بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    العسكريات يضيعن لقب أبطال إفريقيا بعد الخسارة من مازيمبي 1-0    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الإمارات: المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع الجزائر ويتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أراضي الجموع.. حروب قبلية تحسمها السكاكين والبنادق
قبائل تحن إلى عهد «السيبة» ولا تخضع سوى ل«قانون» الأعراف والتقاليد
نشر في المساء يوم 02 - 11 - 2014

«لا قانون يعلو على الأعراف والقبلية، ولا حوار إلا باستعمال الحجر والسلاح والاستعانة بقاموس طويل من السب والشتم»، هي نعرات قبلية دفينة تعود إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، ذلك هو واقع عدد من القبائل بالمغرب التي يشتد بينها الصراع حول «الأرض والماء»، لتدخل في غمار «حروب» تعود إلى الماضي الغابر، ويصبح الوضع أقرب إلى ما كان يحدث في مغرب القرن التاسع عشر، الذي استفحلت فيه «السيبة» وأصبحت القبائل لا تخضع للدولة وتقيم أنظمتها الخاصة بها.
ما أضحى يحدث في عدد من المناطق بالمغرب، خصوصا الجبلية منها ينذر بوقوع «حروب قبلية» كتلك التي حكى عنها المستشرق الفرنسي «جاك بيرك» في كتابه «المغاربة خلال فترة ما بين الحربين»، والذي تحدث فيه عن الصراعات والخلافات التي كانت تدور بين قبائل الأطلس المتوسط من أجل السيطرة على المراعي.
إذا كان ظاهر الخلاف هو مراعي الماشية وأحيانا الماء، فإن أصل المشكل هو الأراضي الجماعية المتنازع بشأنها، إذ أن هذا النوع من المشاكل ينتشر في أغلب الأحيان بين سكان الحدود ما بين القبائل والجماعات والأقاليم، فتدخل بذلك السلطات المحلية في مسلسل من أجل طي هذه الملفات حتى لا يتطور الأمر إلى أحداث دموية تؤدي في بعض الأحيان إلى إزهاق الأرواح، فيختلط القانون بالأعراف، خصوصا أن مسرح الأحداث يكون في مناطق معظمها جبلية بعض سكانها لا يلقون للقانون بالا، لأنهم مازالوا يخضعون للأعراف والتقاليد التي ورثوها عن أجدادهم.
هذه الأراضي التي تقدر مساحتها الإجمالية ب15 مليون هكتار، وفق إحصائيات رسمية، تكون الأراضي الرعوية، بنسبة تفوق 85% تشغل بصفة جماعية من طرف ذوي الحقوق وتوظف أهم المساحات المتبقية في النشاط الفلاحي . ويتم توزيع حق الانتفاع من الأراضي الجماعية الفلاحية بين ذوي الحقوق من طرف جمعية المندوبين أو النواب طبقا للأعراف والعادات وتعليمات الوصاية.
قصص تذكرنا بحرب البسوس، هي حكايات متشابهة وتختلف باختلاف أسماء القبائل وموقعها الجغرافي، فقاسمها المشترك هو اللجوء للعنف كوسيلة في أي نزاع حول الأرض والماء.
«السيبة» في كيكو.. اقتتال قبيلتين حول غابة تابعة للدولة
صراعات قبلية تضطر السلطات إلى التدخل لكنها تصطدم بتعنت الطرفين
«14 جريحا ونقل مصابين إلى المستشفى الجهوي بمدينة فاس وشواهد طبية تتراوح مدة العجز فيها ما بين 20 و60 يوما، وحجز بعض الأسلحة النارية من طرف الدرك الملكي»، كانت تلك حصيلة اقتتال بين قبيلتين بجماعة «كيكو» بإقليم ميسور منتصف شهر غشت الماضي.
كل طرف يعتبر نفسه ضحية للطرف الآخر، لكن التشدد تشعر به من خلال مجالسة بعضهم.
صراع حول «الغابة»
أصل الحكاية هو أن قبيلة «آيت الثلث»، وهم من ذوي الحقوق، لم يسمحوا لسكان قبيلة آيت احساين بالرعي في «منطقة بوفاست» كما جرت العادة منذ عقود، والذين يمتلكون بعض الأراضي بناء على عقود بيع أبرمت بينهم وبين بعض سكان قبيلة «آيت الثلث».
بلكنته الأمازيغية وعربية متعثرة يحكي عقى مالو، الذي يستغل 12 هكتارا منذ سنة 1984، عن تعرضه للضرب على مستوى الرأس من قبل أفراد من قبيلة «آيت الثلث»، حيث يعيد رواية تفاصيل ما حدث قائلا «سمعت صراخا وأردت معرفة ما يقع فإذا بعناصر من قبيلة «آيت الثلث» قامت بعملية الهجوم علينا فسقطت مغميا علي، فتم حملي إلى المستشفى الجهوي بفاس، وهناك شهادة طبية تثبت مدة العجز في 20 يوما وأخرى 25 يوما.
محمد تيداخ يقطن بالمنطقة منذ أزيد من ثلاثين سنة، يعتبر أن افتعال الصراع هو من أجل سرقة الماشية وليس النزاع حول الأرض، يقول إنه يستغل حوالي 16 هكتارا منذ سنين، وهو الأمر ذاته بالنسبة لمحمد أقبلي الذي يستغل ما يزيد عن 11 هكتارا قال إن افرادا من قبيلة «آيت الثلث» اعترضوا طريقي وطلبوا مني الرحيل.
امحمد أكلمام، من قبيلة آيت احساين، يسرد ل«المساء» تفاصيل الضرر الذي لحقه قائلا «إن قبيلة» آيت الثلث «كيكو اتفقوا واتحدوا معهم لمنعي من رعي الماشية بالغابة المخزنية و«توريدها» من ساقية «المو افيلان» الواقعة بكيكو بولمان».
اكلمام يسكن بالمنطقة منذ ما يزيد عن 30 سنة، وله توصيل كانت تسلمه له السلطات من أجل السماح له بالرعي بالغابة المجاورة، يقول «خلال شهر يونيو الماضي، استولى حوالي 25 فردا من قبيلة «آيت الثلث» على ماشيتي وأخذوها إلى دوار آيت يخلف، غير أن وجود بعض مسؤولي السلطات المحلية حال دون ضياعها، حيث تم استرجاع 134 رأس غنم من أصل 202».
وفي شكاية وجهها أكلمام فإنه يتهم قائد قيادة كيكو بأنه طلب منه الرحيل إلى مكان آخر، غير أنه رفض لأنه لا مكان لديه سوى الأرض التي اقتناها من قبيلة «آيت الثلث».
حاول أكلمام أن يوصل شعوره بالقهر والظلم نتيجة المعاملة التي أصبح يلقاها من قبيلة آيت حساين، وهو ما لخصه ابن قبيلته «لحسن مسكور متسائلا «كيف يمكن أن نمنع من استغلال ملكنا وعدم الاقتراب من الغابة التي هي ملك عمومي؟ لقد أصبحنا نعامل على أننا «أجانب» و«برانيين» يجب أن نرحل عن المنطقة».
احمد أكلمام يلقي بدوره اللوم على قائد الدائرة الذي قال إنه طلب مني الرحيل تفاديا لتطور الأحداث وحتى لا تتم سرقة ماشيتي، فقاطعه مسكور قائلا «على السلطة أن تتحمل مسؤوليتها وتحمينا لأنه لا يمكن للمواطن أن يغلب السلطة».
يعتبر سكان قبيلة «آيت حساين» أن لهم الحق كالباقي، يتوفرون على عقود موثقة عند العدول تم بموجبها شراء هكتارات فلاحية من قبيلة» آيت الثلث» منذ سنين عديدة.
دخلاء ونزلاء
تصريحات بعض السكان من قبيلة «آيت حساين» تتهم بعض أفراد قبيلة «آيت الثلث» بالرغبة في تهجيرهم من المنطقة، وهو ما ينفيه هؤلاء، إذ يقول محمد بولامة، «لهم الحق في استغلال الأراضي التي في ملكيتهم ولكن ليس لهم الحق أبدا في الاقتراب من أرضنا أو من الغابة لأنهم ليسوا من ذوي الحقوق، فهم من أولاد اعلي بأوطاط الحاج، فليذهبوا حيث أراضيهم».
بولامة من الذين أصيبوا خلال الأحداث وحصل على شهادة العجز حددت في 35 يوما يتهم قبيلة «آيت حساين» بالترامي على الأرض وبزرع الرعب داخل المنطقة، إذ يحكي وهو يستعيد شريط ما حصل قائلا « لقد زرعوا الرعب داخل الغابة، لقد كان عددهم حوالي 25 فردا منهم ملثمين عرفنا فقط ثمانية، ولقد عثر الدرك الملكي بالقرب منهم على سلاح ناري من صنع تقليدي»حدادية» و«رباعية».
بولامة، الذي يتميز على باقي أفراد قبيلته بلهجته الشديدة وبوشم على يده، يلقي باللوم على السلطات، متهما إياه بكونها طرفا في الأزمة، لأنها لا تتدخل، ومؤكدا أنه لن يسمح لأي فرد من قبيلة «آيت احساين» بالاقتراب من الغابة وإلا سيكون رد فعلهم أشد وأعنف من الذي حصل خلال شهر غشت الماضي.
إذا كان جميع الذين تحدثوا ل«المساء» من قبلية «آيت الثلث» قد تحفظوا على نعت خصومهم بأي نعت، فإن سعيد الحيمر لم يتردد في وصف أفراد قبيلة» آيت حساين» ب«الدخلاء» و«النزلاء» الذين استوطنوا المنطقة واستقدموا أهاليهم من أجل المشاركة في أحداث العنف»، كما وصف ماشيتهم ب«الجراد» الذي استنزف الغابة التي لا حق لهم في الرعي فيها، في حين أن ذوي الحقوق من حقهم استغلالها، يقول الحيمر، الذي تحدث عن سماعه طلقات نارية خلال الأحداث.
ميمون بن علا، من قبيلة «آيت الثلث» يعتبر أنه لا يحق للطرف الآخر امتلاك أراضي في المنطقة، لأنها من أراضي الجموع التي لا تباع ولا تشترى ولا تفوت، وأصل المشكل أن المكان المخصص للرعي لم يعد كافيا كما كان في السابق، لأن قبيلة «آيت احساين» تحاول التوسع عبر جلب أقاربها الذين يستقدمون ماشيتهم من أجل الرعي بأراضينا التي ليس لهم الحق في استغلالها.
التهجير هو الحل
«قبيلة « آيت حساين» ليسوا من ذوي الحقوق، يقول مسؤول بالسلطات المحلية، لأنهم قدموا من أولاد علي بدائرة أوطاط الحاج، خلال مرحلة الثمانينيات، وكان عدد السكان قليل وقتها، وكان بعضهم يعمل راعيا لدى ذوي الحقوق، غير أنهم استقروا بالمنطقة بشروط معينة، إذ أن العرف الذي كان سائدا هو أن يظلوا خلال مرحلة الشتاء على أن يتوجهوا للمنطقة التي يتحدرون منها خلال فصل الصيف، وإذا استحسن ذوو الحقوق جوار الوافدين فإنهم يأذنون لهم بالاستقرار وفق شروط معينة.
بعدما اشتد الصراع بينهم أخيرا، حاولت السلطات المحلية الوساطة من أجل فض هذا النزاع، وذلك عبر استصدار قرار يتم بموجبه منع قبيلة «آيت حسان» لمنع الرعي على كل وافد ليس من ذوي الحقوق بالنسبة لأراضي الجموع التابعة لقبيلة» آيت الثلث»، هذا الحل يستوجب اتباع مسطرة معينة تبدأ أولا بإصدار قرار من نواب أراضي الجموع لمنع قبائل «آيت حساين» من الرعي، وبعد أن وقع ثمانية نواب على القرار رفض أربعة توقيعه، يقول مصدر من السلطات المحلية، والسبب حسب رأيه هو أن قبيلة» آيت حساين» هي قوة انتخابية من الناحية العددية، لذلك فإن منعهم بقرار نيابي يعني إعلان الحرب عليهم، وبالتالي فإنهم سيعاقبون الجميع بمقاطعة الانتخابات.
كان قرار المنع والترحيل في مثل هذه الملفات يصدر عن وزارة الداخلية استنادا إلى تقارير، حيث جرت العادة، يوضح المصدر ذاته، أن السلطات المحلية ترفع تقريرا في الموضوع إلى السلطة الإقليمية وبعدها إلى مجلس الوصاية التابع لمديرية الشؤون القروية، وبعدها يكون قرار إما حق الاستغلال والرعي أو الترحيل، غير أن وزارة الداخلية لم تعد هي التي تصدر هذه القرارات، بل أصبحت تحيل الملفات على القضاء، حتى يكون القرار صادرا عن المحكمة، يقول مصدر من السلطات المحلية.
إطلاق النار
بعض الذين حضروا «المعركة» أكدوا أنهم سمعوا إطلاق النار، وكل طرف يؤكد أن الأسلحة التي احتجزها الدرك الملكي في ملكية الطرف الآخر،غير أن مصدر من السلطة المحلية، نفى استعمال تلك الأسلحة لأنها قديمة جدا، وأنها كانت تستعمل فقط للتهديد، وأنه لم يتم إطلاق النار بتاتا، وأن المنطقة لم تصل لتلك الدرجة من «السيبة» .
وكان المركز المغربي لحقوق الإنسان قد دق ناقوس الخطر بخصوص ما حدث بجماعة كيكو، إذ أنه وصف ما يحدث من خلافات ونزاعات بين القبيلتين ب»السيبة» التي يمكن أن تتطور إلى الأسوأ وتزهق أرواحا، مطالبا بوضع حد لجيوب «السيبة» التي مازالت تعرفها بعض المناطق النائية في المغرب، والحد من الأعراف البالية، التي تنطوي على إجحاف في حق المواطنين والمواطنات، والعمل على إرساء مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان في تدبير حقوق والتزامات المواطنين.
ومن جهته يقول إدريس الراضي، النائب الخامس لرئيس المجلس القروي لجماعة كيكو «إن الدولة تتحمل مسؤوليتها في هذه الأحداث الذي وصل فيها الأمر إلى حد الضرب والجرح والاقتتال، فهناك قضاء يمكن اللجوء إليه لفض النزاعات، غير أن ترك الأمور على حالها سيعود بالمنطقة إلى عهد «السيبة»، وفق قول الراضي.
هذه هي حكاية قبيلتين تتصارعان حول الأرض وتتعدد قراءة كل واحد لما يحصل، فبعض مسؤولي السلطات المحلية يعتبرون أن خلفيات سياسية تحرك هذا الملف مع قرب موعد الانتخابات، وأن هناك من يجد مصلحته في أن تظل التفرقة بينهما حتى يتدخل ويصبح له دور في الملف من أجل كسب أصوات خلال الاستحقاقات المقبلة، بينما هناك قراءة لمواطنين من كيكو ولبعض المتصارعين الذين يعتقدون أن السلطات المحلية هي التي لها مصلحة في استمرار الأزمة، حتى ينشغل السكان بخلافاتهم الداخلية ويصرفوا النظر عن مشاكل أكبر وأعمق تهم المنطقة بكاملها.
«بغداد» تفرق بين القصور الخمسة لمدينة فكيك
العنف هو السبيل ل« تحرير» أرض متنازع حولها
«بغداد» وعاء عقاري متنازع بشأنه بين سكان قصور مدينة فكيك الخمسة، والذي تفوق مساحته 550 هكتارا، نزاع عمره حوالي خمسين سنة، بعد أن تقدم نواب قصر زناكة بملف لتحفيظ هذا الوعاء العقاري سنة 1963 لتقوم القصور الأربعة الأخرى بالتعرض على المطلب، ويتعلق الأمر بقصر «الحمام الفوقاني» وقصر «الحمام التحتاني» وقصر «المعيز» وقصر «أولاد اسليمان» .
عنف بعد حسن جوار
بين الفينة والأخرى يتجدد الصراع بين هؤلاء وتعتبر سنة 2009 أشد مرحلة لكون السكان عاشوا تحت وقع أحداث دموية بين قصر «زناقة» وقصر «الحمام الفوقاني» استعملت فيها الأسلحة البيضاء، وذلك بعدما حاول سكان قصر «زناقة» استغلال جزء من العقار المتنازع بشأنه، فواجههم سكان قصر «الحمام الفوقاني» بدعوة أنه في ملكيتهم، وفق ما أكده مصطفى حامدي، عضو المجلس النيابي لقصر «زناكة»
صدر أول حكم في هذا الملف سنة 1974 يقضي برفض التعرض الذي تقدمت به القصور الأربعة ضد قصر «زناكة» الذي تقدم بطلب التحفيظ، كما صدر حكم آخر بعدما تعرض بعض الخواص سنة 1981، وخلال المرحلة التي تلت ذلك أصبح سكان «الحمام الفوقاني» يستغلون الأرض المتنازع بشأنها والشيء نفسه بالنسبة لسكان قصر «زناقة» الذين أحدثوا تجزئات سكنية، يقول أحد السكان، الذي أكد أن الملف مازال عالقا، كلما تم التوصل إلى حل متوافق عليه إلا وتجد هناك من يرفضه من أجل الحيلولة دون تسوية ودية للملف.
بعد صدور مذكرة لوزير الداخلية سنة 2004 تحث جميع المتنازعين من أجل الدخول في حوار بين وكلاء أراضي الجموع، على أساس أن تكون هناك تنازلات متبادلة والتراضي وحسن الجوار» يقول حامدي، وبعدها جرى اتفاق على أن يتم تقسيم «بغداد» على القصور الخمسة على أن تعود نسبة 40 في المائة من الأراضي إلى قصر «زناكة» بحكم أن عدد سكانه يمثل النصف ويحصل كل من قصر «الحمام الفوقاني» وقصر «الحمام التحتاني» وقصر «المعيز» على 18 في المائة لكل واحد منهم، في حين تعود نسبة 6 في المائة لقصر «أولاد سليمان» فوقع جميع الوكلاء على هذا الاتفاق، وبعدها تم تهييء تصميم بإشراف مديرية الشؤون القروية التابعة لوزارة الداخلية، غير أن هذا التصميم رفض من جميع الأطراف ليتم استبداله بتصميم آخر أقرب إلى الواقع فوافق عليه الجميع باستثناء «الحمام الفوقاني» الذي لم يرقه ذلك، يحكي حامدي، ما دفع سكان قصر «زناكة» إلى رفع شكاية إلى ممثلي السلطات المحلية.
خلال سنة 2009 قام سكان قصر «زناكة» بالتوجه إلى العقار المتنازع بشأنه من أجل ترسيم الحدود وفق التصميم المذكور، غير أنه تمت مواجهتهم بالعنف عبر استعمال الأسلحة البيضاء والمشادات الكلامية، فظل الصراع محتدما لحوالي أربعين يوما وسعت السلطات لإيجاد حل توافقي بين جميع الأطراف، فكان الطرف الذي ليس له رغبة هو «الحمام الفوقاني»، يقول حامدي، الذي يتهم السلطات بالتفرج أمام توسيع الطرف الآخر استغلاله للأرض، ويرى أنه ينبغي وضع حد لهذا النزاع الذي طال أمده وأن الرهان يظل مطروحا بالنسبة للعقلاء من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه.
حررنا الأرض
«نحن أصحاب الأرض، ولا يمكن لنا السماح فيها، ونحن لم نتحمل الترامي عليها خلال سنة 2009، لذلك دافعنا عنها وقمنا بتحريرها»، يقول أحمد بوجراد وكيل «الحمام الفوقاني»، الذي يعارض منح نسبة 40 في المائة ل«قصر زناكة» لأنهم لا حق لهم في ذلك حسب تعبيره.
يؤمن بوجراد بأن استغلال الأرض بالقوة من قبل «زناكة» أو تقسيم نسبتها قانونيا لن يحل المشكلة، إذ يقول «لو أنهم طلبوا منا منحهم الأرض عن طيب خاطر أو تفويتها لهم بثمن رمزي لفعلنا ذلك، ولكن أن تفرض علينا نسب هكذا فإننا لن نقبلها، لقد وافقنا على منح قصر «زناكة» 20 في المائة لكنهم يرغبون في الحصول على نصف الأرض، ونحن لن نسمح بذلك، لأن «بغداد» هي ملك للحمام الفوقاني».
ويعتبر وكيل «الحمام الفوقاني» أن الزيارة الميدانية للموقع كافية لمعرفة لمن تعود ملكية الوعاء العقاري، بوجراد يشتكي أيضا من رفض السلطات منحهم شهادة الاستغلال، والتي تحول دون استفادتهم من عدد من المشاريع الفلاحية، هذا في الوقت الذي يتم فيه تسهيل استغلال «الحمام الفوقاني» على حد تعبيره.
وتجدر الإشارة إلى أن الصراعات العنيفة والدموية لا تقتصر على مركز مدينة فكيك، بل إن ضواحيها شهدت خلال الفترة نفسها (2009) أحداثا دموية، وذلك حول سهل «تامللت» بين قبائل بني كيل وقبيلة «أولاد الناصر»، وكل واحد يدعي ملكيته للأرض، وبين أفراد من قبيلة «بني عمر» المتحدرة من قبائل بني كيل، إلى جانب نزاعات وصراعات عنيفة ودموية بين أفراد قبيلة «أولاد رمضان».
يبدو أن القاسم المشترك بين الأرقام المتعلقة بعقار «بغداد» بمدينة فكيك هو رقم 5، فقصورها المتصارعة هي خمسة ومساحة الأرض المتنازع حولها هي أزيد من 550 ومدة الصراع 50 سنة، أضف إلى ذلك أن الأراضي التي استولت عليها الجزائر التابعة لإقليم فكيك حوالي 50 كيلومتر مربعا، وذلك ما بين الخمسينيات والسبعينيات، فلربما يحتاجون إلى لجنة مشكلة من خمسة أفراد لإبرام الصلح، أو تعليق «خميسة» بمدخل المدينة لطرد النحس عنهم واجتناب «العين» حتى يعيشوا بسلام آمنين مطمئنين، يقول أحد الظرفاء.
مواطنون بأزيلال يستأجرون شبابا لحراستهم ليلا خوفا على أرواحهم
«بنادق» محلية الصنع ومحكومون غيابيا يستوطنون الغابة
بإقليم أزيلال، المعروف بوعورة مسالكه، هناك قبائل رغم قساوة ظروف عيشها، فإن سكانها لا يعرفون حياة الرتابة أو الملل بسبب صراعاتهم التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى حول «الماء والأرض»، فيستعرضون كل مؤهلاتهم في فنون «الحرب» لمواجهة خصومهم من القبائل المجاورة، حيث اللغة السائدة هي «العنف واستعمال كل وسائل الترهيب من اختطاف واحتجاز واستعمال كل أنواع الأسلحة، بما فيها بنادق الصيد»، والتي تتطور إلى أحداث دموية تودي بأرواح عدد من المواطنين.
عرقلة الإصلاح
على بعد عشرين كيلومتر من مدينة أزيلال تقع جماعة «أيت امحمد» التي توجد بها قبيلة تحمل اسم الجماعة، وتعيش على وقع صراعات مع جيرانها من الجماعات الأخرى، تصل إلى درجة استعمال الأسلحة النارية كما حدث أخيرا، حيث وقعت أحداث عنف سمع فيه دوي «القرطاس» وفق شهادات بعض السكان إثر مشاكل بين قبيلة «آيت امحمد» وقبيلة «آيت أكوديد»، حول مرعى كل طرف يدعي أحقيته بالرعي فيه دون الآخر.
«عدم التزام بعض الأفراد بالأعراف السائدة يكون وراء انبعاث الشرارة الأولى للصراع، حيث تطغى القبلية على الأحداث»، يقول محمد، شاب من إقليم أزيلال، مقدما مثالا على ما يحدث بين قبيلة «آيت إصحى» التابعة لجماعة تيلوكيت وبين قبيلة «آيت امحمد» التابعة لجماعة آيت امحمد، حيث الخلاف والتوتر مازالا مستمرين حول مرعى مشترك بينهما، وذلك بسبب خرق الأعراف المعمول بها، حيث دأب الطرفان على منع الرعي ما بين شهر مارس وشهر يونيو، وهو ما يسمونه ب«أكدال» وبعدها يتم الإعلان عن إمكانية السماح بأن تقتات المواشي من عشب المرعى.
خلال الصيف الماضي شهدت المنطقة صراعات بين قبيلة «آيت إصحى» وقبيلة «آيت امحمد» استعملت فيها الأسلحة والضرب والجرح، وفي كل سنة تقع مثل هذه الأحداث، لأنه منذ ثلاث سنوات لم يحافظ السكان على تقليدهم السنوي «أكدال» إذ يتم «التبراح» في السوق من أجل إخبار السكان بالمدة التي سيتم فيها منع الرعي، وكل من خالف ذلك فإنه تفرض عليه عقوبة عبارة عن غرامة مالية يؤديها»، تقول رقية خنافور، مستشارة جماعية بجماعة تيلكويت.
الصراع يتعدى المرعى إلى «الماء» فهناك «عين» مشتركة بينهما، فبعد أن وافقت القبيلتان على تهيئتها وبناء أحواض خاصة بها، خصصت جماعة تيلوكيت اعتمادات مالية لهذا الغرض، وعند انطلاق الورش اعترضت قبيلة «آيت امحمد» على ذلك لأنها خشيت أن تصبح «العين» في ملكية قبيلة «آيت إصحى» بحكم أنها تابعة لجماعة تيلوكيت في حين أن قرية «آيت امحمد» تابعة للجماعة القروية آيت محمج، وهذا ما جعل إصلاح هذه «العين» معلقا وذلك بسبب النزعة القبلية، وفق ما حكته المستشارة الجماعية» ل«المساء».
الخصومة مازالت قائمة بين الطرفين وهناك مواطنين يتدخلون ب«خيط أبيض» ويسعون من أجل عقد اجتماع توافقي بينهما، لرأب الصدع بين الطرفين، سيما أن كل واحد أصبح يدعي ملكيته للمرعى، في الوقت الذي كان السكان يدبرون الأمر بينهم وفق أعرافهم، هذا في وقت تعبت «السلطات المحلية» من الاجتماعات للتوفيق بينهما، تفاديا لحدوث أحداث عنف تصعب من مأمورية القوات العمومية التي لا يمكن لها التدخل في الحين بسبب البعد، وفق ما أكدته خنافور.
استئجار الشباب
بجماعة آيت امحمد هناك قبيلة أخرى تحمل اسم «أخرموش» يتجدد الصراع بينها وبين قبيلة «أكوديد» التابعة لجماعة «أكوديد» الخير، مازالت بعض فصولها مستمرة إلى الآن، إلى جانب صراع بين قبيلة «تسمارت» و«آيت إصحى»، والسبب دائما العشب والماء على أراضي الجموع، خلال شهر غشت الماضي أصيب المواطن عبد الصمد عبد الله من قبيلة «أخرموش» بخمس «قرطاسات» على مستوى رأسه وقدم شكاية في الموضوع ومازال ينتظر إنصافه من العدالة، وهو ما دفع بسكان الدوار إلى الانتقال رفقة مواشيهم إلى مقر قيادة «آيت امحمد» قصد الاحتجاج على ما أصبح يلحقهم.
خوفا على أرواحهم يلجأ بعض سكان قبيلة «تسمارت» ب«آيت امحمد» لاستئجار شباب من أجل المبيت لديهم خشية حدوث أي هجوم عليهم من طرف القبيلة المجاورة، وفي هذا الصدد يقول أحد سكان المنطقة «هناك خوف ورعب يجثم على أنفس سكان دوار «آيت امحمد» لدرجة أنهم أصبحوا يستأجرون شبابا بمبلغ مائة درهم تحسبا لأي أحداث عنف قد تقع، إلى جانب حارس خاص بهم».
«المنظار» من الوسائل الرائجة بالمنطقة، وذلك من أجل رصد حركة القبائل المجاورة، إلى جانب الاتجاه لصنع أسلحة نارية ذات صنع محلي، وفق ما أكده فاعل جمعوي لم يرغب في نشر اسمه، خوفا من أي انتقام، خصوصا وأن هناك محكومين غيابيا بالسجن لمدد تفوق 20 سنة، أصبحوا يتجولون وسط الغابة وهم حاملين «الجويجات»، أي البنادق، وفق قوله.
يشبه المصدر ذاته الواقع ب«السيبة» لأن السائد هو سرقة المواشي واحتجاز النساء والضرب بالسلاح الناري «بنادق الصيد» التي أصبحت منتشرة وترويع السكان الذين يرغبون في الوصول إلى تسوية حبية لهذه القضية، والتي تحمل في طياتها نفحات انتخابية، وفق تعبيره، لأنه يبدو أن هناك من يرغب في أن يظل الوضع كما هو.
صراع من هذا النوع تشهده أيضا الحدود بين جماعتي تاكلفت وأنركي قرب تاسرافت «آيت عبدي»، حول منطقة رعوية تدعى «أمغال» وكما هي العادة في تلك المناطق فإن سبب المشاكل يكون بسبب عدم احترام الأعراف المعمول بها من لدن البعض، والمتمثلة في «أكدال» الذي يتم بموجبه منع الرعي خلال شهور محددة من أجل ضمن نبات العشب بكمية وفيرة، لكن كل خرق يكون سببا في تجدد الصراع الذي يتحول إلى أحداث عنف ينتج عنها سقوط جرحى وقتلى كما حدث سنة 2010 بين قبيلتي «آيت داود وعلي» و«أيت عبدي» حيث كانت مواجهات نجم عنها سقوك جرحى وقتيل، ويتعلق الأمر بأحماد مرزوق من «آيت داود وعلي».
عبد الوهاب الدبيش: يمكن للدولة حل ملف أراضي الجموع حتى لا تتكرر أحداث العنف
يحمل عبد الوهاب الدبيش، أستاذ التاريخ في كلية الآداب بنمسيك، المسؤولية بخصوص أحداث العنف التي تقع بين القبائل على خلفية أراضي الجموع للدولة التي بإمكانها وضع نهاية لهذا النوع من الأراضي عبر خلق بديل مؤسساتي، وسن قوانين تلزم جميع الأراضي السلالية مهما كانت انتماءاتها وطبيعة أنشطتها. ويعتبر أن وصف هذه الأحداث ب«السيبة» يحمل نوعا من «المغالاة» لكون هذا المفهوم مرتبط بأطروحة استعمارية تدافع عن احتكار الأراضي الزراعية من طرف الفرنسيين وشراء ممتلكات المغاربة بالغصب والتهديد وكل أشكال التعسف.
- شهدت جماعة كيكو بإقليم ميسور أخيرا أحداث عنف بين قبيلتين بسبب المراعي، ما تعليقكم؟
إن هذا النوع من الصراعات مرتبط بأراضي الجموع، وكما هو معلوم فيوجد بالمغرب أربعة أنواع من الأراضي، فهناك أراضي الأحباس والتي هي عبارة عن هبات، وأراضي الجموع التي تشترك فيها جماعة سلالية باعتبارها تابعة لها، وأراضي الكيش التي كانت خاضعة للقبائل التي كانت منخرطة في الجيش المغربي منذ العصر السعدي والعصر العلوي الذي أسس جيشا نظاميا يسمى «عبيد البخاري»، ثم الملك الخاص الذي يمتلكه الفرد عن طريق الشراء.
إذا، فإن ما يحدث من صراعات حول هذه الأراضي والتي تؤدي إلى العنف فإن الدولة هي التي تتحمل مسؤولية ذلك، لأنها تملك خريطة أراضي الجموع وبإمكانها وضع حد لهذا الإشكال عن طريق خلق بديل مؤسساتي، إضافة إلى ذلك فإن تاريخ المغرب دائما شهد نزاعات حول الأرض وكذلك الماء.
- لماذا الدولة في نظركم تتحمل مسؤولية ذلك؟
لأن هذا النوع من المشاكل ظل قائما منذ عقود، لعجز الدولة عن إيجاد الصيغة القانونية لخلق نظام اقتصادي للاهتمام بالأرض، وذلك عبر أطروحة مجتمعية تلغي هذا النوع من الأراضي، وذلك عبر إقامة تجمعات سكنية مندمجة أساسها إنتاج المواد الغذائية للمواطن المغربي بالدرجة الأولى.
- لكن هذا مرتبط بمدى موافقة ذوي الحقوق ولا يمكن تنفيذ أي شيء دون رغبتهم
هل سلطة الإنسان تعلو على سلطة الدولة، لا يمكن أن تكون جماعة سلالية خارج الدستور، وإلا سيصبح الدستور يخضع للعرف، لذلك فإن أي مشروع أو أطروحة لا بد أن تكون عبارة عن قانون تخضع له جميع الجماعات السلالية، مهما كانت انتماءاتها وطبيعة أنشطتها.
إضافة إلى ذلك فلا توجد قبيلة لديها ملكية تاريخية للمجال الذي هو مجال متحرك بشريا، كما لا يمكن لقبيلة الادعاء أن هذا المجال في ملكيتها تاريخيا باستثناء بعض القبائل في المناطق الجبلية.
- هل برأيكم أن ما يحدث من أحداث بين الفينة والأخرى بين هذه القبائل قد يعود بنا إلى عهد السيبة؟
لا بد من تحديد المفاهيم، فالسائب هو من لا ضابط له على الإطلاق، ولا يحترم القانون، ولا يلقي له بالا مطلقا، ومفهوم السيبة مفهوم استعماري، لأن الاستعمار حاول إخضاع القبائل له، لذلك صنف بعضها بأنها فوضوية، ومن بين الذين أطلقوا هذا المصطلح «روبير مونطاني» في كتابه « المخزن والبربر» سنة 1930 وذلك في إطار أطروحة استعمارية تدافع عن احتكار الأراضي الزراعية من طرف الفرنسيين، وشراء ممتلكات المغاربة بالغصب والتهديد وكل أشكال التعسف.
لذلك لا يمكن إطلاق هذا الوصف الذي فيه نوع من «المغالاة» لأن القبائل كانت لها أنظمتها الخاصة، وكانت لديها أعرافها وتقاليدها ومعتقداتها وموروثها الشعبي، على عكس المجتمع السائب الذي لا يمكن له تأسيس دولة ولا تاريخ ولا منطق له، لذلك فإن الذين يروجون لهذه المفاهيم أرادوا أن تكون بالمغرب ازدواجية مثل المغرب النافع وغير النافع، لذلك يسعون إلى أن يكون هناك انقسام، وأن تصبح بينهم صراعات مريرة تشغل المواطنين عما هو أهم. لذلك فإنني أدعو إلى ضرورة إيجاد بديل مجتمعي تنموي على شاكلة أطروحة مجتمعية يلتف حولها الناس.
- ما هي برأيكم هذه الأطروحة المجتمعية؟
في نظري على سبيل المثال، يمكن أن يكون الماء هو الأطروحة المجتمعية، على اعتبار أن هذه المشاكل عادة ما تحدث بالجبال التي هي مصدر المياه، والتي يتمركز بها سكان «المغرب غير النافع»، وذلك عبر خلق أودية صناعية تربط بين الوديان وتكون عبارة عن أحزمة ومجاري باطنية، وبهذا نستطيع إعادة انتشار وتدبير المجال بين جميع المناطق المغربية، وخلق فرص شغل جديدة وتحقيق الاستقرار السياسي للدولة .
- لماذا هذه الأحداث غالبا ما تكون في الحدود بين الجماعات والأقاليم؟
إن حدود الجهة والإقليم يتغير بتغير الزمن، وإذا عدنا إلى التاريخ فإن أقدم نص جغرافي قسم المغرب إلى ثلاثة أقاليم إقليم طنجة، وإقليم سوس الأدنى، والذي يوجد ما بين نهر أبي رقراق إلى تانسيفت، وسوس الأقصى الذي يمتد إلى حدود موريتانيا وما بعدها، وخلال العصر الموحدي ظهرت أقاليم جديدة، غير أن السؤال المطروح: هل الإقليم هو مجال بشري أم وحدة تاريخية؟ وهل القبيلة هي جماعة بشرية سلالية تعود إلى جد أعلى أو أنها وصف لمجال معين أو عبارة عن مصلحة متوافق بشأنها بين معطيات المجال والمستوطنين له؟
لقد أقر مجموعة من الباحثين أن القبيلة لم يكن الرابط بينها هو الجد والسلالة، لكون المغرب بلد منفتح، ما جعله محطة حركية ديمغرافية بشرية لم تتوقف، وأدى ذلك إلى تنوعه في اللهجات والأعراف والتقاليد، وهذا التنوع هو قاطرة تنموية يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.
وهناك من تناول مفهوم القبيلة عبر تصنيفها إلى قبائل أمازيغية وأخرى عربية، كما هو الحال بالنسبة للمؤرخ عبد الوهاب بن منصور، في حين هناك من اعتمد في تعريفها على تنازع الألقاب بين القبائل.
وجوابا على سؤالكم فإن الصراع بين القبائل كان دائما حاضرا بقوة حول مصدر عيشها الذي هو الماء والأرض، وطالما أنه ليست هناك استراتيجية ورؤية سيظل هذا المشكل قائما ويدور في دوامة لا تنتهي. لأنه لا يعقل أن يظل قائد منطقة شغله الشاغل هو حل مشاكل «ساقية» يتم الاقتتال حولها .
وللإشارة فإن هناك وقائع وأحداث تقع أسوأ بكثير مما حدث في إقليم ميسور خلال فترة الانتخابات، حيث الصراع يحتدم بين الأمازيغ البيض والأمازيغ السود، خاصة في مناطق مثل كلميمة وغيرها.
- عندما تقع هذه الأحداث هل في رأيكم يجب الاحتكام إلى القانون أو الأعراف؟
ينبغي اللجوء إلى القانون مع الأخذ بعين الاعتبار أعراف الناس وسلوكياتهم لأن «العرف أقوى من القانون»، مع الأخذ بالقاعدة الفقهية التي تقول «رفع الضرر سابق على جلب المنفعة» مع ضرورة فتح الحوار مع المتضررين من أجل إنصافهم.
- ما هو الحل برأيكم لتجاوز مثل هذه المشاكل؟
لقد ذكرت بعض الحلول سابقا، كما أن للبرلمان دور في التشريع وسن قوانين لإنهاء عدد من المشاكل، لذلك فالأحزاب السياسية مطالبة بتزكية كفاءات عوض أشخاص أفسدوا المشهد السياسي وأصبحوا مجرد «إمعات» مثل الشجر الذي لا يثمر.
كما ينبغي الاستعانة بالمؤرخين، لأنهم يتوفرون على معطيات الماضي وهم المؤهلون أكثر للتنبؤ بالذي يمكن أن يحدث، وذلك من أجل وضع استراتيجيات تنموية وبدائل مؤسساتية والتصرف في أراض الجموع بشكل جماعي حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث التي تسبب متاعب، السلطات المحلية في غنى عنها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.