يحكي مصطفى الشاهدي الوزاني، المعتقل السياسي السابق، عن بداية مشوار حياته كمقاوم، وكيف تحول من عميد شرطة مكلف بالمواصلات اللاسكلية إلى مدرس للغة العربية لدى البعثة الفرنسية. يعتبر الوزاني الجنرال أوفقير عدوه اللدود وسبب كل محنه التي عاشها بعد اختطافه واحتجازه بدار المقري إلى جانب الصحافي المصري السابق سعد زغلول وزوجة شيخ العرب، ليفر إلى فرنسا ويحمل صفة لاجئ حيث عمل هناك كصحافي وخبير في شؤون الهجرة ومستشار إعلامي بدواوين وزراء فرنسيين. يحكي المعتقل السياسي السابق عن الطريقة التي حصل بها على جواز سفر مزور من أجل الفرار من المغرب في اتجاه إسبانيا، حيث التحق بالمعارضين بفرنسا بمساعدة الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي. في هذا الحوار المطول يروي مصطفى الشاهدي الوزاني قصة اتهامه بالضلوع في ملف الطائرة المصرية المشاركة في حرب الرمال، التي سقطت في قبضة الجيش المغربي وتم اعتقال الضباط السامين الذين كانوا على متنها ومنهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك. خلال إقامته بفرنسا التقى عددا من رؤساء الدول، منهم صدام حسين ومعمر القذافي، كما كان ضمن خلية التفكير الخاصة بالكتب التي ألفها صديقه مومن الديوري المعارض الشرس لنظام الحسن الثاني. كتب عن الوزاني المحامي الفرنسي الشهير موريس بوتان في كتابه الذي يحمل عنوان «الحسن الثاني، دي غول وبن بركة: ما أعرفه عنهم»، حيث ذكره كأحد المختطفين الذين أجرى محاولات بشأنهم من أجل إطلاق سراحهم عندما كانوا محتجزين بدار المقري. - بعد مغادرتك المغرب وطلبك اللجوء وقع انقلاب الصخيرات 1971 الذي كان وراءه بعض الجنرلات منهم امحمد عبابو ومحمد المدبوح، ثم انقلاب 1972 الذي كان وراءه الجنرال محمد أوفقير، كيف تابعت الأمر وأنت في المنفى؟ لقد تابعت الموضوع مثل جميع المغاربة، الذين كانوا يعيشون في المنفى الاضطراري، عن طريق الصحافة الفرنسية والدولية وما كانت ترويه عن الحادث، ولم أستغرب أن يكون الجنرال محمد أوفقير وراء الانقلاب الثاني لأن كل المؤشرات كانت تدل على ذلك لما كنت في المغرب، ومنها أنه كان يكون أفراد قبيلته وكان يسعى لتمكينهم من مراكز القرار. وللإشارة فإنه بعد حادث انقلاب الصخيرات التقيت بمحمد بلحسن الوزاني الذي قدم إلى باريس وقتها وكان لنا حديث طويل ووجدته كما عرفته بالمغرب. - حول ماذا كانت المواضيع التي تحدثتم بشأنها، وماذا بقي راسخا لديك من حديثه؟ أولا، لا بد من التذكير بأن محمد بن الحسن الوزاني جاء إلى باريس بعد حادث انقلاب الصخيرات من أجل علاج يده اليمنى التي أصيبت خلال الواقعة، ورأيته كما كان دائما منشرحا منشغل البال بأمور القومية والوطنية والديمقراطية وكأن المأساة التي عاشها داخل القصر الملكي لم تقلص من قوة شخصيته ولا عزيمته في النضال، وكأن الذي جرى له إلى حد بتر يده شيء عادي ومنتظر، وتحدث عن الأخطاء التي ارتكبها الملك الحسن الثاني حيث وضع ثقته العمياء في الجنرالات الذين هيأتهم فرنسا الاستعمارية وأذنابها الإقطاعيين المغاربة وقال مرة: لا عجب أن تحدث انتفاضات ذلك أن حتى الذين يؤمنون بالعرش الملكي بدؤوا يفكرون في محاولات لتغييره أو لإسقاطه. - وماذا حكى لك عن حادث الانقلاب ؟ أخبرني حينها أن الحادث كان مأساويا بكل المقاييس، إذ أدى إلى مقتل عدد من الشخصيات المدعوة لحضور الحفل الذي أقامه الملك الراحل الحسن الثاني بمناسبة عيد ميلاده، ولم يكن يرغب بداية في حضور الحفل، حيث كان سيقاطعه لأنه كان ضد الاحتفالات المبالغ فيها، غير أنه غير رأيه وذهب بفعل ضغوط مارسها عليه صديقه المرحوم الحاج أحمد معنينو، الذي أقنعه عندما قال له إنه لا يمكن له (أي بلحسن الوزاني) أن يكون زعيما لحزب سياسي هو حزب الشورى والاستقلال ولا يشارك في احتفالات عيد ميلاد الملك، فذهب بدوره لحضور الحفل فحدث ما حدث وأصيب في يده اليمنى ما أدى إلى بترها. - ما كان سبب قدومه لباريس في تلك المرحلة؟ لقد جاء إلى فرنسا من أجل علاج يده المبتورة وقد التقى عددا من الأطباء والاختصاصيين في المجال، وقد رافقته حيث زار بعض الأطباء الأكفاء في محاولة للحصول على يد اصطناعية، وما لاحظته هو أنه كان يكتب بيده اليسرى بشكل عادي تبين قدرته الهائلة على التأقلم مع الوضع. ولكن لم يحقق هدفه بعدما استمع لنصائح الأطباء وشروحاتهم حول شروط توفره على يد اصطناعية، إذ عدل عن فكرته وعاد إلى المغرب. - ما هي هذه الشروط وما سبب عدوله عن الفكرة التي قدم من أجلها لفرنسا؟ ما يحضرني حاليا هو أنه لما سأله أحد الأطباء عما إذا كان يتناول الملح بكثرة كان جوابه هو أنه لا يمكن لأي شخص أن يستغني عن الملح، فأخبره الطبيب أن الملح تسبب مشاكل في الدم وتكون عائقا عند إجراء العمليات الجراحية ودعاه لتجنب استعمالها في الأكل، لكنه اقتنع في النهاية بعدم جدوى زرع يد اصطناعيةلا سيما أنه تعود على الكتابة باليد اليسرى. - من هي الشخصيات الأخرى التي تعرفت عليها بفرنسا؟ من الشخصيات العربية التي كنت أقدرها وأسعد برفقتها الأستاذ المرحوم سالم عزام وهو مصري الأصل بدأ مساره ككاتب وصحافي ملم بالأمور القومية والوطنية وسفيرا للعربية السعودية ثم مديرا للمجلس الإسلامي بلندن، وكنت أزوره كلما ذهبت إلى بريطانيا وكانت له كتب قيمة يطبعها أسلوب هائل بالعربية والفرنسية والانجليزية حول حقوق الإنسان في الإسلام، والدستور الإسلامي وغيرها من الكتب، وكنت ألتقيه أيضا كلما قدم إلى باريس، حيث كان همه الأول هو لقاء مفكرين وغيرهم، وقد زرت برفقته العديد من العلماء منهم حميدو الله، كما كان يطلب مني مشاركته في الاتصال بالفلسطينيين المقاومين ويمدهم بالكتب القيمة وبالمساعدات المالية، ونظمت له من جهتي لقاء آخر مع الكاتب عبد العزيز بن عبد الله الذي كان يقيم عندي كلما زار باريس، كما نظمت له زيارة لمدينة فاس التي كانت في نظره من أهم المدن في العالم العربي والإسلامي. ولقد تمكنت وأنا مقيم بباريس أن ألتقي بالفنان محمد عبد الوهاب الذي كثيرا ما عبر لي عن حبه للمغاربة والمغرب، كما التقيت أيضا بالمغنية صباح وبوردة وغيرهما، كما التقيت بفنانين مغاربة الذين نظمت لهم ما يقارب عشرين حفلا بفرنسا لقيت نجاحا كبيرا وكان من أعز رفاقي الفنان عبد العزير الطاهري من فرقة جيل جيلالة وعبد الوهاب الدكالي وعبد الصمد دينيا وفتح الله المغاري.