أعادت واقعة رفض كريم بلعربي لاعب بايير ليفركوزن الألماني، وقبلها اختيار منير الحدادي لاعب برشلونة الإسباني اللعب للمنتخب الإسباني، ملف اللاعبين ذوي الأصول المغربية وعلاقتهم بالمنتخبات الوطنية إلى واجهة الأحداث. لقد عشنا طيلة أسابيع على وقع الكثير من التصريحات والتصريحات المضادة للاعبين الحدادي وبلعربي، قبل أن يتبين في نهاية الأمر أن قرارهما باللعب سواء للمنتخب الإسباني أو الألماني كان محسوما فيها منذ البداية، وأنهما اختارا عن وعي لعب ورقة المنتخب الوطني المغربي ليسرعا ولو على سبيل التجريب التحاقهما بالمنتخب الألماني أو الإسباني. عندما نعود لتصريحات منير الحدادي لاعب برشلونة الإسباني ونقلبها بهدوء ستتضح الصورة، لقد ظل اللاعب يقول إنه لا يستبعد اللعب للمغرب، وقد رددها مرارا وبدا أن وكيل أعمال اللاعب هو الذي طلب منه ترديد هذا الكلام، لذلك، ما أن وجه له فيسنتي ديل بوسكي الدعوة للانضمام إلى المنتخب الإسباني حتى قال اللاعب إنه حقق حلمه باللعب ل»الماتادور» الإسباني وأنه سعيد بأن يحمل قميصه. مع بلعربي تكرر السيناريو نفسه، فهذا اللاعب هو الذي بادر إلى ربط الاتصال ببادو الزاكي مبديا رغبته الصريحة في الانضمام إلى المنتخب الوطني، وأعقب اتصاله بالزاكي لقاء جمعه به رفقة مساعديه سعيد شيبا ومصطفى حجي، وإعلان صريح من اللاعب أنه سيليب للمنتخب الوطني ليحقق حلم والده الراحل الذي يحمل الجنسية المغربية، لكن في ما بعد ستتغير الصورة كليا، وسيطلب اللاعب مهلة، وفي الوقت نفسه سيستفيد من ترويج اسمه في وسائل الإعلام وبالأخص الألمانية، وكيف أنه سينضم للمنتخب المغربي، وستتوالى تصريحات لاعبين ألمان سابقين يطالبون بمنحه فرصة اللعب لألمانيا، وهو ما استجاب له مدرب «المانشافت» يواخيم لوف، الذي يضع بلعربي كخيار ثالث أو رابع ضمن تشكيلة المنتخب الألماني. لقد لعب بلعربي بذكاء ورفقة وكيل أعماله اليوناني ورقة المنتخب الوطني المغربي، بل إنه تاجر بقميص «الأسود» ليلعب لألمانيا ويكتب في سيرته الذاتية أنه لاعب دولي في المنتخب الألماني، الأمر الذي من شأنه أن يرفع من سومته. ولمكر الصدف فإن بلعربي ما إن تلقى الدعوة من المنتخب الألماني للعب له حتى ردد هو الآخر عبارة حدادي أنه حقق حلما طال انتظاره. في مقابل هذه النماذج من اللاعبين فإن آخرين لديهم اختيارات واضحة، ولا يساومون أوطانهم بالمال، فرايان غيغز أشهر جناح أيسر في تاريخ الدوري الإنجليزي واللاعب السابق لمانشستر يونايتد والمساعد الحالي للويس فان غال اختار اللعب لبلده ويلز، رغم أن منتخبها ضعيف، ورغم أن ذلك حرمه من المشاركة في تظاهرات قارية للمنتخبات من قبيل كأس العالم وكأس أوربا، لكن اللاعب كان واضحا رغم أنه كان بإمكانه أن يلعب لمنتخب إنكلترا ويحقق الكثير من طموحاته الكروية، علما أن مكانته كلاعب أساسي لا جدال فيها، وهو ها هو اليوم غاريت بيل أغلى لاعب في العالم يكرر السيناريو نفسه ويلعب لنفس المنتخب بدل إنكلترا. الليبيري جورج ويا قدم درسا للعالم وهو يختار الدفاع عن ألوان منتخب مغمور، لكن الرجل انتصر لوطنه ولنداء القلب، وليس لنداء المال، وهناك نماذج كثيرة للاعبين لا يتاجرون بمنتخب الأصل في سبيل الانضمام إلى منتخب الإقامة، فإذا وقع اختيارهم على البلد الذي نشأوا فيه فإنهم يفعلون ذلك باحترام دون أن يتلاعبوا بالوطن الأم. واقعة بلعربي وقبلها الحدادي، ثم رفض عدد من اللاعبين تلبية دعوة مدرب المنتخب الأولمبي، يجب أن تدفع الجامعة إلى الاهتمام بلاعبي البطولة، وأن تراهن على التكوين لأنه القاعدة الصلبة لبناء منتخبات قوية، أما أن ننتظر أن تصنع لنا بلدان المهجر لاعبين فهذا لم يعد مجديا، كما أنه ليس مفيدا انتظار قدوم لاعبين يرغبون في اللعب لمنتخبهم الأصلي وهو في القمة فقط، لا أن يساهموا في بنائه، وهنا لابد من توجيه تحية لمن اختاروا «الأسود» دون مزايدات أو طلبات خاصة.