لعل أكبر حليف لحكومة عبد الإله بنكيران اليوم هي المعارضة، أحزابا ونقابات، لذلك لم يكن إدريس لشكر مخطئا حينما رد على «تفاخر» نبيل بنعبد الله بكون الحكومة التي ينتقدها هي «حكومة صاحب الجلالة»، بأن المعارضة أيضا هي «معارضة صاحب الجلالة»... لأن كلا الطرفين في الحقيقة موجودان في خندق واحد، وبفضل المعارضة تستطيع الحكومة أن تغطي على هفواتها وأخطائها وإخفاقاتها، وأن تقدم نفسها كأفضل مشروع موجود في الساحة السياسية، وعندما يحكم عليها المواطن يمتعها ب»ظروف التخفيف»، الكثيرون يشبعون بنكيران نقدا، لكن بمجرد ما يسمعون شباط يتكلم يغيرون رأيهم ويرددون مستدركين: «اللهم لعمش ولا لعمى»! مشكلة المعارضة تكمن في قياداتها، الذين بات من الصعب أن تأخذهم على محمل الجد. بعد أن كانت هياكل بعض الأحزاب تضم أشخاصا كاريزميين، لهم رأيهم المستقل ويحترمهم الخصوم قبل الأعداء، أفرزت الحروب الداخلية وما رافقها من حسابات صغيرة مكاتب سياسية وتنفيذية تعج ب»البلطجية» والنكرات والانتهازيين، ممن يدافعون عن «الزعيم» محقا أو مخطئا، نكاية في خصومه داخل الحزب. ومن الصعب أن نثق في شخص يدعو الآخرين إلى «تسياق» أبواب بيوتهم، فيما الأوساخ تتراكم أمام داره وداخل حجرات البيت... إذا استثنينا «الأصالة والمعاصرة»، الذي تبدو هياكله التنظيمية مستقرة نسبيا، رغم أنه لم يفطم تماما من السلطة، فإن «الاتحاد الاشتراكي» يمشي برأسين منذ مؤتمره الأخير، ومازال «الإخوة الأعداء» يتحاربون بقتالية غير مسبوقة ويقولون عن بعضهم البعض ما لم يقله «مالك في الخمر»، بل إن الصراع امتد إلى نقابة «الفيدرالية الديمقراطية للشغل»، التي انقسمت إلى جناحين، علما أنها في الأصل انشقت عن «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل»، التي مازال نوبير الأموي يتزعمها منذ ستة وثلاثين عاما، ولن يغادرها إلا كما غادر المحجوب بنصديق «الاتحاد المغربي للشغل»... إلى دار البقاء. فيما تحول «الاستقلال» إلى حزب ساخر، بعد أن استلمه بهلوان كبير اسمه حميد شباط وألحقه ب»نقابة الاتحاد العام للشغالين»، التي سيطر عليها من ذي قبل، بعد معارك شرسة ضد أفيلال والأندلسي، استعمل فيها الكلاب والعصي وكل القذارات الممكنة. ومازال ورثة علال الفاسي، المتحلقين حول تيار «بلا هوادة»، يحاولون استعادة البيت، دون جدوى. «فاقد الشيء لا يعطيه»، لذلك تبدو تحركات المعارضة، أحزابا ونقابات، دون أي مصداقية وتفشل في حشد الجماهير، التي كانت حجر الرحى في معاركها ضد الحكومة، أيام كانت المعارضة معارضة، ولذلك جاء إضراب الثلاثاء أشبه بتحرك كاريكاتوري، لأن النقابات فضلت التصعيد على التحاور مع الحكومة، رغم أنها لم تعد تساوي شيئا في الشارع، ولا أحد استغرب من نسبة المشاركة الهزيلة في الإضراب، رغم أن النقابات تدعي أنها تجاوزت 80 في المائة، بينما تتحدث الحكومة عن مشاركة لم تتعد 12 في المائة! من يعطي قوة لبنكيران هي هذه المعارضة الكاريكاتورية، التي لا تقترح أي بديل وتكتفي بالتهجم على الرجل ومشاريعه، رغم أن لها مسؤولية في الوضعية المتردية التي تعيشها بعض القطاعات، باعتبار أنها شاركت في الحكومات السابقة. مشكلة التقاعد، مثلا، الذي اضطرت الحكومة إلى رفع سنه، لم تبدأ مع بنكيران، بل مع الحكومات التي قادها «الاتحاد الاشتراكي» و»الاستقلال»، ولم تصنع أي شيء لإيقاف نزيف صناديقه، بل ارتكبت «جريمة كبرى» في حق الإدارة، خلال ما سمي ب»المغادرة الطوعية»، التي أفرغت خزينة الدولة ومكنت عشرات الآلاف من الموظفين من ملء جيوبهم وحساباتهم، والاستمرار في تقاضي أجرة محترمة، محتفظين بكامل حيويتهم للعمل في مشاريع استثمارية... صحيح أن بنكيران، في النهاية، يبدو مثل رئيس حكومة نصّب فقط لتنفيذ بعض الإصلاحات اللاشعبية، من الزيادة في أسعار الوقود والماء والكهرباء إلى رفع سن التقاعد، مرورا برفض تشغيل أصحاب محضر يوليوز.... وضعوه في المنصب «باش ياكلو التومة بفمو»، لكن مأساة المعارضة أن بنكيران يأكل «التومة» والرائحة تخرج من «فم» شباط !