سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«أذان في مالطا» و«حنظلة في حضن ناجي العلي» يبصمان عروض ثاني أيام مهرجان الفيلم الوثائقي بأصيلة أسعد طه كشف أنه خلال عمله في المغرب واجه عدة تحديات فضل عدم التفصيل فيها
واصل مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي بأصيلة، أول أمس الخميس، عرض الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية، وتضمنت اللائحة 5 أفلام من بينها واحد من إخراج مغربي وهو «أذان في مالطا»، وآخر يمثل ضيف شرف الدورة، فلسطين، وهو «ناجي العلي في حضن حنظلة. أذان في مالطا قد يبدو من المنطقي أن يسعى المرء لسبر أغوار لغة شهيرة كالعربية أو الفرنسية أو الإنجليزية أو حتى الفارسية أو الهندية، لكن أن يقوده شغفه إلى اكتشاف لغة لا يتكلمها إلا سكان جزر متوسطية صغيرة، مثل اللغة المالطية فهذا يبدو غريبا ومثيرا للاهتمام في آن واحد، وهذا هو التحدي الذي رفعته الشابة المغربية «حنين»، بطلة الفيلم الوثائقي «أذان في مالطا»، والذي عرض ضمن أجندة المسابقة الرسمية، كاشفا للمشاهد العربي أسرار لغة شبيهة جدا بلغته. الفيلم الذي أخرجه المغربي «رشيد القاسمي» وأنتجته الجزيرة الوثائقية، يرافق خلال 52 دقيقة، الشابة المغربية حنين، التي تدرس اللغات الشرقية في فرنسا، في رحلتها إلى دولة مالطا، للوقوف على نقاط الالتقاء الكثيرة بين اللغة المالطية التي تتعلمها ولغتها الأصلية العربية، مطلعة عبر هذه الرحلة على ثقافة بلد خضع لمدة طويلة للحكم الإسلامي، قبل أن يخفت فيه صوت الأذان منذ القرن ال13 نهائيا وطيلة 7 قرون كاملة. وتلتقي حنين خلال هذه الرحلة بالباحث المالطي «مارتن»، الذي يهتم بدوره باستكشاف الجذور التاريخية للغة المالطية، حيث يؤكد أن أوجه التشابه بينها وبين اللغة العربية لا تتوقف عند العدد الكبير من الكلمات وأصول المصطلحات المتشابهة أو المتطابقة، بل إن قواعد الصرف والنحو المالطية هي نسخة طبق الأصل من العربية. وللبرهنة على هذا التقارب الكبير، يقوم مارتن المسيحي، وبمساعدة الشيخ السعدي الإمام الفلسطيني المسلم المقيم في مالطا، بوضع ترجمة للقرآن من العربية إلى المالطية، وعند قراءة سورة الفاتحة يتضح مدى التقارب الكبير مع المصطلحات العربية الفصيحة والعامية. فيلم «أذان في مالطا» يقف أيضا على بوادر عودة المالطيين بقوة للثقافة العربية والإسلامية، فبعد 7 قرون من خفوت صوت الأذان نهائيا في هذا البلد، حتى صارت مضربا للمثل في ذلك، وأيضا وسط محاولات حثيثة لسلخ مالطا من جلدها العربي، ستنجح جهود الشيخ السعدي وآخرين معه في افتتاح مركز لتعلم الدين الإسلامي واللغة العربية، وهو مركز يضم مسجدا صدح صوت الأذان منه من جديد. وتقف «حنين» خلال رحلتها على جوانب من الثقافة المالطية المشابه للثقافة العربية، في الحياة الأسرية وفي البادية وفي الطعام والتراث الشفهي، وهي كلها أمور يصر عليها عدد كبير من المالطيين، في مواجهات محاولات الانسلاخ التام من هذه الثقافة. ناجي العلي في حضن حنظلة فيلم آخر بصم عرضه اليوم الثاني من مهرجان أوروبا الشرق للفيلم الوثائقي، وهو «ناجي العلي في حضن حنظلة»، للمخرج الفلسطيني فايق جرادة، وهو فيلم استرجع تاريخ شخصية قاومت الاحتلال بالريشة، ولم ينجح رصاص الغدر في قتل رمزيته. وعبر شهادات كثير ممن عاصروه وعرفوه عن قرب، في مقدمتهم الشاعر الراحل سميح القاسم، يتجلى ناجي العلي من جديد للمشاهد، ناجي الفلسطيني أولا ورسام الكاريكاتور ثانيا، ليعلن أن الأرض الفلسطينية واحدة لا تنقسم، وأن القضية التي خذلها من يجلسون على كرسي القرار، سيظل «حنظلة» و«فاطمة» و«أبو العبد» و»الحلوة» ذات العينين الغريبتين، مؤمنين بها ومخلصين لها. ويسترجع الفيلم جملة من الرسومات القوية لناجي العلي، التي يمتزج فيها ألم الخذلان والهزيمة وأمل البقاء والصمود والسخرية من العدو الواضح المتمثل في إسرائيل والغرب والعدو المتلون المتمثل في الأنظمة المتخاذلة. ووسط هذا الزخم من الرسومات والمواقف والذكريات، يفاجئ سميح القاسم المتتبعين بالاعتراف أنه سبق أن نبه ناجي العلي إلى خطورة رسوماته القاسية، بل إنه طلب منه تفادي بعض الأمور خوفا على حياته، لكن جواب الرسام الفلسطيني كان هو الاستمرار على دربه، رغم أنه كان مؤمنا بأن نهاية حياته ستكون مأساوية كما صورها سميح القاسم، نهاية توقعها بعبارته الشهيرة «لا لكاتم الصوت». ويتوقف الفيلم، أيضا، على شخصية حنظلة، الأيقونة التي صارت أشهر من مبدعها، حسب أحد المتدخلين، ذلك الطفل ذو العشر سنوات فقط، صاحب الشعر الشبيه بالشوك والثياب المرقعة، الذي يدير ظهره للجميع مركزا فقط على مآسي الاحتلال وآلام الهزيمة وأمل المقاومة، التي تخطها رسوم ناجي العلي. حنظلة، حسب الفيلم، هو طفل صغير لا يكبر رغم مرور السنين، صار رمزا لصمود الفلسطينيين ووقوفهم رغم الضعف في وجه كل محاولات الكسر، لكن حنظلة أيضا هو الطفل ناجي العلي الذي هُجّر من قرية «الشجرة» الفلسطينية وهو ذو عشر سنوات، فتوقف الزمن بالنسبة إليه عند ذلك الوقت، ولن يتواصل إلا بعودته إلى وطنه.. فالغدر إن كان قد تمكن من إخراس ناجي الرسام إلى الأبد، فإن ناجي – حنظلة، برمزيته الكبيرة، صار يمثل نموذجا لخلود الإنسان الفلسطيني رغم محاولات الاستئصال. أسعد طه: «هناك تقصير للمشارقة تجاه المغرب وأعمالي فتحت أبوابا لم أكن أتصور أني سأقتحمها اعترف الإعلامي المصري أسعد طه، خلال جلسة حول مساره الإعلامي ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الفيلم الوثائقي بأصيلة، بوجود تقصير من الإعلاميين والمبدعين المشارقة تجاه قضايا المغرب، قائلا إنه حاول جسر هذه الهوة عبر تناوله مواضيع مغربية من زوايا مختلفة عبر برامجه الوثائقية. الإعلامي المصري، الذي اشتهر ببرنامجي «نقطة ساخنة» و»يحكى أن..» اللذان حصلا على نسب مشاهدة مرتفعة عند عرضهما على قناة الجزيرة، كشف أن علاقته بالمغرب يبصمها إعجابه الكبير بما وصفه «التنوع غير العادي» لثقافة البلد، التي تشكل مادة مهمة لإنتاجات وثائقية غنية. ووصف طه إنتاجاته حول المغرب بأنها تشبه قيام شيخ بإنتاج مصنوعات يدوية تقليدية، من أجل أن يوثق للحرفة ويتركها للأجيال القادمة، هذا العمل الذي قد لا ينتبه إليه إلا القليلون حاليا، لكن في المستقبل سيعي الجميع أهميته، مؤكدا أنه سيستمر في إنتاج أعمال حول المغرب كلما بدا له أن موضوعا ما يستحق ذلك. ولم يخف الإعلامي المصري أنه خلال عمله في المغرب واجه عدة تحديات، فضل عدم التفصيل فيها لأنها «أصبحت من الماضي» حسب تعبيره، لكنه في الوقت نفسه اعتبر أنه تمكن من اقتحام أبواب لم يكن يتصور أنها ستفتح أمامه. وكان الإعلامي المصري قد تحدث عن تجربته الإعلامية التي وصفها بأنها كانت مغامرة، حيث إن بداياته في الصحافة كما في الفيلم الوثائقي لم تكن عبر الدراسة الأكاديمية وإنما عبر المزاولة، مؤكدا أن مروره عبر الصحافة المكتوبة ثم الإذاعية ثم التلفزيون، منحه تكوينا هاما مهد لاقتحامه عالم الفيلم الوثائقي. وأبرز طه دور السفر في حياته، حيث إن أعماله الوثائقية قادته إلى عشرات الدول عبر العالم، من جبال التبت وأمريكا اللاتينية إلى أدغال إفريقيا، غير أنه اعتبر أن تجربة تغطية حرب البوسنة طيلة 4 سنوات كانت الأكثر أهمية، حيث عرفته قيمة الحياة وقيمة الموت، وجعلته يحتك مع «العالم الذي اجتمع في البوسنة». وأورد طه أن العمل في الإنتاجات الوثائقية ليس كما يتصوره البعض وسيلة للشهرة أو جني المال، معلقا «هذه المهنة لا تعطي إلا لمن أعطاها»، مضيفا أن متعته كانت هي الاستكشاف واللقاء بالآخرين ومحاولة الوصول إلى قاع تفكير الناس للخروج بإنتاج عميق وغني يبتعد عن لهجة البروباغاندا أو السطحية.