنصري، وذلك خاصة بقصد التخلص من اليهود (التجار والمرابين...) المنافسين بطرق غير مشروعة للتجار المسيحيين في أوربا، وتوظيفهم لخدمة أهداف الاستعمار، خاصة لمواجهة العرب سياسيا، وأيضا تجميعهم في محرقة (ملاح عولمي) لتسهيل إفنائهم حسب الرؤيا أو الوعد التوارتي (الإنجيليين). ثم تبنتها، مرغمة أو مختارة، النخبة اليهودية (تجار وأحبار..) كصيغة لحل خلافها مع نخب أوطانها الأصلية وذلك في سياق استراتيجية الاستعمار، بحيث تكون لها هي أيضا دولة ومستعمرة استيطانية... ونلاحظ الآن كيف أن بعض الإسلام و"المسلمين" أضحى يتبنى الطرح الصهيوني كحل للمسألة اليهودية، بل ويتحالف معه ويشتغل ضمن استراتيجيته. لا دين للصهيونية، كما أنه لا دين للإرهاب.. فهي تستعمل جميع الأديان وجميع الإيديولوجيات، حسب الحاجة وحسب الضرورة. إذ الصهيونية، باعتبارها صيغة حداثية لمصالحة الدين اليهودي بالسياسة (= الدولة) وهو الذي يعاديها عقديا، كانت بعض منتوج إصلاحه (الدين) من قبلها (= الصهيونية) تماما كما وقع للمسيحية قبل ذلك (البروتيستانية) ما أنتج مسيحية أقل عنفا واستبدادية وظلامية... الكتب الدينية الخمسة لدى اليهود، خليط وتركيم لأقوال الله بأقوال مفسريه، فضلا عن التراث القبلي والوثني البدائي العريق، ولذلك جاء السيد المسيح ثم الإسلام "إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى" ولم يذكر السيد المسيح، لأنه كان محض مصلح لليهودية ولم يفلح، في حين يعتبر الإسلام مصححا. لم تفلح الصهيونية في تقليم أظافر اليهودية المحرفة: العنصرية الاستعلائية العنيفة وغير الرحيمة، ولذلك نلاحظ كيف أن "إسرائيل" ويوميا ترتد عن الصهيونية وعن رموزها المؤسسة (بن غوريون-إسحق رابين... وحتى أولمرت) نحو اليهودية المحرفة، وتشتغل يوميا في تعميم قيمها الهمجية على غيرها من الأديان، وفي المقدمة منها اليوم الإسلام بعد أن أفلحت في المسيحية (الإنجيلية خاصة). وكل ذلك في تساوق وتكامل وانسجام وتوظيف... من قبل الرأسمالية العولمية. والتي تتقاطع معها، بل وتتطابق، في نهجها المتوحش والهمجي.. [لا تعتبر اليهودية "الآخرين" بشرا ولذلك ترفض الاختلاط بهم (= الأغيار) زواجا وسكنا وأكلا، وتجيز لذلك غشهم وسرقتهم والكذب عليهم والغدر بهم وخيانتهم... وتعتبر الجنة جزاء من تمكن من قتل أي واحد منهم كيفما كان، وهي أيضا ضد النظام وضد إدارة الدولة ومع الفوضى العارمة أبدا.. ففي شروطها يُراكم تجارها الأرباح، وتقلل أفواه "الأغيار" وتقرب نهاية العالم بنزول المسيح؟!]. الخلاصة: الإعلام المضلل والمغرض يوحي بأن الصهيونية أكثر خطرا وأسوأ عواقب من اليهودية، والحال أن العكس هو الأصح. الصهيونية محاولة تحديث وتهذيب لليهودية المحرفة غير أنها فشلت، كما فشلت "الاجتهادات" الإصلاحية قبلها.