6) بخصوص ما جاء في حوارك من أن إقامة اتحاد مغاربي مرهون باعتراف مغربي "للشعب الصحراوي بحقه في تقرير المصير"، فهذه مغالطة وتغليط لشعوب المنطقة، فمقاربتك هذه تقوم على الإجحاف بالحقوق والحرمان من مستقبل واعد للشعوب المغاربية، وبالتالي كيف يحق لك أن ترهن مصير شعوب المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا إلى ما لا نهاية بمصير كيان مصطنع، والحالة هذه أن الشعوب المغاربية تتوق إلى فتح الحدود وتبادل الزيارات في إطار كيان متكامل اقتصاديا وسياسيا وأمنيا واجتماعيا. كلامك، السيد الوزير، يحيلنا على المعاهدة المؤسسة للاتحاد المغاربي الذي شهد ولادته في مدينة مراكش يوم 17 فبراير 1989 والذي ارتضته طواعية ووقعت عليه جميع الدول الأعضاء، بما فيها دولتك الجزائر. ولا تتضمن هذه المعاهدة أي فصل مما تدعيه أو تريد أن تضيفه، فتصريحاتك منافية لنص وروح المعاهدة، كما لا تؤكدها أية تحفظات على المعاهدة من قبل أي دولة عضو. ولذلك، فإن نية معالي الوزير تتجه نحو تعطيل المسيرة المغاربية والحيلولة دون تحقيق انتظارات شعوب هذه المنطقة وتطلعاتها المشروعة أولا في التواصل ما بينها، وثانيا في الاستفادة من خيرات وثروات المنطقة. ما جاء في حديثك بهذا الشأن هو تعبير عن إرادة متسلطة على الشعوب وماسكة برقابها وأرزاقها لخدمة أجندة عسكرية وحسابات سياسية ضيقة لشرذمة مازالت جاثمة على الشعب الجزائري الشقيق. والدليل على ذلك أن بعض القادة الجزائريين الذين كان لهم توجه مغاربي لقوا حتفهم إما بتصفيتهم سياسيا أو جسديا. وسيادتك لا يعوزك الذكاء من أجل الفهم والاستيعاب؛ 7) المكائد الجزائرية ضد المغرب ظلت متواصلة بكل الطرق المتاحة، من مناوشات عسكرية وعمليات إرهابية هدفها زعزعة استقرار المغرب والنيل من أمنه؛ فالعمليات الإرهابية التي هزت المغرب في شهر غشت 1994، والمعروفة بأحداث "فندق إسني" بمراكش، تبين من التحقيقات التي جرت مع الفاعلين أنها كانت بتدبير خارجي من المخابرات والأجهزة الجزائرية التي استخدمت عملاء لها. المخططون لهذا النوع من العمليات الإرهابية كانوا ينظرون بعدم الرضى إلى المخططات التنموية التي وضعها المغرب في أفق نهاية القرن المنصرم في جميع المجالات؛ وكان همهم هو النيل من استقرار المغرب وإدخاله، على غرار الجزائر، في دوامة من العنف والتقتيل؛ كما كانت النية تتجه إلى إفشال تلك الجهود وعدم ترك المجال للمغرب لاستثمار كل ما من شأنه أن يعزز حضوره الإقليمي ويرفع من مكانته كبلد مستقر ومن فرصه في الاستقطاب السياسي والاستثماري؛ 8) لقد استبعدتم في حواركم، يا سيادة الوزير، إمكانية إقامة علاقات طبيعية مع المغرب ما لم يعترف هذا الأخير "للشعب الصحراوي بالحق في تقرير مصيره". ونحن نتساءل في هذا الصدد: لماذا تستحضر الدبلوماسية الجزائرية هذا المبدأ حينما يتعلق الأمر بملف الصحراء وتعمد إلى تغييبه على الإطلاق في حالات مماثلة مع دول أخرى. وهنا لا يسعنا إلا أن نحيل سيادتكم على "الحالة الكطلانية" في إسبانيا، إذ لم نسمع على الإطلاق أن الدبلوماسية الجزائرية تعاملت مع مدريد بنوع من الحزم في هذا الشأن أو شددت على استحالة إقامة علاقات طبيعية مع جارتها إسبانيا ما لم تعترف مدريد مسبقا بحق تقرير مصير الشعب الكطلاني، بل على العكس من ذلك، سيادة الوزير، لاحظنا أن هناك نموا مطردا للعلاقات الجزائرية الإسبانية، وهي علاقات أكثر من طبيعية. وهنا نتساءل مرة أخرى: أين هو المبدأ الذي تستحضره في علاقتك مع المغرب وتتجاهله مع إسبانيا؟ إنه الكيل بمكيالين: كيل المصالح على حساب المبادئ؛ 9) إن مجاراة النظام الجزائري لإسبانيا لا تقف عند حدود هذه الحالة، بل تتجاوزها إلى ما هو على حساب المغرب. والعداوة الجزائرية هذه تجلت عند نشوب أزمة بين المغرب وإسبانيا عام 2001 على خلفية "جزيرة ليلى".. لقد سارعت حينها العديد من الدول العربية الشقيقة ودول أخرى صديقة إلى الوساطة لنزع فتيل التوتر، ومنها من أيدت المغرب في سيادته على تلك الجزيرة، باستثناء الجارة الجزائر التي كان لها موقف مضاد للمغرب من خلال بيان جزائري أعلن اصطفافه إلى جانب إسبانيا. وقد خاب أمل القيادة الجزائرية حينما نزع فتيل ذلك التوتر. إنه التواطؤ سيادة الوزير، بل هي العداوة التي تحرض على العدوان؛ 10) حينما تتظاهرون، سيادة الوزير، بالتمسك بمبدإ تقرير مصير الشعب الصحراوي وأحقيته في إنشاء دولته، إنما هو مبدأ أريد به باطل ويخفي النوايا التوسعية للنظام الجزائري. والدليل على ذلك هو المقترح الذي تقدمت به بلادكم عام 2001 إلى المبعوث الأممي "جيمس بيكر" بخصوص التقسيم، والقاضي بأن يؤول النصف الجنوبي للصحراء إلى الجزائر، وذلك في إطار الحل النهائي للأزمة، وهذا المقترح يكشف عن النوايا الحقيقية التوسعية للجزائر، وهي ذات بعد استراتيجي، أي أن الغاية منها هي إيجاد منفذ لها إلى المحيط الأطلسي. وهذا البعد الاستراتيجي مازال قائما إلى غاية الآن لدى صانع القرار في الجزائر بتسخير مرتزقتها تحت غطاء تقرير المصير لتحقيق مآربها على حساب سكان إقليم الصحراء؛ 11) من تجليات التحامل الجزائري على المغرب، تلكم الرسالة التي عرضتموها باسم الرئيس بوتفليقة على اجتماع أبوجا عام 2013 والتي تدعو إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتتجاوز اختصاصاتها الأصلية المرتبطة بالإشراف على وقف إطلاق النار، إلى مراقبة وضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية. إن هذا التحرك الجزائري لا تحكمه اعتبارات إنسانية ويخطئ من يوهم نفسه بذلك؛ فلو كان الأمر كذلك لكان أجدر بالنظام الجزائري أن يهتم بشأنه الداخلي وأن يعمل على تحسين الوضعية الحقوقية المزرية للشعب الجزائري. والأمثلة على الخروقات في الممارسة الجزائرية لا تحصى ولا تعد، وهل النظام الجزائري مؤهل لكي يعطي دروسا في هذا المجال، وهو نظام الدولة التي لا تسمح لشعبها بممارسة أبسط الحقوق الآدمية، بل القمع فيها هو سيد الموقف والأداة المستخدمة من قبل الجيش، سواء في غرداية أو في مناطق "القبايل".. على مَنْ بيتُه من زجاج ألا يرشق الناس بالحجارة. فالجزائر، التي تدعو إلى توسيع صلاحيات المينورسو، عليها -يا سيادة الوزير- أن تفسح المجال للمنظمات الإنسانية وللمنظمات الحقوقية لزيارة مخيمات تيندوف، لكنها أبدا لن تفعل لأنها تخشى، إن هي سمحت بزيارة من ذلك القبيل، أن تكتشف تلك المنظماتُ الاضطهاد والقمع والفقر وغياب أبسط الحقوق التي ينبغي توفيرها لمعتقلي مخيمات الخزي والعار؛ 12) كذلك، من بين ما تترصد الدبلوماسية الجزائرية فرص وسبل اقترافه، كما تمت الإشارة إليه، محاولة محاصرة المغرب بنية خنقه وعزله على مستوى بعض اللقاءات الإقليمية ذات الطابع الأمني والعسكري. وأزمة مالي الحالية تشكل محطة من المحطات التي تتوجس القيادة الجزائرية من أن يكون للمغرب حضور وازن ودور رائد في حلها. والأطروحة الجزائرية في محاولتها لاستبعاد المغرب تنطلق من حسابات ضيقة لها صلة بالعداء الذي تناصبه للمغرب في سياق التنافس الذي تروم من ورائه التضييق على المغرب حتى لا يجد له موطئ قدم في المشهد الإقليمي، حيث تسعى الدبلوماسية الجزائرية جاهدة إلى قصر الحضور في هذا الإطار على الدول التي لها حدود مع دولة مالي. هذا الادعاء الجزائري ليس له ما يبرره على أرض الواقع كما تفنده الممارسة الدولية إن على مستوى نزع فتيل التوتر في العديد من البؤر أو على مستوى محاربة الإرهاب، فاعتماد معيار الحدود المشتركة مع مالي لمحاربة الإرهاب أمر مثير للاشمئزاز، وهو غير واقعي ولا يقبل به عاقل، فالولايات المتحدة التي تقود العالم في محاربة تنظيم القاعدة ليست لها حدود مشتركة مع هذا التنظيم، ورغم ذلك فهي تأتي في صدارة البلدان التي تأخذ على عاتقها القيام بهذا الدور. ولذلك، فإن آفة الإرهاب هي آفة دولية وعابرة للحدود كما هي عابرة للقارات. والإسهام المغربي بات ضروريا، سواء في مالي أو في غيرها؛ ولو كان المقياس هو الحدود المشتركة، لما سمح للمغرب بأن يشارك بقواته في حلحلة العديد من بؤر التوتر التي استطاع بفضل انضباط قواته أن يعيد إليها الأمن والاستقرار؛ ونذكر من ذلك، على سبيل المثال، مشاركة المغرب مع الجيوش الأممية في نزع فتيل الأزمات في كل من إقليم شابا بالزايير عامي 1961 و1978، وفي يوغسلافيا السابقة عام 1996، ومؤخرا في الكونغو. وإذا كانت هذه المساهمات المغربية في حفظ السلم والأمن الدوليين قد تمت بطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك بإلحاح من الدول المعنية مباشرة بتلك الأزمات، فكيف يحق لبلدك، يا سيادة الوزير، أن يبتكر معايير لا هم له سوى إقصاء المغرب من أي حضور وازن، بل التوجس منه وكأن الأمر لا يتعلق بمحاربة آفة الإرهاب التي يشكل فيها تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" واحدا من التنظيمات المهددة لدول الجوار وغيرها. سيادة الوزير، نأسف لكون قائمة الرياء والعداء طويلة، ونحن ننهيها بطلب توضيح من سيادتكم حول حدث استعصى علينا فهمه، وهو ما علاقة إحراق العلم المغربي بانتصار منتخب الشعب الجزائري على المنتخب الكوري في كأس العالم، وإهداء ذلك الانتصار إلى قيادة البوليساريو؟ إليكم مني السؤال، وأنا وكل المغاربيين في انتظار الجواب عنه منكم. ولا أريد، معالي الوزير، أن أزرع اليأس في نفوس المغاربيين وأنبئهم بأن فرص تنزيل وتفعيل الاتحاد المغاربي تكاد أن تكون منعدمة مع استمرار فئة عسكرية متحكمة لا تريد الخير لشعبها، فكيف ستريده للشعوب المغاربية، وهي الفئة التي طبقت لحما واكتنزت شحما بفضل عائداتها المقدرة بأرقام فلكية من النفط والغاز والمسلوبة من الشعب الجزائري لكي تودع في خزائن وحسابات سرية في سويسرا وفرنسا وبريطانيا.