يفتتح الدخول المدرسي الحالي بجملة من الملفات يظل أبرزها هو ملف الرفع من سن التقاعد، الذي تنوي حكومة بنكيران فتحه بعد أن أحالت الملف على المجلس الاقتصادي والاجتماعي. بالإضافة إلى ملف الإصلاح الذي تنتظره المدرسة المغربية والذي يسارع المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي لإخراج ملامحه إلى حيز الوجود حيث عقد دورته الأولى لوضع الهياكل، قبل أن يعقد أمس واليوم دورته الثانية للتداول في التصور العام لهذا الإصلاح، والذي سينطلق من قراءة متأنية لما خلفه الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمخطط الاستعجالي. لن يكون الدخول المدرسي، الذي افتتح في مستهل هذا الشهر بالتحاق المدرسين والإداريين بمقرات عملهم، عاديا، في انتظار أن يلتحق تلاميذ الصفوف الابتدائية غدا العاشر من شتنبر بحجرات الدرس، على أن يكون التحاق تلاميذ الصفوف الإعدادية والثانوية في الحادي عشر من الشهر نفسه. ثمة جملة من الملفات التي ستجعل منه دخولا مدرسيا ساخنا، ليس فقط في علاقة بالمنتمين للقطاع، والذين يقض مضجعهم ملف التقاعد، الذي يبدو أن حكومة السيد بنكيران سائرة في الرفع منه، ولكن في علاقة بمشروع الإصلاح الذي تنتظره منطومة التربية والتكوين، والتي قال وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار في أكثر من مناسبة، إن ملامح الإصلاح لن ترى النور إلا في ربيع السنة القادمة، بعد أن تكون لجان الاستماع قد أعدت تقريرها التركيبي ليعرض على المعنيين بالأمر. غير أن هذا الإصلاح لن يكتب له التفعيل دون أن يمر عبر بوابة المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي، والذي أعلن عن تشكيلته في غشت الماضي. تشكيلة عرفت جملة من الاحتجاجات من قبل من اعتبروا أنفسهم مقصيين من التواجد بداخل هذه المؤسسة التي تعتبر بموجب الدستور الجديد بمثابة برلمان للتربية والتكوين. ولعل من أبرز المؤسسات التي احتجت على إقصائها، ثمثيلية هيئة المفتشين التي أصدرت بلاغا في الموضوع. بالإضافة إلى مؤسسة اتحاد كتب المغرب، التي تعتبر تواجدها في المجلس الأعلى للتعليم شأنا يعنيها بدرجة كبيرة، بالنظر إلى أنها تضم في صفوفها باحثين وأكاديميين ومهتمين بقضايا التربية والتكوين، على الرغم من أن المجلس ضم بعض المنتمين لاتحاد كتاب المغرب بصفتهم الشخصية. ويتألف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من 92 عضوا يتوزعون عبر ثلاثة عشر عضوا معينين بصفتهم المؤسساتية، من ضمنهم وزراء ورؤساء بعض الهيئات والمؤسسات كوزير التربية الوطنية والتكوين المهني ووزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزير الثقافة، والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، والمندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، وأمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، وعميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومدير مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، ومدير المركز الوطني للبحث العلمي والتقني. ثم عشرون خبيرا ومتخصصا معينون من طرف الملك. وأربعة أعضاء معينين من قبل رئيسي مجلسي البرلمان. وأعضاء معينين من قبل رئيس الحكومة، باقتراح من القطاعات والمؤسسات والهيئات المعنية، وتشمل ستة أعضاء يمثلون مؤسسات التربية والتكوين، وعشرة يمثلون النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، وستة عشر يمثلون الأطر التربوية والإدارية، وثلاثة يمثلون جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، وخمسة يمثلون التلاميذ، وثلاثة يمثلون الجماعات الترابية، وستة يمثلون جمعيات المجتمع المدني. وثلاثة يمثلون الهيئات الأكثر تمثيلا للمقاولات، وثلاثة يمثلون الهيئات الأكثر تمثيلا لمؤسسات التعليم والتكوين الخاص. ويبدو من خلال هذه التركيبة، أن المجلس الأعلى ضم كل الفعاليات التي يمكنها أن تفكر في واقع ومستقبل التربية والتعليم، شريطة أن تتوفر لهؤلاء الأعضاء الشجاعة الكافية لوضع اليد على مواطن الخلل واقتراح الحلول القابلة للتنفيذ، والإجراءات التي يجب فرضها حتى وإن كانت لا تخدم مصالح البعض. كما يبدو أنه من خلال وتيرة عمله، حيث عقد ابتداء من أمس الاثنين واليوم الثلاثاء 8 و9 شتمبر 2014، دورته العادية الثانية بمقر أكاديمية المملكة المغربية بالرباط، بعد الدورة الأولى التي سبق أن عقدها في 21 و22 يوليوز الماضي. وضع مجلس عمر عزيمان لهذه الدورة الثانية جدول أعمال ينطلق بتدارس مشروع التقرير التقييمي حول «تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013: المكتسبات، المعيقات، التحديات». ثم تدارس عروض الوزراء المشرفين على قطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي وتكوين الأطر والتعليم العتيق، حول رؤيتهم المستقبلية للإصلاح التربوي على المديين القريب والمتوسط. وهي محطة يعتبرها الكثيرون حاسمة، لأن خلاصاتها ستحدد ما الذي يجب القيام به لتنزيل الإصلاح، خصوصا وأن هذا الإصلاح لن يسقط من حسابه محطة على غاية كبيرة من الأهمية، هي الميثاق الوطني للتربية والتكوين. ستكون خلاصات الدورة الأولى حاضرة أيضا في مداولات ونقاشات أعضاء المحلس الأعلى في دورة اليوم، على الرغم من أن تلك الدورة خصصت أساسا للتداول في مشروع النظام الداخلي، وانتخاب مكتب المجلس ولجانه الدائمة، وتقديم المحاور الأساسية لمشروع التقرير التركيبي. بالإضافة إلى انتخاب الجمعية العامة للأعضاء التسعة الممثلين للفئات الثلاث المشكلة لتركيبة المجلس. وتشكيل اللجان الدائمة وانتخاب رؤسائها ومقرريها. ويتعلق الأمر باللجنة الدائمة للتربية والتكوين للجميع والولوجية، ولجنة الحكامة ولجنة المناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية، ولجنة مهن التعليم والتكوين والتدبير، ولجنة للبحث العلمي والتقني والابتكار، ولجنة الخدمات الاجتماعية والثقافية وانفتاح مؤسسات التربية والتكوين على محيطها. وكان تقرير المجلس الأعلى قد اعتمد منهجية علمية قوامها المعطيات الإحصائية، والبحث الميداني والدراسات، والآراء المنبثقة عن جلسات الاستماع للفاعلين، يتضمن تقييما لمسار تطبيق دعامات الميثاق، وسيما في مجالات تعميم التعليم وتعبئة الموارد، وأداء المنظومة التربوية وحكامتها، مع خلاصة عامة حول المكتسبات والمعيقات وتحديات المستقبل. ينتظر جل المهتمين بقطاع التربية والتعليم اليوم ما سيسفر عن مداولات المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي الذي قال إنه وضع خارطة طريق أولية قوامها ثلاثة محاور أساسية تهدف إلى وضع «تشخيص موضوعي ودقيق ومتقاسم من قبل الجميع، وتقديم مقترحات توافقية وواقعية من أجل رد الاعتبار للمنظومة التربوية وإعادة تأهيلها». لقد اختار المجلس الأعلى اعتماد مقاربة تشاركية وتشاورية قامت على فتح نقاش موسع حول هذه القضية الحاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد، من خلال تنظيم جلسات استماع وتشاور مع كافة الفاعلين المعنيين، من أجل تشخيص الوضعية الراهنة لمختلف مكونات المنظومة، وتقديم مقترحات أولية باتجاه إصلاحها وإعادة تأهيلها ورد الاعتبار لها. بالإضافة إلى سلسلة المشاورات الموسعة التي أطلقها عبر موقعه الإلكتروني، حيث وجه الدعوة إلى كافة المواطنين المهتمين بالشأن التربوي والتكويني للمساهمة في إغناء هذا النقاش بمقترحاتهم وأفكارهم. دون القفز على عملية الشروع في تقويم عشرية الإصلاح، أخذا في الاعتبار، إلى جانب نتائج جلسات الاستماع والتشاور المختلفة، أشغال الهيئة الوطنية للتقويم، سيما مؤشرات الأداء والتقويمات الشمولية والموضوعاتية، وكذا التقارير المرجعية لقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، وتقارير الهيئات الوطنية والدولية والجمعيات المغربية المهتمة بجودة المنظومة، فضلا عن الإسهامات الوازنة لمفكرين وباحثين مغاربة وأجانب، وكذا الدراسات والاستشارات القائمة على الخبرة المنجزة من قبل المجلس الأعلى. إنه الملف الأكثر حساسية مع هذا الدخول المدرسي الذي يفترض في المجلس الأعلى للتعليم الذي استكمل هياكله، أن يقدم خلاصاته ربحا للوقت بعد أن عاشت المدرسة المغربية في الموسم الماضي بدون بوصلة بعد أن توقفت جل مشاريع المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم. ولأن من أهم ملفات هذا الإصلاح ما يسمى بمهن التعليم، فالضرورة تفرض إيلائه العناية اللازمة لكي يضطلع المعنيون بالأمر بمهامهم لإنجاح كل مخطط إصلاحي. غير أن دخول ملف الرفع من سن التقاعد الذي سيشمل بدرجة أولى المشتغلين بقطاع التربية والتكوين، هذا المنعرج الذي أخرج النقابات عن صمتها، قد يكون حجرة عثرة في وجه إصلاح منظومة التربية والتكوين التي تحتاج لانخراط الجميع في تنزيلها.