جمعية بييزاج للبيئة والثقافة : العطش يهدد سكان المنطقة والاقتصاد الفلاحي مقبل على الإفلاس حفر الآبار دون اكتشاف أية قطرة للماء تدفع بفلاحين لتغيير أنشطتهم المرتبطة بالأرض قامت جمعية بييزاج للبيئة والثقافة بأكادير في إطار تواصلها مع المواطنين حول القضايا البيئية والتنموية، بزيارة ميدانية لتفقد أوضاع بعض الفلاحين الصغار بمنطقة سبت الكردان والكفيفات اشتوكة أيت بها، حيث وقفت على وضعية الماء بالمطفيات والآبار، ورصدت ظاهرة العطالة وتحول نشاط اغلب الفلاحين الصغار الذين أصبحوا تجار ماشية أو سائقي شاحنات. في هذا السياق، قامت جمعية بييزاج للبيئة والثقافة، بالاستفسار حول أسباب تغيير الفلاحين الصغار لأنشطتهم المرتبطة بالأرض، واستهدفت بأسئلتها حوالي 30 فلاحا صغيرا يقطنون قرى ودواويرتابعة لجماعة الخنافيف، يملك كل واحد منهم أقل من عشر هكتارات من الأراضي، وقد التقتهم بدوار البراكيك البحرانين، وهو دوار يقع على الطرف الشمالي للطريق السريع أكاديرتارودانت. وقد صرح هؤلاء الفلاحين بكونهم تخلوا عن أنشطتهم الفلاحية بسبب قلة الماء الذي أصبح شبه منعدم و البحث عنه مكلف للغاية ودون نتيجة، بحيث يتم حفر الآبار على عمق 120 إلى 180 مترا، دون اكتشاف أية قطرة للماء وهو ما يعرف في قاموس الفلاحين بالوصول إلى (الحجرة الكحلة) أو الصخور السوداء، وهو دليل على عدم وجود الماء. نفس المعطيات تميز منطقة اشتوكة ايت بها المحاذية للأطلس الصغير، مما يؤشر على نضوب الموارد المائية الجوفية بهذه المناطق، نظرا للضغط الذي خضعت له الفرشة المائية والذي أخذ منحى تصاعديا منذ سنة 2005 والى يومنا هذا، وهو ما ينذر بالخطر الذي أصبح يهدد منطقة سوس ككل بعد ثبوت نضوب الفرشة المائية بمناطق متفرقة من سوس، بكل من اشتوكة وماسة وسهل سوس الكبير، كما أن المؤشرات جد مخيفة ومهولة حول احتياطيات السدود، والتي تمثل فقط 46 بالمئة من حجم المياه المعبئة، بالإضافة إلى أن نسب ترسب الأوحال بها أخذت منحى تصاعديا، وهو ما يتطلب مجهودات مضاعفة لتنقيتها. هذه الوضعية تضع الجميع أمام مسؤولية جمة، نظرا لما يمكن أن تشكل تبعاتها الوخيمة على التماسك الاجتماعي، والأمن المائي الموجه للشروب ولإغراض فلاحية وتنموية واقتصادية، لاتهم منطقة سوس فحسب، بل المغرب ككل على اعتبار أن منطقة سوس هي المزود الأول والرئيسي للسوق المغربية من المنتجات الفلاحية للفواكه والبواكر والخضر، كما أن أي تأثير تتعرض له هذه المنطقة على مستوى الأمن المائي، ينعكس على المستوى الفلاحي والصناعي والتنموي، يضر بالمغرب ككل على مستوى الأمن الغذائي الذي يعد مسألة إستراتيجية للمملكة، مما سيتسبب في المستقبل القريب في ارتفاع أثمان الخضر والفواكه والمضاربات فيها، مما يضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع نسب البطالة وإفلاس الفلاحين وإقفال المؤسسات الاقتصادية والصناعية التابعة بشكل مباشر، أو غير مباشر للقطاع الفلاحي بسوس الكبير، وهو القطاع الرئيسي الذي يساهم في توفير مناصب الشغل ورفع الناتج الداخلي الخام الوطني من العملة الصعبة، دون أن ننسى القطاعات الصناعية المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالاقتصاد الفلاحي بسوس من خلال وحدات التعليب والنقل واللوجيستيك، وهو ما ينذر من وجهة نظر الجمعية، بالخطر الكبير الذي أصبح يهدد منطقة سوس ككل، إضافة إلى عزوف العديد من الفلاحين الكبار الذين عبروا عن رغبتهم التخلي عن النشاط الفلاحي لقساوة الظروف الطبيعية من توال لسنوات الجفاف ونذرة المياه، زد على ذلك المطالب الاجتماعية لعمال الضيعات الذين يلجئون للإضرابات مما يكبد الفلاحين خسائر كبيرة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أثمان المواد الفلاحية في السوق الدولية والأزمة الاقتصادية الدولية والمنافسة الشرسة من دول لها موارد وظروف طبيعية جد مناسبة. وما زاد الطين بلة هو الرغبة في فرض ضرائب على الفلاحين، مما يشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي على المستوى الوطني بشكل مباشر في مناطق تعرف صعوبات كثيرة على المستوى الطبيعي والبشري، والذي حرصت الدولة المغربية منذ استقلالها على تأمينه عبر سياسة السدود ودعم الفلاحين والفلاحة و التي جنبت باعتراف كبار الخبراء العالميين في التنمية واقتصاد الماء، المغرب الجوع والعطش إلى يومنا. وفي تصريح لفلاحين كبار، أفادوا بأن عملية حفر الآبار جد مكلفة لم يعد يقوى عليها الفلاحون الكبار وبالأحرى الصغار، وتعتبر هدرا للأموال بسبب انعدام الدعم وقسوة القروض الفلاحية ونضوب المياه الجوفية بهذه المناطق بسبب عوامل طبيعية وبشرية وتنموية واختلالات سابقة لا ينكرها أي احد. ومعلوم، أن إنتاج الضيعات الكبرى موجه للتصدير الخارجي ودعم الناتج الداخلي الخام الوطني من العملة الصعبة وتوفير فرص عمل موسمية أو مستمرة للساكنة القروية وكذلك الحضرية من خلال الصناعات المرتبطة بها، و أن الفلاحين المتوسطين والصغار يسهرون على تأمين توفير الخضر والمنتجات الفلاحية بالسوق الداخلي، إلا أن هؤلاء جميعا يعانون من ارتفاع تكاليف الإنتاج وانعدام المياه. يذكر أن سوس تحتل الصدارة فيما يخص إنتاج وتصدير الحوامض والبواكر على الصعيد الوطني. إن جمعية بييزاج التي تنبه للخطر البيئي المتمثل في قساوة الظروف الطبيعية الناتجة عن الجفاف والتصحر الذي يهدد الاستقرار بالعالم القروي من خلال العطش ونذرة المياه حيث وصل سعر الصهريج إلى 400 درهما لاتقوى عليه اقتنائه الساكنة القروية المنهكة بالفقر والفاقة والحاجة، تعمل على إيصال صوت الفلاحين بسوس إلى المعنيين بالأمر لتبني خطط استعجالية لإنقاذ الموسم الفلاحي الذي تضرر بفعل الجفاف، وتدق ناقوس الخطر القادم للمنطقة والمتمثل في شح ونضوب الموارد المائية التي تهديد ساكنة تقدر ب 1,7 مليون نسمة- موزعة على خمس عمالات وأقاليم هي أكادير إداوتنان – انزكان أيت ملول اشتوكة أيت بها – تارودانت- وتزنيت - وتهدد منطقة سوس الكبير ككل بالعطش في السنوات الثلاث القادمة، وتهدد المساحات الفلاحية المسقية المقدرة ب 138.844 هكتارا بالتراجع عن الاستغلال، وتزيد من ضغط المناطق الحضرية على الموارد المائية التي تسجل عجزا مستمرا بفعل استغلالها في أغراض فلاحية وصناعية وبشرية كما يتجلى ذلك في التوسع العمراني العشوائي، وضغط الهجرة القروية، وتنامي مدن الأطراف غير المهيكلة، والتي تعرف اكبر نسب كثافة سكانية، وظاهرة توحل العديد من السدود التلية والكبرى كما أن مياه البحر الشديدة الملوحة تهدد بغزو مستمر للمياه الجوفية التي وصلت درجة ملوحة عالية وهو ما يهدد الثروة المائية الجوفية بفعل عمليات حفر الآبار لبناء المسابح الخاصة، والأفران، والحمامات، وغسل السيارات، وسقي المناطق الخضراء بالوحدات الفندقية. وهو ما يستدعي وقفة آنية لتدارس مستقبل الماء بالمنطقة التي وصلت لحد لا يمكن معه الاستمرار في استنزاف احتياطي يكفي لسنوات قليلة فقط، وقد تتحول المنطقة إلى صحراء قاحلة، في حال ما لم يتم تدارك ذلك ببلورة خطط إستراتيجية استعجالية تجنب المنطقة والمغرب مضاعفات غير محمودة العواقب فيما يخص أمنه المائي والغذائي الذي يعد أساسيا بالنسبة للأمن الاجتماعي. ولن يكون ذلك إلا بتفعيل التدابير اللازمة اتخاذها بنهج سياسة مائية عبر تحلية مياه البحر لإغراض فلاحية واستعمال المياه العادمة المسترجعة في السقي الفلاحي وسقي المناطق الخضراء بالمدارات الحضرية وبعدم هدر الموارد المائية عبر إقامة سدود كبيرة وعدم إهدار هذه الثروة في عرض البحر والتي نبهنا إليها في تقارير سابقة خلال السنوات الماضية، وبفتح طريق وحدة وتضامن مائي وطني بتحويل مياه فيضانات شمال المملكة لتروي عطش سكان الجنوب من خلال مشروع وطني ضخم يشارك فيه الجميع.