«أخفقتُ في الشعر والكتابة والرسم ولم أوفق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة» ترك الشاعر عبد القادر الحاوفي هذه الجملة، من رسالة طويلة، ووضع حدا لحياته في فندق صغير بمدينة سيدي بنور اسمه فندق المسافرين. هل اختار فندق «المسافرين» عن سبق إصرار؟. أقسى حالات الانتحار هي تلك التي تكون واعية ومرتبة سلفا. أكثرها تبديدا لفكرة ربط الانتحار بالعته والخبل، هي عندما نفكر في الموت ونخطط له ونوقع قرار انسحابنا في نص طويل، ثم نعلق حبلا ونتأكد من صلابته وتماسكه قبل أن نسلمه رقبتنا. هكذا فعل عبد القادر بجرأة قاسية. عندما وضع عبد القادر الحاوفي حدا لحياته، وضع حدا لتجريب إمكانات الشعر. وضع حدا لتيه الشاعر في مجاهيل الشعر، حيث القصيدة محض طريق جانبي. وقف عبد القادر، مثل دوغمائي، متسلحا بيقين قطعي: فشلت في الشعر والكتابة ولم أوفق حتى في حماقاتي الجميلة في حضن الحياة. انتهى. قبل أشهر، كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف، على هامش نقاش جمعه بالشاعرة المغربية وداد بنموسي، على الفايس بوك: «.. هناك أمراً ينبغي أن نرصده في القصيدة المغربية الآن. القصيدة المغربية، الآن، لا تقول شيئاً...»، قبل أن يستدرك: القصيدة العربية، عموما، تعيش انحسارا. لماذا انتحرت يا عبد القادر. لماذا؟ ألمجرد أنك أخفقت في الشعر. ها هم يعلنون أن قصائدهم لا تقول شيئا.. وأن مغنيا تافها يحشد من الجماهير ما لا يحشده الشعراء العرب من الماء إلى الماء. لكنهم يأملون. يحاولون. يجربون. يبكون تارة. وتارات يثملون ويشتمون الحكام والجماهير. ويشتمون أنفسهم ثم يواصلون. عبد القادر يعرف أن الشاعر الذي لا يكون شاعرا في كتاباته وخربشاته وحماقاته.. ليس بشاعر. الشعر قاس في انضباطه المنفلت. فحتى عندما نخطئ يجب أن نخطئ بالشعر. لذلك ربط عبد القادر إخفاقه في الشعر والكتابة والرسم بإخفاقه في حماقاته. هل أحس عبد القادر أن حماقاته أصبحت مجترة ورتيبة؟ لكن، الحياة ليست رتيبة، والدليل انتحار عبد القادر الحاوفي، وهذه الأقلام التي تحركت للكتابة عنه، ونفض غبار اللامبالاة عن قصائده. يقول أنسي الحاج: «الحياة ليست رتيبة. وإليك الدليل: رجل يقتله السكْر وآخر يقتله الهَم ّرجل يقتله الكبت وآخر يقتله الوصال رجل يقتله الخوف وآخر تقتله الشجاعة رجل يقتله البؤس وآخر يقتله الطموح رجل يقتله اليأس وآخر يقتله الانتظار والذي قال إن الحياة رتيبة قتله الانتحار والذي قال إن الحياة ليست رتيبة قتله الجنون فكيف تكون الحياة رتيبة وفيها كل هذا التنوع من ألوان الموت!؟»