اعترف عمر عزيمان، وهو يفتتح أشغال الدورة الثانية للمجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، أن من بين أسباب اختلالات المنظومة التعليمية، التغيير الذي ظل يطال وزراء القطاع، لدرجة أصبحت معها حقيبة التربية والتعليم تتدحرج في كل مناسبة بين هذا وذاك. وبهذا الاختيار، ضاع الكثير من الجهد، خصوصا وأن الزمن المدرسي، الذي يحتاج للكثير من الوقت والصبر، هو غير الزمن السياسي. وبذلك يكون عزيمان قد وضع اليد على موطن الداء، خصوصا وأن التجربة علمتنا أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي توافق حوله كل الفرقاء، توقف بعد أن انتهت حكومة التناوب بما لها وما عليها، وأن المخطط الاستعجالي لم يكتب له استكمال سنواته مباشرة بعد أن سقطت حكومة عباس الفاسي، بل إن حكومة بنكيران، التي ذاقت هي الأخرى من عملية التعديل، لم تسثتن في ذلك حقيبة التربية والتعليم. وهكذا حينما نقوم بعملية حسابية بسيطة، نكتشف كيف أن قرابة عشرة وزراء تناوبوا على تدبير هذا القطاع منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، دون أن يصلوا به إلى بر الأمان. لكن ما لم يقله عزيمان، وهو يتحدث عن هذا الشق الحساس في الملف، هو أن الوضع الحالي لقطاع التربية والتعليم يدبر بوزير غير سياسي، أو لنقل إنه تكنوقراطي. ألا يرى رئيس المجلس الأعلى للتربية والتعليم أن هذا الأمر شاذ؟ كيف يدبر ملف اجتماعي حساس، وعلى غاية كبيرة من الأهمية، بدون تصور سياسي؟ لقد كان الأمر مثيرا أن تنتزع هذا الحقيبة الوزارية، بكل حجمها، من يد الأحزاب السياسية وتوكل لرجل تيكنوقراطي سبق أن جرب دواليبها، وهو رشيد بلمختار. بلمختار هو واحد من الكفاءات التي تفخر بها البلاد، وله ما يكفي من المؤهلات العلمية للإشراف على حقيبة وزارية. لكن بلمختار لن يدافع في وزارة التربية والتكوين المهني عن اختيارات سياسية بعينها، مما يجعل السؤال كبيرا: أين المسؤولية السياسية التي يتحدث عنها الدستور الجديد بالكثير من الحماس. قبل دستور 2011، كان يمكن أن يعين وزير وفق تصور خاص. لكن بعد أن صوت المغاربة على دستورهم الجديد، أصبح احترام المنهجية الديمقراطية أساسيا، ليس فقط في اختيار رئيس الحكومة، ولكن في كل الحقائب الوزارية. أما حينما يتعلق الأمر بحقيبة لها امتداد اجتماعي يجر خلفه اهتمام كل الأسر، فالسؤال العريض هو: لمن يجب أن يقدم غدا رشيد بلمختار الحساب؟ يحتاج قطاع التربية والتعليم اليوم، ومن جديد، لقراءة متأنية لما تضمنته فقرات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي كان بحق خطوة متقدمة لإصلاح حال المدرسة المغربية، خصوصا وأنه لأول مرة بعد سنوات وبعد ندوات ومناظرات، يتوافق كل الذين يعنيهم أمر هذه المدرسة حوله. هل نجح الميثاق الوطني أم فشل؟ لا أحد يعرف الحقيقة، لأن المنطق كان يفرض أنه، قبل أن نتجاوزه وننخرط فيما عرف بالمخطط الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتعليم، أن نقوم بعملية تقييم وتقويم حقيقية لاسثتمار الأفضل فيه، وتصحيح الاختلالات التي تكون قد حدثت. لقد تردد في آخر عمر الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي انتهى قبل موعده، أن من عيوب هذا المشروع هو أنه كان بدون إمكانيات مالية كافية لتنزيل مشاريعه على أرض الواقع، لذلك حينما جاء المخطط الاستعجالي حمل معه 41 مليار درهم. فهل صححت هذه الملايير التي صرفها المخطط اختلالات المدرسة المغربية؟ ثم لماذا لم تستفد المدرسة المغربية من حسنات هذا المخطط، الذي لم يكن كله سيئا؟ لقد حمل معه جملة من المشاريع التي همت البنايات والتكوين والتعليم الخصوصي، ووضعت لكل مخطط فرق عمل جهوية ومركزية. غير أن الذي يؤسف له، هو أننا كررنا نفس الخطأ الذي ارتكبناه مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وهو إنهاء العمل بالكثير من مشاريعه حتى دون أن تنتهي المدة التي حددت له. مأساة المدرسة المغربية هي أنها تخضع للتجريب في كل مناسبة. وفي كل محطة نرتكب نفس الأخطاء، ونعيد نفس الخيبات. واليوم بعد تجربتي الميثاق والمخطط، على اعتبار أن سنتي محمد الوفا كانتا بدون مخطط ولا ميثاق، قد ندخل مع رشيد بلمختار تجربة جديدة، وإن كانت بدون مسؤولية سياسية. لذلك كل الخوف هو ألا نربح الرهان مرة أخرى.