أربعون مغربيا فقط يعيشون في الشيلي، آخر بلد في العالم، جغرافيا بطبيعة الحال، فاختيار العيش في الشيلي في حد ذاته مغامرة جميلة، غالبيتهم جاؤوا بعدما سقطوا من الطابق العاشر في حب فتاة شيلية، وآخرون جاؤوا إلى بلاد بابلو نيرودا باحثين عن لقمة العيش بعدما ضاقت بهم الآفاق في أجمل بلد في العالم، أحدهم نجح فعلا وصار أحد أغنياء المدينة. رغم أن الشيليين يتحدثون الإسبانية إلا أنهم مختلفون عن الإسبان في كل شيء، يرددون كثيرا كلمة عفوا (برميسو)، يلاحقون المرء بها في المقاهي والفنادق وسيارات الأجرة، بعض الكلمات الإسبانية لا تعني شيئا بالنسبة إليهم، فاخترعوا كلمات جديدة تحقق لهم الفرادة. ورغم تراجع تيارات اليسار، عموما، في الشيلي إلا أن الكريات الحمراء للشيليين ما زالت معجونة بماء الثورة، لذلك أعلنوا الإضراب العام الأسبوع الماضي للزيادة في الأجور، ومجرد نشر هذا الخبر في الصحف جعل المدرعات تنزل إلى الشارع، كانت مدرعات خضراء ضخمة لا يمكن للمرء أن يشاهدها في المغرب إلا في وقت الاضطرابات الكبرى، لكنها نزلت بسهولة إلى الشوارع الرئيسية لسنتياغو، ومنها خرج رجال شرطة بأجساد ضخمة يرتدون لباسا يحميهم من الرصاص والحجارة، طوقوا القصر الرئاسي ومنعوا اقتراب أحد آخر غير الموظفين.بل حتى رجال الشرطة كانوا يرتدون زيا أخضر عسكريا ومسلحين بشكل خاص، ففي الشيلي يسهل على المرء أن يحصل على مسدس، لذلك حتى حراس المحلات التجارية تجدهم أحيانا مسلحين بمسدسات أوتوماتيكية. مليونيرات الشيلي كثر، لكنهم مليونيرات مزورون، فعملة الشيلي مليئة بالأصفار بشكل يجعل جيوب المرء منتفخة بالأوراق النقدية دون أن يتجاوز عتبة الفقر، فألف «بيسوس» لا يمكنها أن تشتري أكثر من قطعة حلوى لطفل صغير مصاب ب«الجعرة»، لذلك فجزر الغنى في سنتياغو لا يمكنها أن تخفي قارات الفقر، فالشيليون أيضا مثل بعضنا جائعون ورائعون، ويسكتون جوعهم أحيانا بتناول المخدرات، ورغم أن الشيلي هي مجتمع المحافظين، إلا أنه بات عاديا تدخين الفتيات في الشوارع، كما أن فتاة في السادسة عشرة يمكنها أن تدخل بوجه طفولي بشوش على والديها وبين ذراعيها طفل جميل وتقول لهما بهدوء: هذا طفلي أرضعته للتو المرجو الاعتناء به، سأذهب إلى المدرسة. في أحد أزقة العاصمة سنتياغو يعثر المرء على معلمة غريبة تثير انتباهه، إنه قصر الحمراء، نسخة طبق الأصل من ذلك الموجود في غرناطة، بنفس أسوده و آياته القرآنية التي تقر أن «لا غالب إلا الله»، لكن المعلمة الرائعة طالها النسيان بشكل جعل التفكير في ترميمها حلما يطارد الكاتب المغربي عبد القادر الشاوي، الذي جاء إلى الشيلي سفيرا للمغرب قبل بضعة أشهر. هناك شيء ما يجعل سائقي الطاكسيات في العالم يتشابهون، إذ أن المرء لا يشعر بنفسه إلا وقد خاض معهم في الحديث، لذلك كان أول ما أخبرني به السائق الشيلي هو أن الذكور شارفوا على الانقراض في الشيلي، فالفتيات يملأن المقاهي ومدرجات الجامعات. سائق الطاكسي، الذي قطع بي غالبية شوارع سنتياغو، يقول إن هناك أربع نساء لكل رجل الآن، ويبتسم الرجل مردفا بسخرية أن المعدلات تحسنت، لأنه قبل سنوات كان هناك سبع نساء لكل رجل، وأجبته بكل براءة: الآن أفهم لماذا كان الشاعر نيرودا زير نساء.