أعلنت شركة «بريتش غاز» بعد اكتشافها الغاز في سواحل غزة في العام 2000 في تقرير نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية في 23 مايو من العام 2007 أنها تقدر احتياطيات الحقل المكتشف في العام 2000 بأنها تزيد عن تريليون قدم مكعب من الغاز، أي ما يساوي 150 مليون برميل من النفط، وفي تقرير الأندبندنت الذي نشر في 19 غشت من العام 2003 أعلنت بريتش غاز أنها يمكن أن تضخ من حقل غزة إلى إسرائيل بين 1,5 إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وهو ما يعادل ثلث الاحتياجات الإسرائيلية من الغاز. لكل حرب أهدافها المعلنة وأهدافها الخفية، وقد أعلنت إسرائيل عن أهدافها من وراء حرب الإبادة الهمجية التي خاضتها في الفترة من السابع والعشرين من دجنبر من العام الماضي وحتى السابع عشر من يناير من السنة الحالية، ضد قطاع غزة والتي أهلكت فيها الحرث والنسل والجماد والحيوان وكل أشكال الحياة واستخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة بالإضافة إلى أسلحة جديدة محرمة دوليا لم يكشف عن نوعياتها بعد، ثم أعلنت بعد كل جرائمها أنها قد حققت أهدافها من وراء حملتها، لكنها لم تتعرض على الإطلاق إلى أن هدفا أساسيا من أهداف هذه الحرب يتعلق بالسيطرة على الغاز المكتشف على شواطئ غزة والذي يغطي، كما تقول التقارير الخاصة بشركة «بريتش غاز» مكتشفة حقول الغاز قرب شواطئ غزة، حوالي %30 من احتياجات إسرائيل ، فإذا كان أحد الأهداف الأساسية للحرب الأمريكية على العراق هو السيطرة على منابع النفط وسرقتها كما يحدث الآن، فإني أؤكد من خلال هذه الدارسة التي استغرق إعدادها عدة أسابيع أن أبرز أهداف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هو السيطرة على منابع وآبار الغاز التي تتواجد في سواحل غزة والتي لا يعلم عنها كثير من الناس حتى من أهل غزة إلا معلومات قليلة . تعود جذور القصة إلى شهر نونبر من العام 1999، حينما زار ياسر عرفات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الأسبق لندن، وكشفت بعض المصادر البريطانية وقتها أن دراسات لدى مجموعة «بريتش غاز» البريطانية أكدت على وجود كميات كبيرة من الغاز قبالة سواحل غزة، وتدخل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني آنذاك لدى عرفات وطلب منه التوقيع مع شركة «بريتش غاز» على حق التنقيب و استغلال تلك الآبار مقابل خمسين مليون دولار تمنح سنويا لصالح السلطة الفلسطينية توضع في حساب خاص يخضع لمراقبة دولية وقد أخبرتني مصادر خاصة أن هذا الحساب موجود في أحد البنوك في الأردن ولم يتأخر ياسر عرفات المعروف بمجاملاته عن التوقيع الذي تم في 29 نونبر من العام 1999 في لندن، حيث منح عرفات بصفته رئيسا للسلطة الفلسطينية التي تتبعها سواحل غزة شركة «بريتش غاز» حق التنقيب عن الغاز في سواحل غزة لمدة 25 عاما، لكن لم يمر عام واحد على هذا التوقيع حتى نجحت بريتش غاز في اكتشاف أول بئرين للغاز قبالة سواحل غزة أطلقت عليها اسمي غزة بحري 1 وغزة بحري 2، وقد أكدت لي مصادر «بريتش غاز» هذه المعلومات خلال اتصالات بيني وبين مقر الشركة الرئيس في لندن استمرت ما يقرب من شهر بعدما رفض مكتب الشركة في إسرائيل تزويدي بأية معلومات عن الموضوع وأكد المكتب الرئيس لبريتش غاز في الرد الذي وصلني على أن البئر الأول تم اكتشاف الغاز به في العام الأول، بينما «البئر الثاني أكد على اكتشاف غاز جديد وهام» وقد زودوني بصورة لمنصة الحفر للبئر الأول غزة بحري 1، كما زودوني بخريطة توضح موقع البئرين من شواطئ غزة ومن عسقلان. وكان توني بلير رئيس الوزراء البريطاني قد سعي لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون لإلزامه بحصول إسرائيل على هذه الصفقة التي كانت ستدر عدة مليارات من الدولارات على شركة «بريتش غاز» وعلى الإسرائيليين كمستفيد أول ووحيد من وراء هذا الغاز، مقابل الفتات الذي كان سيحصل عليه عرفات والسلطة كل عام تحت رقابة دولية، إلا أن قيام الانتفاضة في العام 2000 واضطراب الأمور في غزة أجل تنفيذ الصفقة، كما أن سعي شارون للحصول على الغاز من الحكومة المصرية بسعر أقل من سعر بريتش غاز جعله يضغط من أجل الحصول على الغاز المصري بسعر أقل وامتيازات أفضل، على ألا يساعد في وصول أية مبالغ إلى السلطة الفلسطينية، وبالفعل نشرت صحيفة «الأندبندنت» البريطانية تقريرا عن تلك الصفقة في 19 غشت من العام 2003 قالت فيه «إن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون قد أعلن عن معارضته لصفقة غاز غزة متعللا باضطراب الأوضاع في قطاع غزة وأن عائدات الأموال يمكن أن تستخدم في شراء سلاح يمكن أن يستخدم بعد ذلك ضد الإسرائيليين» وهو يرفض إدخال أموال إلى خزانة السلطة الفلسطينية دون أن يعرف فيما سيتم استخدامها، لكن السبب الأبرز كما أوضح شارون هو أن الحكومة المصرية قد وعدته ببيع الغاز لإسرائيل مقابل أسعار رمزية وكانت المفاوضات جارية آنذاك للتوقيع مع الحكومة المصرية، ورغم أن جون فيلد، المدير العام لمجموعة بريتش غاز في إسرائيل، قال في تصريحات نشرتها الأندبندنت البريطانية في 19 غشت 2003 أن شركة «بريتش غاز» تأمل أن يعيد شارون التفكير في خياراته إلا أن شارون مضى في مفاوضاته مع الحكومة المصرية. وبالفعل بعد مفاوضات مطولة تم التوقيع في القاهرة في 30 يونيو من العام 2005 على صفقة طويلة الأجل بين الحكومة المصرية وإسرائيل مدتها خمسة عشر عاما قابلة للتجديد خمس سنوات إضافية، وقد وقع عن الجانب المصري وزير النفط، سامح فهمي، وعن الجانب الإسرائيلي وزير البنية التحتية بنيامين بن ألعازر الذي كان قد التقى الرئيس المصري حسني مبارك قبل التوقيع، ونصت الصفقة على أن تبيع مصر إسرائيل من الغاز 1,7 مليار متر مكعب سنويا اعتبارا من أكتوبر من العام 2006 بإجمالي مقداره 25 مليار متر مكعب من الغاز وذلك حسب المصادر الإسرائيلية وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون آنذاك أنه فضل «شراء الغاز من مصر على شرائه من شركة بريطانية فلسطينية مشتركة خشية استفادة المسلحين الفلسطينيين من عائداته». وكانت إسرائيل قد اضطرت إلى التوقيع على الصفقة مع مصر التي بدأ التفاوض عليها قبل عشر سنوات من توقيعها بعد فشل جهود شركة «إسرامكو» الإسرائيلية في تطوير آبار للغاز اكتشفتها بالاشتراك مع شركة «بريتش غاز» قبالة سواحل عسقلان، حيث طلبت هذه الشركات من الحكومة الإسرائيلية في 29 يناير من العام 2000، وفق تقرير بثته وكالة الأنباء الفرنسية، بالتمهل في توقيع العقد مع المصريين حتى يتم التثبت من جدوى تطوير الحقول قبالة سواحل عسقلان، لكن إسرائيل حصلت على أكثر مما تريده من الحكومة المصرية بعد ذلك، حيث حصلت إسرائيل على الغاز المصري بأسعار أرخص من استخراجه من قبالة سواحل عسقلان، وهذا ما دفع مجموعة من الناشطين المصريين، على رأسهم السفير السابق إبراهيم يسري، إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في القاهرة التي أصدرت حكمها في 18 نونبر من العام 2008 بوقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وبطلان الاتفاقية، لأنها لم تعرض على مجلس الشعب المصري وقالت المحكمة إن قرارا كهذا يجب التصويت عليه في البرلمان «لأن الموارد الطبيعية الوطنية هي ملك للشعب المصري والأجيال اللاحقة ولذلك على السلطة التنفيذية أن تحظى بموافقة السلطة التشريعية قبل اتخاذ قرار كهذا». ورغم صدور حكم في الأول من أبريل من العام 2009 من محكمة الأمور المستعجلة في القاهرة بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري إلا أن ذلك لم ينه المعركة القضائية حول الموضوع، ومن ثم حرصت إسرائيل على إحياء مشروع الحصول على الغاز من آبار سواحل غزة مرة أخرى خوفا من أية عوامل يمكن أن تؤدي إلى منع تدفق الغاز المصري إلى إسرائيل، ولأن غزة تقع منذ العام 2006 تحت سلطة حكومة حركة حماس فإنه يجب التخطيط وفق المنظور الإسرائيلي لكيفية الاستيلاء على آبار الغاز دون الحاجة إلى التفاوض مع حكومة حماس أو الرجوع إليها بل يجب القضاء عليها وإزالة وجودها من غزة ومن ثم يتم تحقيق أهداف كثيرة، فيما يختفي هدف الحرب من أجل الغاز وراء مجموعة من الأهداف المعلنة والتي تشترك فيها بعض دول المنطقة المتحالفة مع إسرائيل. أما فيما يتعلق بغاز غزة وجدواه فقد أعلنت شركة «بريتش غاز» بعد اكتشافها الغاز في سواحل غزة في العام 2000 في تقرير نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية في 23 مايو من العام 2007 أنها تقدر احتياطيات الحقل المكتشف في العام 2000 بأنها تزيد عن تريليون قدم مكعب من الغاز، أي ما يساوي 150 مليون برميل من النفط، وفي تقرير الأندبندنت الذي نشر في 19 غشت من العام 2003 أعلنت بريتش غاز أنها يمكن أن تضخ من حقل غزة إلى إسرائيل بين 1,5 إلى 2 مليار متر مكعب من الغاز سنويا وهو ما يعادل ثلث الاحتياجات الإسرائيلية من الغاز. وبعد شعور إسرائيل أن هناك عقبات داخلية تواجهها الحكومة المصرية قد تضطرها إلى التوقف عن تصدير الغاز إلى إسرائيل أحيت مشروع غاز غزة مرة أخرى ونشرت صحيفة « التايمز البريطانية «في تقريرها المشار إليه في 23 مايو من العام 2008 أن مجموعة «بريتش غاز» على وشك الاتفاق على شروط صفقة تاريخية تقدر بأربعة مليارات دولار لتوصيل الغاز الفلسطيني إلى إسرائيل من الحقول المكتشفة على سواحل غزة، وأن اجتماعا قرر في نهاية مايو من العام 2008 بين ممثلي الشركة البريطانية وممثلين للحكومة الإسرائيلية لدراسة عقد مدته خمسة عشر عاما، وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تود إبرام الصفقة في «أقرب وقت ممكن»، حيث اعترفت الحكومة الإسرائيلية أنها بحاجة إلى مصادر جديدة من الطاقة لمواجهة احتياجات الاقتصاد الإسرائيلي المتزايدة. وقد أكدت لي بريتش غاز ردا على أسئلة أرسلتها إليهم على طلب الحكومة الإسرائيلية تقديم مقترحات لتزويد شركة الكهرباء الإسرائيلية بالغاز وهي الشركة الوطنية لتوفير الكهرباء والتي تمتلكها الدولة، وقامت مجموعة بريتش غاز بالفعل بتقديم اقتراح إلى الحكومة الإسرائيلية لتوفير الغاز من حقل غزة البحري، وأكدت بريتش غاز في جوابها على أسئلتي أنها استأنفت بالفعل المباحثات مع الحكومة الإسرائيلية بعد أن أعلنت عن نيتها في شراء الغاز من حقل غزة البحري وذلك من أجل سد العجز المتوقع في إمدادات الغاز بعد العام 2011. هذا العقد وهذه الصفقة المليئة بالشبهات القانونية والجنائية هي التي جعلت إسرائيل تعجل بحربها على قطاع غزة لأسباب كثيرة معلنه وسبب رئيسي غير معلن هو إنهاء وجود حماس في غزة وإعادة السلطة أو أي طرف يمثل الشعب الفلسطيني يساعدها في السيطرة على غاز غزة بثمن بخس وعبر اتفاق يتم إضفاء الشرعية عليه دون أن تبدو العملية كما هي قائمة الآن عملية سطو على مقدرات الشعب الفلسطيني وثرواته حيث سعى شارون بالفعل إلى إلغاء العقد الموقع بين عرفات وبريتش غاز عام 1999 وصرح في العام 2001 بأن احتياطات غزة البحرية من الغاز تمتلكها إسرائيل. ومن هنا بدأت إسرائيل مخططها لشن حرب الغاز على غزة في العملية التي عرفت باسم «الرصاص المنصهر» في شهر دجنبر من العام الماضي 2008 ، وذلك وفقا لمصادر صحيفة «ها أرتس الإسرائيلية» في عددها الصادر في 27 دجنبر الماضي 2008، وهذا يعني أن قرار شن الحرب جاء بعد أيام من عودة التفاوض بين بريتش غاز والحكومة الإسرائيلية الذي أشارت له صحيفة «التايمز» وأكدته لي بريتش غاز كذلك بشكل غير مباشر في ردها على أسئلتي، وهذا يفسر أيضا سر أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني كانت أحد الصقور التي تقود الحرب لأن وزارتها هي التي أعلنت أنها يجب أن تبرم الصفقة في أقرب وقت ممكن. وقد أشار مايكل تشوسديفسكي في مقال نشره في 8 يناير 2009 على موقع «جلوبال ريسرش» نقلا عن «جلوبس في 13 نونبر 2008» أنه في الوقت الذي انتهت فيه إسرائيل من وضع خطة حربها على غزة المعروفة باسم « الرصاص المسكوب» كانت تتفاوض مع شركة «بريتش غاز»، حيث بدأت مفاوضات جدية في شهر أكتوبر من العام 2008، وفي نوفمبر من العام 2008 أمرت وزارة المالية ووزارة البنية التحتية الإسرائيليتين شركة كهرباء إسرائيل بالدخول في مفاوضات مع شركة بريتش غاز لشراء غاز طبيعي من الحقل البحري لمجموعة بريتش غاز البريطانية، وبالفعل وافق مجلس إدارة شركة كهرباء إسرائيل بقيادة موتي فريدمان على مبادئ الإطار المقترح منذ أسابيع أي بداية التفاوض في شهر مايو كما أشارت التايمز. كل هذه المعطيات تؤكد على أن الحرب على غزة كانت بالدرجة الأولي من أجل الغاز مع تحقيق أهداف أخرى كثيرة كانت هي المعلنة، ومع نهاية الحرب وإعلان إسرائيل عن انسحابها من أراضي غزة بشكل شبه كامل صبيحة تولي الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما مقاليد الرئاسة في العشرين من يناير من السنة الحالية وبعد اثنين وعشرين يوما من الحرب المدمرة، إلا أنها بقيت تحتل سواحلها ويبدو أنها لن تغادرها لأن بها الثروة التي يمكن أن توفر %30 من احتياجات إسرائيل من الغاز، وبالتالي نحن أمام عملية معقدة من الناحية القانونية والأخلاقية تشترك فيها بريتش غاز مع إسرائيل وربما أطراف أخرى متواطئة لأنها تتعلق بثروات الشعب الفلسطيني ومقدراته، وبالتالي يجب أن يتحرك المدافعون عن حقوق الشعب الفلسطيني ورجال القانون الذين يمثلون الشعب الفلسطيني على كافة المستويات السياسية والقانونية الدولية لإيقاف هذه الجريمة الكبرى التي لا تقل عن الجرائم التي ارتكبت في غزة طوال ثلاثة وعشرين يوما من الحرب .