كان مقررا في التاسع من نونبر القادم، أي في غضون شهر تقريبا، أن ينظم إقليمكاطالونيا الإسباني استفتاء من أجل الاستقلال عن المملكة الإسبانية، قبل أن ترفض الحكومة المركزية هذا الأمر، وتقول بلادستوريته. وكان على الإسبان أن يواجهوا هذا الوضع السياسي الجديد، الذي يهدد المملكة، بالكثير من الصرامة، ليس فقط لأن هذا الإقليم يصنف كأكبر إقليم في كل إسبانيا من الناحية الاقتصادية، وإنما أيضا لأن فيه فريقا كبيرا لكرة القدم اسمه «إف سي برشلونة». لقد قال رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم، معلقا على قرار الاستقلال، إن ذلك يجب ألا يحدث فقط من أجل هذا الفريق الذي بدونه لن يكون هناك طعم ولا رائحة لليغا الإسبانية؛ وأضاف أن الكلاسيكو الشهير الذي يجمع بين الغريمين «ريال مدريد» و»إف سي برشلونة»، هو إحدى معالم إسبانيا التي يجب أن تحافظ عليها من الضياع.. وأولى خطوات المحافظة هي قول: «لا، لاستقلال إقليم كاطالانيا». ويبدو أن صوت رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم قد وجد بعض الآذان الصاغية، وهو يخترق رجال السياسة الذين لا يفهمون كيف يمكن للكرة أن تصحح اختلالات السياسة؛ لذلك بدأ النقاش في إسبانيا، وتحديدا في إقليم كاطالانيا، عن حدود الربح والخسارة إذا ما تحقق الاستقلال؛ وتم التأكد من أن أولى الخسائر المرتقبة التي يتداولها، اليوم، المتتبعون لهذا الحدث السياسي، هي ما يمكن أن يتعرض له فريق «إف سي برشلونة» إذا ما تحقق الاستقلال.. سيتحول هذا الفريق إلى اللعب رفقة فرق الإقليم المتواضعة؛ ولا بد أن يغادر نجوم «البارصا» بحثا عن فضاءات أخرى خارج كاطالانيا؛ ولن تصرف «البارصا» كل تلك الملايين من الأوروهات من أجل ضم الأرجنتيني ليونال ميسي أو البرازيلي نيمار. أما الكلاسيكو الإسباني فسيصبح فصلا من التاريخ، لأن فريق «ريال مدريد» لن يجد من ينافسه ومن يقف أمامه ندا لند؛ لذلك يتداول الإسبان اليوم، ومعهم كل عشاق اللعب الجميل والحماس الذي تصنعه الجماهير في مدرجات بيرنابيو المدريدي أو نيو كامب البرشلوني، حكاية أن يستمتعوا بالكلاسيكو في الخامس والعشرين من الشهر الجاري لأنه قد يكون هو آخر كلاسيكوهات القرن. اليوم، كل إسبانيا ضد استقلال إقليم كاطالانيا، ليس للحفاظ على مملكة شبه الجزيرة الإيبيرية من التشتت، وإنما من أجل عيون ميسي ونيمار، وكل نجوم «البارصا» الذين ستفتقدهم ملاعب الكرة؛ وبذلك تكون الكرة، مرة أخرى، قد دخلت على خط السياسة. إن بين الكرة والسياسة علاقة ود متواصلة في الزمن.. فعلى الرغم من أن عددا من الأنظمة الديكتاتورية وظفت لعبة كرة القدم من أجل فرض سياستها، من الأرجنتين إلى ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا نفسها، مما جعل أصوات اليسار تصفها ب»أفيون الشعوب» الذي يؤخر الثورة، فإن الجماهير العاشقة للعبة ظلت تؤجل كل معاركها السياسية من أجل مباراة في كرة القدم. ومن أقرب الأمثلة التي أضحت، اليوم، درسا يلقن في المعاهد العليا حول القيمة الحضارية للرياضة، وكرة القدم على الخصوص، دون الحديث عن قيمتها الاقتصادية، ما عاشته فرنسا قبل أن تفوز بلقب كأس العالم في 1998 حينما صعد نجم العنصري «جون ماري لوبان» الذي انتقد المنتخب الفرنسي، وقال إنه مكون من مجموعة من «الملونين» قبل أن تنزل شعبيته في أعقاب ذلك مباشرة بعد فازت فرنسا بكأس العالم بفضل أولئك «الملونين»، من أمثال زيدان ودوساي وتورام.. يوم رسمت لزيدان صورته على قوس النصر بالشانزيليزيه بعد أن استقبله الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الإيليزيه استقبال الأبطال. اليوم، تحركُ الكرةُ، بفضل فريق اسمه «إف سي برشلونة»، السياسة في الجارة الإسبانية التي لايزال الكاطالونيون يتطلعون إلى يوم التاسع من نونبر القادم من أجل أن يقولوا «نعم» للاستقلال عنها. لكن عشاق «البارصا» ولعبة كرة القدم في هذا الإقليم وخارجه، بل ومن دول أخرى تعشق كلاسيكو الليغا، تقف منددة بهذا الانفصال، ولو من أجل عيون ميسي ونيمار.