نزهة بركاوي - هيام بحراوي هل جربنا ونحن في صحراء قاحلة صب قطرة ماء من دلو فارغ فوق أجسامنا الجافة التي أحرقتها شمس صيف ملتهبة؟ وهل جربنا محنة فقدان شربة ماء في الصحراء ونحن نصارع الموت؟ فلنجرب الأمر، حتى نتقاسم فظاعة ما يعانيه ملايين المغاربة من قاطني مناطق جفت آبارها وشحت مياهها الجوفية بسبب تعاقب الجفاف الذي تسبب في نضوب العديد من الآبار والعيون، وقد أثرت هذه الوضعية حتى على موارد المياه السطحية، خاصة الأودية، التي تراجعت مواردها بشكل ملحوظ، وأصبح الحصول على دلو أو قنينة ماء يعادل الحصول على شيء لا يقدر بالمال لأنه أضحى يرتبط بالحياة، فغياب الماء يعني الموت البطيء. بعض المغاربة أحبوا فكرة دلو الثلج التي انطلقت من الولاياتالأمريكيةالمتحدة وشاركوا فيها، وهي تحمل مضمون التحدي بهدف جمع الأموال لتنمية البحوث والدراسات اللازمة للقضاء على مرض نادر Amyotrophic lateral sclerosis «التصلب العضلي الجانبي الضموري»، الذي يصيب العضلات الحركية الإرادية كالساق واليد ويضعف مردوديتهما في المراحل الأخيرة كما يصيب الحركية اللاإرادية كالقلب والمثانة. لكن هل جرب هؤلاء المغاربة كيف يقضون يومهم كاملا بلا ماء، أو على الأقل بدون أن تلامس أجسامهم الماء في حر الصيف؟ ما تقوله تقارير منظمة الأممالمتحدة وما يقوله الخبراء يؤكد أن خطرا قادما في صمت سيهدد البشرية جمعاء. إنه خطر «شح المياه». فبسبب التغيرات المناخية والاستغلال المفرط في استعمال الماء، فإن المغرب صار يصنف ضمن الدول المهددة بهذا الخطر. وحسب الخبراء والمهتمين بهذا المجال، فإن المغرب لم يعد بإمكانه الاعتماد على شبكته من السدود الموجودة في مختلف مناطق البلاد، والتي أعطت الكثير طوال السنوات الماضية، بل يجب أن يفرض قانونا يردع المبذرين الذين يستهلكون الماء بطرق غير عقلانية لا تكترث بأهمية هذه المادة التي تباع في دول أخرى كما يباع الغاز والبترول. كما أن المغرب يقع في منطقة تؤكد التقارير والدراسات بأنها ستعاني لا محالة من ندرة المياه مستقبلا، وهي الأزمة التي بدأت تظهر في مناطق مثل زاكورة وأكادير وسيدي إفني وأمزميز نواحي مدينة مراكش ومير اللفت وورززات وشيشاوة والرشيدية ونواحيها. أزمة، يقول الخبراء في المجال، يجب تداركها قبل أن تتفاقم وتصعب السيطرة عليها بالاعتماد على سياسات تتكيف مع الوضع مثل إعادة معالجة المياه العادمة وبناء المزيد من السدود وإعادة تأهيلها مع ضرورة اللجوء إلى فرض ذعيرة على مستهلكي هذه المادة الأساسية للحياة، التي لا يعرف بقيمتها إلا أولئك الذين يقطعون الكيلومترات في رحلات شاقة بحثا عن هذه المادة، بل يقتنون مياه الشرب من مالهم الخاص أو يجبرون على شرب مياه غير صالحة قد تشكل خطرا على سلامتهم، إما لأنها ذات طعم أجاج أو أنها متغيرة اللون بشكل يوحي بأنها ملوثة. كما يطال شح المياه أيضا نواحي أسفي والصويرة والعالم القروي على وجه الخصوص، وحتى المناطق التي تعرف تساقطات ثلجية موسمية معروفة بمناخها الرطب مثل تاونات وميدلت. هكذا ينهك الحفر العشوائي للآبار الفرشة المائية ويتحول إلى تجارة مربحة بالمناطق الجافة يمتلك المغرب حاليا 128 سدا مائيا كبيرا أشهرها سد الوحدة والمسيرة وسد المنصور الذهبي وسد وادي المخازن... وهذه السدود تقوم بوظائف كثيرة في توفير الماء للصناعة والفلاحة وتغذية الفرشات المائية وحصر الفيضانات وتوفير الطاقة.... والمغرب ماض قدما في سياسة بناء السدود مستقبلا حتى يستوفي حاجياته منها بالنظر إلى توفره على أنهار كبرى كواد أم الربيع وواد سبو وواد ملوية...لكن بالرغم من ذلك فإن المغرب ليس بمعزل عن خطر ندرة المياه وشحها مستقبلا بسبب الاستغلال المفرط وغير عقلاني، سواء كان استعمال الماء مقتصرا على الاستعمال المنزلي أو الصناعي أو الفلاحي. فنقص المياه في عدة مناطق في المغرب بسبب قلة الأمطار يدفع المواطنين إلى التنقيب عنها في باطن الأرض، مما يستهدف الفرشة المائية. لهذا نجد بأن التحذيرات كثرت من طرف المهتمين والخبراء البيئيين، الذين يتساءلون عن السياسة المنتهجة من قبل الدولة، وعن فعاليتها في ضمان استدامة الثروة المائية على المغاربة مستقبلا. ورغم تبديد الحكومة جميع التخوفات المطروحة، فهناك فعلا مخاطر تطرح بقوة، خصوصا في المناطق التي لا يصل إليها الماء كالمناطق الجنوبية، التي رغم ذلك قامت بالانخراط في زراعات تحتاج إلى الماء ك«الدلاح» والبطيخ والطماطم... وهو الخيار الذي يعتبر خاطئا حسب البعض، لأنه أدى إلى استنزاف الفرشة المائية، الأمر الذي أدى إلى توالي فترات الجفاف بتلك المناطق، ذهب ضحيته المواطن الذي أصبح يذوق الويلات بسبب قلة الماء، فيقطع بذلك مسافات طويلة قصد جلبه من الآبار. كما أن أغلب سكان الدواوير الواقعة في المناطق المتضررة اضطروا إلى الهجرة بحثا عن الماء من أجل الحياة. فمدينة أكادير، مثلا، التي ذاق مواطنوها هذا الصيف طعم العطش بعدما انقطع الماء لثلاثة أيام على التوالي في أحياء أيت ملول، إنزكان، تيكيوين، الدشيرة، السلام، الداخلة، كانت مثالا حيا على الخطر المحدق بالمواطنين في حال غياب الماء، لأجل ذلك وجبت المحافظة عليه، لأن الخبراء أيضا يركزون في تدخلاتهم على دور المواطن في تدبير الماء بشكل معقلن لأنه ثروة لا تقدر بثمن. الأزمة المائية التي باتت تهدد بعض المناطق الجافة أخرجت مجموعة من الفعاليات المشتغلة بالقطاع الفلاحي عن سكوتها، حيث طرحت المشكل بحدة، وحذرت من غياب سياسة مائية، حيث أعطت مثالا على ذلك بمنطقة سوس ماسة درعة وتحديدا مدينة زاكورة، حيث امتص البطيخ الأحمر عروق الفرشة المائية وحرم سكانها من حقهم في الماء الصالح للشرب منذ شهر يونيو حتى حدود الآن، فضربت موجة العطش السكان. ويقولون إن سوس ماسة درعة فقدت مواردها المائية نتيجة تداخل عاملين أساسيين: أولهما مشكل تصدير المياه الجوفية لإقليم مدينة زاكورة دون استفادة سكان المنطقة. وثانيهما حاجة مشروع الطاقة الشمسية بورززات إلى كمية كبيرة من المياه المتوفرة في سد المنصور الذهبي، والتي تساهم بشكل أساسي في تجديد الفرشة المائية بدرعة وإنعاش الفلاحة المعيشية، مما نتج عن تراجع المخزون المائي بالسد المذكور. تدبير الماء، إذن، يبدأ بعقلنة استعمال الماء في مختلف الأنشطة التي قد تضيعه كبعض الرياضات التي تعتمد على الماء كالسباحة والكولف، وأيضا الضيعات المسقية، التي تبتلع كميات جد مهمة من المياه الجوفية مع استعمال تقنيات الحفر الجد متطورة التي تفقر الفرشة المائية. المياه العادمة وتطهيرها في الشمال يشكل تطهير المياه العادمة وإعادة استعمالها وسيلة حديثة في توفير الماء لتلبية الحاجيات الصناعية ... ففي مناطق الشمال مثلا ومع حلول سنة 2002 استبشر المواطنون في جهة طنجةتطوان خيرا بعد تأكيد شركة «أمانديس» أنها ستقوم بجمع وتطهير المياه العادمة لهاتين المدينيتين قبل قذفها إلى مياه البحر، غير أنه حسب خبراء البيئة في المنطقة فإن هذه المياه العادمة كان لها أثر جد سلبي على شواطئ الجهة الشمالية، خاصة القريبة من المدن، حيث إن هذه المياه كانت تقذف إما مباشرة في الشواطئ أو بطريقة غير مباشرة في الوديان كواد مغوغة وواد السواني، قبل أن تحمل وتقذف في الشواطئ. ويقول مصطفى بن عمر، باحث وناشط حقوقي في البيئة والتنمية المستدامة، إنه تم بناء محطتين للمعالجة: الأولى بطنجة على الشاطئ المحاذي لميناء طنجةالمدينة، والأخرى بمدينة تطوان قرب شواطئ مرتيل، التي بدأت بالعمل منذ 2009، حيث يتم قذف الماء المعالج عبر قنوات طولها 2.2 كلم وعلى عمق يعادل 42 ك في كل من شاطئ سيدي عبد السلام (تطوان) وقبالة ميناء الصيد بطنجة، إلا أن المتتبعين لهذا الشأن يرون أن هناك خلطا للمفاهيم، رغم أن هناك تخفيفا لتأثير المياه العادمة على الشواطئ، إلا أن المياه التي تقذف، لحد الساعة، عبر هذه القنوات، يضيف الخبير البيئي، لا يمكن تسميتها بمياه معالجة، بل تظل مياها عادمة بكل مكوناتها السائلة ماعدا النفايات الصلبة كبيرة الحجم كالرمال والمواد المتشحمة، وهذه العملية لا تسمى، حسب رأيه، بالمعالجة، بل تعد عملية قبل المعالجة. ويضيف أن المواد المذابة الخطيرة والسامة التي تحويها هذه المياه تقذف بدون معالجة إلى البحر، وبالتالي يكون لها تأثير خطير على المنظومة البيئية البحرية وعلى كل ماهو حي في المناطق المجاورة لمكان رميها، كما أنها ستؤثر على الشاطئ نفسه لأن التيارات المائية البحرية ستعيد نسبة كبيرة منها إلى الشاطئ، يضيف الباحث نفسه. وأمام خطورة المواد الناجمة عن المياه العادمة يقول مصطفى بن عمر إن هذه الطريقة لم تعد نافعة لتدبير هذه المياه، حيث يجب أن يكون هناك تطهير حقيقي لها باستعمال الطرق والمعايير الدولية، خاصة أن المغرب مهدد في مخزونه المائي، ومعالجة المياه ستعطي فرصة من أجل إعادة استعمالها في ري المناطق الخضراء في مددنا، وربما ستكون تكاليف تطهيرها أقل من التكاليف التي تبذر في معالجة الماء الصالح للشرب، الذي يستعمل في ري العشب الأخضر. عيون جافة بمكناس في مدينة مكناس ارتبطت مؤخرا أزمة المياه الصالحة للشرب، التي يعاني بسببها العديد من السكان بمجموعة من الدواوير، مع نضوب مجموعة من المنابع والعيون التي كانت تزخر بها المنطقة وتنتشر بها بشكل كبير، حيث كانت تزود أغلب هؤلاء السكان بهذه المادة الحيوية والضرورية في حياتهم اليومية قبل أن تتعرض لجفاف قاتل، وهي تلك المنابع والعيون التي كانت بالأمس القريب ذات جودة عالية تعرف بصفائها وعذوبتها، إلا أنها اليوم تعرضت لسكتة مائية وجفت مياهها، التي كانت بالنسبة للسكان موردا رئيسيا يزودهم بهذه المادة الحيوية طيلة سنوات مضت. كما كان السكان يعتمدون عليها في حياتهم اليومية ويحصلون منها على كميات كبيرة من المياه دون أن يشعروا يوما بنقص أو معاناة. لكن ما حصل لهم اليوم يوحي بأن تلك المنابع والعيون خلفت وعدها مع السكان ولم تعد قادرة على أن تروي عطشهم، لأنها أصبحت جافة وشكلها أصبح هو الآخر حزينا ومقلقا بالنسبة للساكنة. والسبب في ذلك، حسب السكان، راجع إلى الاستنزاف الكبير الذي تعرضت له الفرشة المائية بالمنطقة بسبب الاستعمال المفرط والعشوائي لها من طرف بعض الضيعات الفلاحية، التي انتشرت مؤخرا بشكل كبير بالمنطقة، خصوصا أنها غير مراقبة ولا تحترم شروط استغلال الموارد المائية، بحكم أن بعض أصحابها من ذوي النفوذ ومن علية القوم، يقول السكان. وهذا ما خلف مشكلا كبيرا بالمنطقة تسبب في معاناة كبيرة لمجموعة من سكان المنطقة، الذين يعيشون أزمة حادة مع العطش بسبب ضعف وقلة مياه الشرب. وبالرغم من إحداث بعض السقايات بتلك المناطق فهي لا تكفي لتلبية الطلب بسبب الانقطاعات المتكررة للمياه أحيانا، وبسبب ضعف صبيبها أحيانا أخرى. لذا يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة على دوابهم من أجل البحث وجلب كمية ولو قليلة من المياه، التي قد لا تكفي أحيانا في متطلبات اليوم الواحد، وهذا ما يزيد من معاناتهم، كما هو الشأن بالنسبة إلى سكان منطقة ورزيغة التي لا تبعد عن مدينة مكناس سوى بحوالي كيلومترين من الجهة الشمالية الشرقية. وبالرغم من وجود سقاية بهذه المنطقة فهي غير كافية لتلبية حاجيات ما يفوق 500 منزل يتعدى عدد سكانها 2000 نسمة. لهذا يصنف السكان منطقتهم في خانة المناطق المنكوبة بالإقليم، وأهلها مهددون بالعطش. ويضيف السكان بأن المنطقة كانت تعرف بكثرة مياهها، التي كانت تشق أغلب الحقول والمزارع بالمنطقة، وكان منبع قمة ويسلان المعروف بمكناس بأنه أحد الموارد الرئيسية لهذه المياه، التي ساهمت في وفرة مياه مجموعة من العيون، التي كانت منتشرة بالمنطقة بشكل كبير، لكنها اليوم جفت ولم يبق سوى مكانها. من جهة أخرى، يشكو هؤلاء السكان من التكلفة التي فرضت عليهم مقابل الاستفادة من مياه تلك السقاية الوحيدة، حيث أجبرتهم الوكالة المستقلة للماء والكهرباء على أداء مبالغ مالية عن كل كمية يتم الحصول عليها من تلك السقاية، حيث فرضت عليهم أداء مبلغ 10 سنتيمات عن كل 5 لترات من المياه. معاناة أخرى يعيشها سكان منطقة شرقاوة، التي توجد على بعد حوالي 70 كيلومترا من مدينة مكناس وتوجد بها حوالي عشرة دواوير لا تختلف عن معاناتهم عن معاناة المناطق الأخرى بالإقليم، حيث هي الأخرى تعيش وضعا مقلقا بسبب ندرة مياه الشرب وقلتها. وبالرغم من إحداث سقاية بالمنطقة فإنها هي الأخرى لا تكفي لتلبية متطلبات الساكنة التي تضطر إلى قطع مسافات طويلة تتراوح ما بين 10 و15 كيلومترا من أجل الحصول على كمية ولو قليلة من مياه الشرب، مما يجعل أغلبهم يعاني أكثر ليعود وينتظر دوره بالقرب من هذه الساقية. ومدة الانتظار تفوق أحيانا نصف ليلة أو أكثر، حسب السكان. وهذا كله من أجل الحصول على كمية قليلة من مياه الشرب مقابل أداء مبلغ 20 سنتيما عن كل 5 لترات، حيث يتولى استخلاص هذه المبالغ حارس تم تعيينه من أجل القيام بهذه المهمة من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. أما عن سكان منطقة بني نعيز، التي توجد على بعد حوالي 70 كيلومترا من مدينة مكناس من الجهة الشرقية، فإن معاناتهم لها قصة أخرى سببها عدم أداء مستحقات الاستهلاك المسجلة على العداد الخاص بالسقاية الوحيدة بالمنطقة من طرف الشخص الذي كان مكلفا بهذه المهمة، مما جعل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يقوم بقطع المياه على هذه السقاية، مما سبب في حرمان الساكنة من هذه المادة الحيوية، حيث يضطر أغلب السكان إلى قطع أكثر من 30 كيلومترا في اتجاه واد سبو لغاية الحصول على مياه الشرب. كما يلجأ البعض الآخر إلى استعمال مياه بعض العيون التي تعد غير صالحة للشرب، فيما يلجأ بعض الأشخاص الميسورين إلى المحلات التجارية من أجل شراء كميات كبيرة من المياه المعدنية والمصنعة تكفيهم لمدة طويلة. وقد طالب السكان المتضررون التدخل العاجل قصد تحسين ظروف عيشهم والعمل على توفير هذه المادة الحيوية والضرورية في حياتهم اليومية، وإلا سيضطرون إلى ترك منازلهم ومغادرتها إلى وجهة أخرى قد لا يشعرون فيها بمثل تلك المعاناة التي يعيشونها اليوم. شرفات أفيلال *: المياه الجوفية ستنفد يوما ما ولن يكون هناك «بطيخ ولا كرموس هندي» دعت وزارة الفلاحة إلى المشاركة في التدبير المعقلن للمياه حفاظا على الثروات المائية - مجموعة من المناطق، خاصة بالجنوب الشرقي للمغرب، زاكورة نموذجا، تشهد موجة «عطش» حادة واضطرابات في التزود بالماء أين يكمن المشكل؟ الاضطرابات التي تتحدثون عنها هي اضطرابات محدودة في فترة الصيف بعدة مناطق في المغرب. نحن واعون بمشكل ندرة المياه الذي تعانيه منطقة زاكورة على وجه التحديد وموجة العطش التي تضرب المنطقة. زاكورة تعاني من جفاف هيكلي نظرا لأن مواردها المائية محدودة جدا والتساقطات تراجعت بشكل ملحوظ، حيث إن المنطقة شهدت جفافا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وهي ليست منطقة ساحلية ولا تتوفر على سدود مائية. أنا شخصيا يؤرقني هذا الوضع، وما يعانيه سكان المنطقة عموما هو معاناة لنا أيضا ولن نقف موقف المتفرج، فنحن بصدد إيجاد حلول عاجلة وآنية لمنطقة زاكورة حتى ينعم سكانها، كغيرهم، بحقهم في مياه للشرب. المشكل في زاكورة هو شح المياه السطحية، وجزء كبير من الموارد الباطنية فيه مشكل الملوحة مما يتطلب تقنيات خاصة. كما أن بعض الفلاحين ينهكون الفرشة المائية من خلال بعض الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة جدا من الماء، وهنا ندعو وزارة الفلاحة إلى المشاركة في التدبير المعقلن للمياه حفاظا على الثروات المائية، من خلال توعية الفلاحين بالبحث عن زراعات بديلة عوض التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وتنهك الفرشة المائية من قبيل زراعة البطيخ، علما أن الأولوية هي للماء الشروب وليس استغلال مياه عذبة في الري. - ماهي هذه الإجراءات التي أنتم بصدد اتخاذها بشكل مستعجل؟ الوزارة بصدد اتخاذ تدابير عاجلة وآنية لإنقاذ المنطقة وتزويد السكان بهذه المادة ونحن الآن نشتغل عليها، فما تعانيه منطقة زاكورة لا يحتمل التأجيل وهي إجراءات على المدى المتوسط وأخرى على المدى البعيد لحل مشكل الماء في منطقة درعة. في ما يتعلق بالمدى المتوسط، نحن بصدد بناء سد بالمنطقة لتأمين حاجيات السكان من الماء. كما أن أشغال بناء محطة للمعالجة أشرفت على الانتهاء بغرض خفض نسبة الملوحة في المياه يشتغل عليها المكتب الوطني للكهرباء والماء وستكون جاهزة لاستغلالها أواخر 2014. وقد تم تشكيل فريق خاصا لتعميق البحث عن الماء بسبب ضعف الموارد السطحية. أنا سأنتقل شخصيا في ال16 من هذا الشهر حيث ستعقد لقاءات مع عامل الإقليم والمنتخبين وحتى سكان المنطقة والسلطات المحلية من أجل التوعية بإشكالية الماء، حيث إن الجميع يجب أن يكون واعيا بخطورة الوضع الذي يتطلب ضرورة التدبير بشكل معقلن، فالحلول التي نحن بصددها غير كافية والحل بيد الجميع من أجل الحفاظ على هذه المادة، وعلى رأسهم فلاحو المنطقة نظرا لمحدودية الموارد وهذه الأنشطة لا يمكنها أن تستمر، فالأكيد أن المياه الجوفية ستنفد يوما بشكل نهائي و«لن يكون هناك بطيخ ولا كرموس هندي». - هل يمكن أن يتم فرض «ضريبة خاصة» على كل استهلاك مبالغ فيه؟ لا يمكن، لأن الماء يخضع لقانون الملك العام المائي الذي ينظمه قانون خاص، والذي يقوم على مبدأ الملوث يؤدي والمستهلك يؤدي، ونحن في المغرب نطبق مبدأ المستهلك يؤدي، لكن مبدأ الملوث يؤدي لم يفعل بعد. فمن يستهلك 1000 لتر يؤدي 2 سنتيم وهو رقم ضعيف جدا مقارنة مع الاستهلاك، فالمجانية هي التي تحفز على الاستهلاك. ففي ظل الطلب المتزايد ليس هناك أي حل ناجع باستثناء التدبير المعقلن لهذه المادة. المغرب يتوفر على مخطط وطني للماء حتى نهاية 2030 يتضمن طريقة تدبير هذه المادة بكل منطقة وفق طبيعتها لتفادي تسجيل أي خصاص، إما عن طريق تحلية مياه البحر أو معالجة المياه أو إنجاز سدود مائية أو إعادة معالجة المياه المستعملة، وهو مخطط جاهز سيتم عرضه على المجلس الأعلى للماء والمناخ في دورته العاشرة. نتمنى من الله أن يرحمنا أولا وأخيرا وأن تسجل تساقطات مطرية مهمة أما الحلول المقدمة فتبقى «غير كافية». * الوزيرة المنتدبة لدى وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المكلفة بالماء زاكورة.. عاصمة الفقر والهشاشة والعطش الماء يتحول إلى تجارة مربحة و«مقاولون» ينقبون عنه كأنهم يبحثون عن «آبار الغاز» احتجاجات مستمرة، ومواطنون عطشى عجزوا عن السيطرة على هدوئهم «الثائر» داخليا، فقرروا النزول إلى الشارع من أجل الاحتجاج وإبلاغ أصواتهم إلى جهات مسؤولة ربما تحركها عاطفة نبيلة لفهم واقع معاناة مواطنين فقراء لا يطالبون سوى بمياه للشرب و«لهم كامل الحق في ذلك» وهم يحملون لافتات خطت عليها عبارات «الماء يساوي الكرامة». النموذج نستقيه من زاكورة عاصمة الفقر والهشاشة، كما يراها أبناؤها. سكان المدينة لا يطالبون بحدائق ولا بمرافق اجتماعية وترفيهية، هم فقط يطالبون بتوفير مياه للشرب عوض «مياه متسخة» ذات طعم مر كتلك التي تجود بها صنابير منازلهم، والتي مع ذلك غير متوفرة باستمرار، بل إن صبيبها الضعيف جدا يتوقف عن «التقطير» عدة ساعات تجعل السكان يخرجون في رحلات شبه يومية لجلب الماء من آبار مجاورة وبمالهم الخاص مع أنهم يؤدون قيمة فواتير الاستهلاك. حي أسرير نموذج مصغر لمعاناة حاضرة زاكورة. سكان هذا الحي وغيره من الأحياء نظموا العديد من الوقفات والمسيرات احتجاجا على الانقطاعات المتكررة لماء الشرب، مع ما يرافق ذلك من معاناة مع رحلات البحث عن ماء صالح للشرب. المحتجون قطعوا جزءا من الشارع الرئيسي بمدخل المدينة بعدما وضعوا العديد من قنينات جلب الماء والبراميل لرسم صورة واضحة عن هذا الوضع اليومي. كما رددوا شعارات منددة بما وصفوه ب«الإهمال»، وتهرب السلطات المحلية من تحمل مسؤوليتها بهذا الخصوص. مهنة جديدة باعة متجولون من نوع آخر هم «كرابة» دورهم جلب مياه الشرب من آبار من خارج المدينة، إما عبر براميل من الحجم الكبير أو في قنينات أو عن طريق صهاريج. المياه تباع لسكان المدينة بأثمان مختلفة. فبيع المياه أضحى اليوم تجارة مربحة، بل إن البعض بدأ يستثمر في هذا المجال من خلال حفر الآبار التي تكون مياهها صالحة، وإن حالفه الحظ في ذلك يكون قد اهتدى إلى ثدي يقطر عطاء ويدر عليه ربحا وافرا. مصادر من المنطقة أكدت أن أشخاصا متخصصين أقرب إلى «المقاولين» فطنوا إلى أزمة الماء بزاكورة وأخذوا يبحثون عن المياه وكأنهم يبحثون عن آبارا للنفط لمعرفتهم المسبقة بما ستدره عليهم من أرباح. مئات سكان القرى والبوادي على الخصوص والجماعات القروية بمنطقة زاكورة «يتعقبون» قطرة ماء «حلوة» لسد عطشهم في رحلة بحث شاقة يومية في البحث عن مياه الشرب. رحلة لا يستثنى منها حتى سكان مركز المدينة، تقول المصادر ذاتها، نظرا لأن مياه شبكة الربط بالماء في المنازل غير صالحة للاستهلاك، تزامنا مع موجة حر تشهدها المنطقة والتي تقارب الخمسين درجة. شح المياه، بل انعدامها في بعض المناطق، هو مشكل قديم جديد بالنسبة إلى منطقة زاكورة، التي يقول بعض سكانها ل«المساء» إنه من سابع المستحيلات أن يشربوا قطرة ماء صافية ما لم يتزودوا بقنينات المياه المعدنية من المحلات التجارية التي تعرف إقبالا منقطع النظير إلى حد أن القنينات المعدنية قد تنفد من تلك المحلات، مقارنة بمناطق أخرى بالنظر إلى الحاجة الملحة، ونظرا للخطورة التي يشكلها استهلاك المياه المالحة على صحة السكان، على الرغم من الميزانية المكلفة بالنسبة إلى المواطنين، الذين ينتمون في الغالب إلى طبقات جد متوسطة، بل إن غالبية سكان المنطقة هم فقراء لا يملكون القدرة لاقتناء قنينات الماء حفاظا على سلامتهم الصحية من أخطار استهلاك مياه يشككون في خلوها من الأخطار، ومع ذلك كثير منهم، خاصة مرضى القصور الكلوي، يقتنون المياه المعدنية على حساب حاجيات وضروريات أخرى ملحة. ماء أجاج عندما تنعدم الإمكانيات ويتكالب الفقر والحرمان تشتد المعاناة. هذا بالضبط هو حال آلاف الأسر بنواحي زاكورة، وحتى بمركز المدينة، فعجز الكثيرين عن شراء الماء يجبرهم على استهلاكه رغم ملوحته. الوضع صار أكثر قسوة على سكان القرى حيث الشمس الحارقة ولا نبت ولا شجر سوى رمال ملتهبة يصعب الترجل عليها، ومع ذلك فأجساد الزاكوريين تتحمل وتستمر رحلاتهم في البحث عن الماء وقطع مسافات طويلة للتزود به إما على متن سيارات إن توفرت أو عبر عربات مجرورة أو على ظهور الدواب. ويتم قطع عشرات الكيلومترات أحيانا لجلب هذه المادة، رحلة بحث تتم تحت أشعة شمس حارقة مرة أو مرتين أو ثلاثة في الأسبوع تقريبا، تقول مصادر من نواحي زاكورة، وتكلفهم سنتيما واحدا للتر، فيما سكان آخرون يعجزون عن التنقل يلجؤون إلى خدمات سيارات متخصصة في المجال تنقل المياه إلى مكان معين معلوم لدى السكان مقابل درهم واحد للتر. وأكدت مصادر ل«المساء» أن مختصين في بيع المياه للعموم يبيعونها بسعر درهم واحد للبرميل من حجم 5 لترات في عدة مناطق بالإقليم. وكلما شحت المياه كلما ارتفع السعر. وفي هذا الصدد يقول مصدر ل«المساء» إن جمعية بأحد الدواوير البعيد عن مدينة زاكورة بحوالي 10 كيلومترات أصبحت تنفرد باستغلال بئر تتوفر على مياه عذبة وتتوفر فيه الشروط الصحية بما فيها مذاقه الحلو، حيث إن الأخيرة تفرض على كل من يرغب بهذه المادة الحيوية أداء 0.25 سنتيم لكل 5 لترات من أجل أداء فاتورة الكهرباء التي تستعمل لجلب المياه من البئر المذكورة. ربما سكان مركز تاكونيت أوفر حظا من غيرهم حيث يعتمدون على جمع المياه في «مطفيات» وهي مياه يجود بها واد درعة عندما يسمح لهم بذلك من طرف الجهات المسؤولة. أما بخصوص مياه الشرب فيظل الحال مشابها بالنسبة إلى باقي سكان منطقة زاكورة، حيث يستفيدون منه مرة واحدة في اليوم لمدة ساعة واحدة. محاميد الغزلان على الحدود المغربية الجزائرية وكذا دائرة أكدز وتيزارين حيث المياه ذات طعم أجاج يدعو الوضع إلى القلق، حيث إن شح المياه يعد من بين أكبر المشاكل التي تعاني منها المنطقة منذ عقود، بل إن الوضع يسير نحو الأسوأ. وشح المياه يشكل السبب الرئيس في ارتفاع نسبة الهجرة القروية نحو مناطق أخرى. وما يؤكد تعقد الوضع هو أن قلة المياه نتج عنها تحرير محاضر قضائية بعدة مناطق بزاكورة في حق بعض الخارجين عن القانون الذين سولت لهم أنفسهم قطع الماء عن مواطنين آخرين، والسبب أن صبيب الماء الذي يصلهم ضعيف جدا نظرا لكثرة الضغط والطلب وقلة المياه. لا زرع ولا نخيل الجفاف ونضوب الوديان والفرشات المائية كانا سببا رئيسيا في تراجع الأنشطة الفلاحية، ففي تاسمينخت اضطر عدد من الفلاحين من أصحاب الضيعات الفلاحية التي كانت تزخر بكل أصناف المزروعات، ابتداء من النخيل والخضروات والفواكه والبقوليات، إلى وقف أنشطتهم بشكل نهائي، بعد أن صار يستحيل عليهم توفير كميات كبيرة من المياه من أجل السقي وكذا تربية المواشي، إذ يجد الفلاح صعوبة كبيرة جدا في جلب المياه، التي ستكلفه طبعا المزيد من النفقات. فعاليات جمعوية بالمنطقة تساءلت عن دور السلطات المسؤولة للحد من معاناة مواطني المنطقة، فمع استمرار هذا الوضع وفي غياب أي تدخل أو مساندة صار أمر إخلاء المنطقة واردا جدا نظرا لارتفاع الهجرة القروية نحو مدن أخرى، والسبب مشكل ندرة الماء الهاجس الأكبر الذي يؤرق بال سكان جميع دواوير الجماعات القروية في منطقة زاكورة هو الحصول على قطرة ماء صالحة للشرب، فشبح العطش أصبح يخيم على الجميع ويناقش في كل مكان، بل أصبح واقعا يهدد المنطقة بأكملها. ويعد هذا النقص في المياه من بين أكبر المشاكل التي تعاني منها زاكورة بشكل يومي منذ سنوات، فأزمة الماء ليست وليدة اللحظة بمنطقة تعرف توالي سنوات الجفاف، وإنما هي أزمة دائمة استمرت منذ عقود، وتزداد خطورة في ظل التزايد الديموغرافي ونضب المياه في المنطقة. مصادر جمعوية قالت إن ما يثير الاستغراب هو «تقاعس الجهات المسؤولة على المستوى الإقليمي والجهوي والمركزي في حل هذه الأزمة أو على الأقل خلق مبادرات للحد والتخفيف من خطورة الوضع»، حيث يتم تجاهل مطالب السكان الذين يخرجون في رحلات بحث يومية عن مياه للشرب وبإمكانيات جد محدودة. يشار إلى أن «المساء» سبق لها أن نشرت تصريحا لمسؤول بالمنطقة أكد فيه أن مياه الشرب بزاكورة مالحة الطعم، غير أنه لا يمكن اعتبارها «غير صحية» لأنها تخضع لمعايير الجودة.