علامات استفهام كبيرة بدأت تطرح حول المستفيد من تحرير قطاع الكهرباء في المغرب، هل هي الدولة؟ أم المواطن؟ أم الشركات الخاصة التي بدأت تسيطر على القطاع تدريجيا، وسط تراجع مرتقب لدور المكتب الوطني للكهرباء، الذي يواجه منذ فترة أزمة مالية حادة؟ أسئلة نجيب عنها في هذا الملف، الذي يرصد الأحداث المتسارعة التي شهدها قطاع الكهرباء في الآونة الأخيرة. أحداث متسارعة عاشها قطاع الكهرباء في الآونة الأخيرة، عقود طويلة الأمد لبيع الكهرباء للمكتب الوطني للماء تم توقيعها مع شركات خاصة، وبرنامج تعاقدي بين المكتب الوطني والدولة، ومشروع قانون حكومي للترخيص للمستهلكين الكبار من شركات خاصة وعمومية بإنتاج الكهرباء بوسائلهم الخاصة، ثم مطالب من الوكالة الدولية للطاقة بتسريع إحداث هيئة وطنية لتقنين القطاع. الخيط الناظم بين جميع هذه الأحداث يؤكد أن الحكومة تتجه نحو مزيد من تحرير القطاع، والسماح لفاعلين جدد للعب دور مهم في إنتاج وتوزيع الكهرباء إلى جانب المكتب الوطني، الذي ظل يحتكر هذه المهمة لسنوات، وتمكين هذا الأخير من التقاط أنفاسه، خاصة في ظل الأزمة المالية الخانقة التي كان يتخبط فيها قبل توقيع العقد البرنامج. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو من سيكون المستفيد الأكبر من هذه العملية، هل هي الدولة، أم المواطن، أم الشركات الخاصة الفاعلة في القطاع، والتي تأتي على رأسها شركة «ناريفا» التابعة للهولدينغ الملكي؟ هيئة وطنية لتقنين قطاع الكهرباء نهاية الأسبوع الماضي، قدمت الوكالة الدولية للطاقة تقريرا حول قطاع الطاقة بالمغرب، هو الأول من نوعه بإفريقيا، ومن بين أهم النقط التي ركز عليها التقرير ضرورة خلق هيئة لتنظيم وتقنين القطاع، ما يعيد إلى الأذهان خطة الحكومة الرامية إلى إنشاء هيئة وطنية للكهرباء، حيث كانت وزارة الطاقة والمعادن تعاقدت مع مكتب استشاري سيكلف بوضع أسس تنظيم قطاع الكهرباء، وإقرار الإطار القانوني والتنظيمي الملائم، من أجل إنشاء هيئة خاصة بتنظيم القطاع وتقنين المنافسة فيه. وحسب الخطة الحكومية كان من المفروض أن تتكلف الهيئة الجديدة، في مرحلة أولية، بالجوانب المتعلقة بالإنتاج والنقل، دون تقنين التوزيع، إذ ستنحصر مهامها في ضبط العلاقة بين مختلف الفاعلين ومتابعة الاستثمارات وتقييم النفقات والتكاليف، وأثمنة بيع الكهرباء، وتأمين الحق في الوصول إلى الشبكة الوطنية بالنسبة إلى المنتجين الخواص، وفق شروط وضوابط معينة يتم تحديدها. وكان من المنتظر، كذلك، أن يتجاوز التقنين الجوانب المتعلقة بالإنتاج والنقل إلى تلك المتعلقة بالتوزيع في مرحلة مقبلة، مما سينعكس على أثمنة بيع الكهرباء، خصوصا عند دخول المنتجين الخواص على خط التسويق المباشر للطاقة المنتجة، سواء إلى المؤسسات الاستهلاكية الكبرى أو حتى المنازل في مرحلة متقدمة، وفي إطار الحفاظ على المنافسة التي يعتبر ضبط الأثمنة أحد أهم أوجهها. ويأتي التوجه نحو إنشاء هذه الهيئة التقنينية في إطار تنظيم قطاع الكهرباء الذي شهد تحولات كثيرة في السنوات الأخيرة، مع دخول فاعلين جدد في الإنتاج والتوزيع، وتبني القانون حول الطاقات البديلة سنة 2010، والذي يتيح للقطاع الخاص الاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة وأيضا تصديرها، إذ لم يعد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الفاعل الوحيد في القطاع، كما يضع ضوابط للمراقبة الإدارية للتجهيزات والرخص ويضمن الوصول إلى شبكة التوزيع، مما يحتم وضع هيئة واحدة تقنن العلاقة بين مختلف الفاعلين، وتحرص على ضمان المنافسة القانونية بين الفاعلين العموميين والخواص. ومن المرتقب أن تشرف الهيئة، في حالة إحداثها، على تنظيم سوق يضم أزيد من 200 فاعل عمومي وخاص وبقيمة إضافية تتعدى 7 ملايير درهم سنويا، سيخضع إلى تنظيم موحد بدل الوصاية المتعددة التي يخضع لها حاليا من طرف عدة هيئات، منها الوزارة الوصية ووزارة الاقتصاد والمالية ووزارة الداخلية، وهو المطلب الذي لطالما شدد عليه الفاعلون في القطاع. شركات كبرى تبيع الكهرباء للدولة قبل شهور قليلة من الآن، وقع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مع شركة «آسفي للطاقة» المملوكة لمجموعة «دي جي في سويز» الفرنسية، و «ناريفا هولدينغ » المغربية، و «ميتسوي أند كو» اليابانية، على عقد ضخم سيتم بموجبه تزويد مشروع محطة الفحم النظيف بآسفي بالطاقة الكهربائية على مدى ثلاثين عاما، وكذا بيع الطاقة الكهربائية للمكتب الوطني للكهرباء. وقال مسؤول بشركة «ناريفا» ل«المساء» إن هذا المشروع يعتبر من بين أهم مشاريع الطاقة في المغرب، خاصة أنه يتضمن بناء واستغلال محطة تشتغل بالفحم النظيف تصل طاقتها الاستيعابية إلى ضعف 693 ميغاوات بمنطقة آسفي، وأيضا بيع الطاقة الكهربائية التي تولدها هذه المحطة للمكتب الوطني للكهرباء، والماء الصالح للشرب، وذلك على مدى ثلاثين عاما بدءا من انطلاق العمل بالمحطة. وأثار هذا العقد الضخم تساؤلات كثيرة أمام مجموعة من المحللين حول نية الدولة فتح المجال لشركات كبرى من أجل إنتاج الكهرباء وبيعه للمكتب الوطني للكهرباء، خاصة أن المستفيد الأكبر من هذه العملية هي شركة «ناريفا» التابعة للهولدينغ الملكي. وذهب بعض المحللين إلى توجيه اتهامات إلى جهات نافذة تسعى لوضع قوانين وتهيئ ظروف على المقاس لشركة «ناريفا» حتى تكون أكبر مستفيد من عملية تحرير قطاع الكهرباء في المغرب. غير أن الشركة، بالمقابل، ترى عكس ذلك، فقد أكد أحمد ناقوش، المدير العام ل«ناريفا»، في حوار سابق مع «المساء» أن هناك هاجسا آخر يحرك شركة «ناريفا» غير الربح، يتمثل في ضمان حضور الرأسمال المغربي في القطاع، وتطوير الخبرات المغربية، وإنشاء مجموعة متناسقة ومتوازنة من المشاريع لتصبح فاعلا على الصعيد الوطني والجهوي في مجالي الطاقة والبيئة. وأكد ناقوش أن الشركة الوطنية للاستثمار، المالكة ل»ناريفا»، لا تهدف إلى الاستثمار في القطاعات قليلة المخاطر، بل تستثمر في القطاعات المهيكلة والإستراتيجية للاقتصاد الوطني. والدليل على ذلك استثمار «ناريفا هولدينغ» في قطاع الطاقة الريحية، الذي لم يكن موجودا في المغرب من قبل، والذي يحتوي على عدة مخاطر: المخاطرة الأولى تتعلق بكلفة إنشاء المحطات، حيث إن أي خطأ في تقدير قيمة بناء المحطات تدفع الشركة ثمنه غاليا. والمخاطرة الثانية تتعلق بمدة إنجاز المشروع، فأي تأخر يكلف ميزانية الشركة مبالغ مهمة، حيث يضيّع عليها شهورا من الإنتاج، ويزيد من كلفة القروض البنكية. أما المخاطرة الثالثة فتتجلى في المعطيات التقنية المتعلقة بالإنتاج وتكاليف الصيانة والتشغيل. بالإضافة إلى المخاطر المرتبطة بالتعاقد على المدى الطويل مع الزبناء. الحكومة تشجع الإنتاج الذاتي للكهرباء تمهيدا لدخول فاعلين جديد في مجال نقل وتوزيع الكهرباء بالمغرب، ومن أجل مواكبة الطلب المتزايد على هذه المادة الحيوية، قررت الحكومة تشجيع الإنتاج الذاتي للكهرباء، حيث أعد عبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، مشروع قانون للترخيص للمستهلكين الكبار من شركات خاصة وعمومية بإنتاج الكهرباء بوسائلهم الخاصة. ويقترح المشروع، كما أوردت «المساء» سابقا، إعطاء الإمكانية لكبار المنتجين الذاتيين الوطنيين للكهرباء، الذين يحتاجون إلى قدرة منشأة إجمالية تتجاوز 300ميغاواط، للولوج إلى شبكة نقل الكهرباء، وذلك لنقل طاقتهم المنتجة من موقع الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك. وسيمكن النص الجديد الإدارة من الترخيص لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو الخاص، بناء على طلب منهم، بإنتاج الطاقة الكهربائية، اعتمادا على وسائلهم الخاصة، مع حق ولوج الشبكة الكهربائية الوطنية. واشترط المشروع أن تتجاوز قدرة الإنتاج 300 ميغاواط، وأن يخصص الإنتاج للاستعمال الحصري للمنتج، وأن لا يحدث الإنتاج اضطرابا في مخططات تزويد الشبكة الكهربائية الوطنية بالطاقة الكهربائية، ويباع حصريا فائض الإنتاج، الذي لم يستعمله المنتج لتغطية حاجياته إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. واعتبرت مذكرة المشروع أن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب مدعو إلى مواجهة النمو المضطرد في الطلب على الكهرباء من أجل مواكبة التنمية السوسيو - اقتصادية لبلادنا، ولذلك، ونظرا للطبيعة الرأسمالية للاستثمارات اللازمة لتطوير قدرة إنتاج الكهرباء، فمن الملائم إشراك صناعيي القطاع العام أو الخاص في هذه المجهودات الاستثمارية من خلال وضع إطار تشريعي يمكنهم من تطوير قدراتهم الإنتاجية. واعتبر أن الإطار التشريعي والتنظيمي المعتمد حاليا لتقنين قطاع الكهرباء، لا يسمح لكبار مستهلكي الكهرباء بتدبير تكاليف الطاقة المغيرة بهدف الإنتاج الخاص للتخفيف من شدة الحمل على الشبكة الكهربائية الوطنية، والانخراط في التحرير التدريجي لقطاع الكهرباء من خلال تطوير الإنتاج أولا، وفتح شبكة النقل أمام كبار المستهلكين. وستغير بموجب مشروع القانون المادة الخامسة من القانون المتعلق بالمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وذلك لتأهيل مجلس إدارة المكتب للموافقة على الاتفاقية التي ستبرم في هذا الإطار بين المنتجين الذاتيين والمؤسسة. كل هذه المتغيرات التي يعرفها قطاع الكهرباء في المغرب تؤكد أن بلادنا مقبلة على سيطرة جيل جديد من الشركات على قطاع حيوي ظل إلى الآن حكرا على المكتب الوطني للكهرباء، غير أن ما يخشاه المحللون هو أن تتحول هذه السيطرة إلى تمدد لنفوذ مجموعات كبرى، كما حدث في قطاعات اقتصادية مهمة منذ سنوات. ارتفاع في إنتاج الطاقة بنسبة 4.8 في المائة خلال 7 أشهر ذكرت مديرية الدراسات والتوقعات المالية، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، أن إنتاج الطاقة الكهربائية ارتفع بنسبة 4.8 في المائة خلال السبعة أشهر الأولى من سنة 2014، على أساس سنوي. وأوضحت المديرية، في مذكرة ظرفية لشهر شتنبر الماضي، أن هذا التحول يعزى إلى نمو الإنتاج الخاص بنسبة 30.4 في المائة، مقابل تراجع بنسبة 19.9 في المائة في الإنتاج الإجمالي الصافي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، مصحوبا بانخفاض نسبته 40.9 في المائة من إنتاج الكهرباء المائي بنسبة 12.9 في المائة بالنسبة لتلك من أصل حراري. وبخصوص مبادلات المملكة مع إسبانيا والجزائر، فإن حجم رصيدها ازداد بنسبة 10.3 في المائة حتى متم يوليوز 2014، مقارنة مع ارتفاع بنسبة 9.9 في المائة في حجم الواردات، مقابل انكماش نسبته 4.5 في المائة على مستوى الصادرات. وأوضح المصدر ذاته أن بالنسبة للطلب بهذا القطاع، فقد انخفض حجم مبيعات الطاقة الكهربائية بنسبة 3.9 في المائة حتى متم يوليوز 2014، بعد انخفاض طفيف نسبته 0.7 في المائة في السنة الفارطة. ويرجع هذا التطور الإيجابي إلى ارتفاع مبيعات الطاقة الكهربائية ذات التوتر العالي جدا ثم العالي والمتوسط بنسبة 3.7 في المائة، موجه للموزعين وبنسبة 1.6 في المائة مخصصة لمشتركين آخرين. وبخصوص مبيعات الطاقة الكهربائية ذات التوتر المنخفض الموجه، بالأساس، إلى الأسر، ذكرت المديرية أنها تحسنت بنسبة 8 في المائة بعد ارتفاع بنسبة 4.9 في المائة حتى متم يوليوز 2013. على مستوى آخر، استقرت قيمة الواردات المغربية من الطاقة الكهربائية في حدود 1.21 مليار درهم في النصف الأول من السنة الحالية، مقابل 1.18 مليار درهم في نفس الفترة من العام الماضي. وتأتي هذه الزيادة في واردات المغرب من الطاقة الكهربائية، عقب تسجيل ضعف في التساقطات المطرية وتأثير ذلك على مستوى حقينة السدود التي تشكل أحد المصادر التقليدية لإنتاج الكهرباء في المغرب.