هل مازال ممكنا القول إن حزبا جديدا هو دمٌ جديد في شرايين المشهد السياسي المغربي، في الوقت الذي يكاد يتفق فيه كل الفرقاء السياسيين على أن تقليص عدد الأحزاب هو المدخل الرئيسي لعقلنة المشهد السياسي؟ مناسبة هذا السؤال هو انعقاد المؤتمر التأسيسي لحزب «الديمقراطيون الجدد» يوم السبت 13 شتنبر الجاري وما أثاره ذلك التأسيس من أسئلة. يحيلنا جرْس «الديمقراطيون الجدد» على «اليسار الجديد» الذي ظهر في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، طبعا مع وجود العديد من الفروق بين التجربتين: التجربة الثانية -«اليسار الجديد»- خرجت من رحم اليسار التاريخي، يسار الحركة الوطنية، احتجاجا على «تيامنه»، فكان انتقادها له ولنظام الحكم واضحا وجذريا. التجربة الثانية -«الديمقراطيون الجدد»- وإن لم تخرج من رحم الأحزاب الديمقراطية فقد انتقدتها. لكن، بدلا من تقف على يسارها، وتبدأ من حيث توقف مشروعها الديمقراطي، فتطالب بدستور ديمقراطي يكون أساس الملكية البرلمانية، وتذكر الدولة بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان... اختارت أن تصطف خلف المعارضة «المريضة» وتنتقد الحكومة في الهامش الضيق الذي تحكمه، وتصمت، بالمقابل، عمّا يدور داخل المؤسسات التي توجد خارج المراقبة والمحاسبة. في هذا السياق، وعلى هامش حديثه عن الحزب الجديد، كال محمد ضريف نقدا لاذعا لحكومة بنكيران، في الوقت الذي قال فيه إن «هناك الكثير من المبالغات في الحديث عن حكومة الظل والمخزن كمؤسسة موازية للدولة». حزب «الديمقراطيون الجدد»، وبغض النظر عن صحة النقاش الذي أثير عن ارتباطه بمشروع سياسي سابق عليه (الأصالة والمعاصرة) أو استهدافه لمشروع سياسي آخر (العدالة والتنمية)، فهو حزب اقترن باسم محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية، الذي قرّر وفكّر وحضّر للحزب. وعندما بدأت تخرج إلى العلن أسماء بعض القياديين، كان أول هذه الأسماء وأبرزها اسم مصطفى الموزوني، والي أمن الدارالبيضاء، الذي ارتبط، سياسيا، بالتدخل العنيف الذي تعرضت له حركة 20 فبراير يوم 13 مارس 2011! بالعودة إلى التاريخ السياسي الحديث، نجد أن أبرز الأحزاب التي ارتبط تأسيسها بأشخاص، وحققت اكتساحا انتخابيا ونفوذا سياسيا، ارتبطت بشخصيات في السلطة: «الفديك» ارتبط بمدير الديوان الملكي أحمد رضا اكديرة؛ والتجمع الوطني للأحرار بالوزير الأول احمد عصمان؛ والاتحاد الدستوري بالوزير الأول المعطي بوعبيد؛ والأصالة والمعاصرة بالوزير المنتدب في الداخلية فؤاد عالي الهمة. أكيد أن ضريف ليس من هذه الطينة من السياسيين؛ لكن سؤال: «من يقف وراء ضريف؟»، الذي طرحه العديد من المتتبعين، يستمد مشروعيته من هذا المنطلق، فتمويل وتأسيس وإنجاح «أحزاب الأشخاص» كان دائما مقرونا بإرادة ودعم السلطة لها ولهم؛ فهل ينجح ضريف في تكسير هذه القاعدة بالاستناد إلى السلطة المعرفية للنخب الأكاديمية التي جعل منها قاعدة «الديمقراطيون الجدد» الصلبة، بديلا عن أية سلطة سياسية أو مالية؟ سيظل هذا ممكنا، طالما أن هذه النخب استعملت سلطة المعرفة للارتقاء بالخطاب السياسي من الشعبوية والتبعية، معا، وأنتجت خطابا سياسيا نقديا مستقلا عن الدولة، وأسست تنظيما سياسيا حديثا وديمقراطيا، ووضعت طموحاتها الشخصية إلى جانب طموحات كل المغاربة، ولم توظف الحزب للتسلق الاجتماعي اللامشروع، وتحلت بنفس طويل لأن السياسة، كما قد يغيب عن البعض، تنافس وصراع ومد وجزر في النتائج والمكاسب. وسيكون من الخطإ القاتل أن تسقط قيادة الحزب الجديد في تأثيث صفوفها بعدد من النخب الشابة، بدل إشراكها في اتخاذ القرار وتقاسم المسؤولية، ديمقراطيا، لأن ما عجل بنهاية عدد من الأحزاب التي تأسست في العقدين الأخيرين، وانفتحت على عدد من النخب غير المسيسة، هو رفعها شعارات كبيرة عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والحداثة، في حين كانت الأهداف الحقيقية، الخفية، لمؤسسيها انتهازية ضيقة. على سبيل الختم، وبالنظر إلى شعار المؤتمر التأسيسي: «قليل من الإيديولوجيا وكثير من النجاعة والفعالية»، يبدو محمد ضريف واعيا بأن قاعدة «الديمقراطيون الجدد»، المكونة، بالأساس، من أناس اعتادوا على الخوض في السياسية من باب النظرية، ستكون ملزمة بالنزول إلى المواطن للتواصل معه وإقناعه وتأطيره، ثم التنافس في الانتخابات وتحمّل المسؤولية... ولعل الحزب ناجح، إلى حد الآن، في ذلك، من خلال قدرته على إقناع 1000 مغربي، موزعين على 50 مدينة وقرية، بالانتماء إليه والنضال في صفوفه، وإن كان سؤال: كيف استطاعت اللجنة التحضيرية تحقيق ذلك ماليا وتعبويا؟ مازال معلقا حتى بالنسبة إلى الكثير من أعضاء الحزب.