كريم شوكري لم يثر التحاق مسؤول معين بمقصورة النادي القنيطري لكرة القدم مثل ما أثارته حيازة البطل العالمي بدر هاري على صك الرئاسة الشرفية التي لاقت تجاوبا جماهيريا منقطع النظير بالقنيطرة و الجهة على حد سواء. لقد أصر مكتب النادي القنيطري على تقديم بدر هاري في حلة احتفالية و بروتوكولية تعطي الإنطباع بأن شيئا ما يخلخل البنيات الراكدة لفريق تأسس في ثلاثينيات القرن المنقضي، دون أن تكلف الأجيال المتعاقبة نفسها عناء تأمين هويته التاريخية من مخاطر التلاشي..ربما ارتأى مسؤولو القلعة الخضراء، انطلاقا من مراسيم تقديم اللاعبين الجدد، التلويح بإشارة قوية إلى استيعابهم لقواعد اللعب الإحترافي التي تقتضي الإرتواء من معين الفكر المقاولاتي المتشح بأحدث المقاربات التسويقية القادرة على تزويد الكاك بوقود ملاحقة نادي الفرق الراسخة في بورصة الكرة الوطنية و القارية. لقد أفلح الوافدون الجدد على برج قيادة الكاك في اقتناص الفرصة و بالتالي استثمار رمزية الصورة التي يتيحها بطل عالمي ذائع الصيت من عيار بدر هاري المتربع على عرش إعجاب الشارع القنيطري و الغرباوي قياسا إلى حظوته الرياضية الكونية.. و ربما وقعت هذه «الطفرة» على مستوى الهندسة الفكرية لبعض صناع القرار بالنادي،لاقتناعهم بأن نفض غبار التسيير الهاوي بات يشكل حتمية لا مناص منها في أفق القفز فوق ألغام الإنتكاسات المتراكمة، لاسيما في ظل احترافية الجماهير القنيطرية الزاحفة ضمن مدارج العالمية التي ما فتئت تطوق مسؤولي النادي برهان اللحاق بسقفها الإحترافي، مع ما يقتضيه الطرح البراغماتي من التعاطي مع هذا الزخم الجماهيري باعتباره أصل تجاري و جب استثماره في تسويق إسم النادي ضمن الوسط الإستشهاري. لكن هل يستقيم اعتبار هذه «الرجة» النسبية تأشيرا دالا على انبلاج فجر جديد داخل أروقة الكاك قوامه احترام علامات تشوير النسق المعياري لكرة القدم الحديثة؟..أضن أن كل رد بالإيجاب عن هذا التساؤل سوف لن يكون سوى متسرعا و فاقدا لبوصلة الروية و الحياد، و ذلك قياسا إلى ثوابت الدرس الكروي المعاصر الذي مافتئ يعلي من شأن المؤشر الأداتي في أجرأة المعايير العلمية للتسيير الحديث. بمعنى أنه لا يمكن تثبيت أركان واقع كروي احترافي سوى بعقل احترافي يجعل من المرجعيات العلمية المؤطرة للحركة الكروية منطلقا و نبراسا للسلوك الإداري اليومي كما المرحلي. فالنادي القنيطري، و استنادا إلى قاعدة البيانات المتوفرة لدينا منذ مواسم عدة، و بالرغم من كل الإيحاءات المتواترة هذه الأيام على نحو متسارع، لا يمكن سوى إدراجه ضمن قائمة الفرق التي لازالت تتلمس المسارب المفضية إلى واحة الإحتراف. و ربما مخاوف البعض و توجس البعض الآخر يكرس استحضار فرضية اقتداء المكتب الجديد بمنطق ذلك الفارس الذي يريد الخطو بسرعة تفوق سرعة الجواد الذي يحمله. لكن الفرضية لا يمكنها حتما أن تكتسي صبغة الحقيقة مادامت تحيل على مرجعية منهجية صرفة. إلى ذلك تتراقص أمامنا في كل وهلة تأملنا واقع الكاك عبر المرآة العاكسة، ثلة من المعطيات السلبية و العابثة بأبسط بيانات التسيير الحامل لعباءة الإحتراف. فمثلا طقوس الجموع العامة لازالت ترتهن لتسويات قبلية و في أماكن قصية، فيما أشغاله تبقى وفية لمنطق الإجماع و التصفيق حتى ولو تعلق الأمر بتقارير أدبية و مالية حبلى بالمفارقات، فضلا عن الجنوح لتحويل النادي إلى علبة أسرار غير متاحة سوى لمن يجيد فروض الطاعة و الولاء. أما تشكيل المكاتب المسيرة فقد كانت و لازالت تراوح عتبة الولاءات و الإملاءات المنبعثة من خلف ستائر هذا الواقع المبتذل، لتكون النتيجة الإشتغال داخل إدارة هجينة يضطر فيها الكفئ و المتمرس للتطبيع مع المتأخر في سلم التجربة و التحصيل الدراسي، مع ما قد يتمخض عن ذلك من تسيب في اتخاذ القرارات و الترامي على المسؤوليات. كما نسجل غياب أدنى ملمح ينبئ بوجود فلسفة تواصلية بالمعنى و المبنى تقطع مع غواية التواصل المزاجي و المتشنج الناتج عن تهافت عديمي الخبرة و خريجي «معاهد» الفقر الفكري و المعرفي. لقد سمعنا من الرئيس الجديد محمد الحلوي أشياء تبعث على التفاؤل، و تحدث لنا يوسف شيبو عن مشروع مندمج لتأهيل النادي القنيطري تقنيا و إداريا، ثم اطلقها من بعدهما بدر هاري مذوية: «سنعمل على إيصال الكاك إلى وضع غير مسبوق..»..و عليه نأمل أن تكون هذه الدينامية مشفوعة بمنظور واقعي يشتغل بموجب منطق التجاسر بين المشروع المؤسس على أفكار و براديغمات و بين أدوات تفعيل هذا المشروع التي لا يمكن أن تتبلور بمنأى عن إرادة و جاهزية العنصر البشري..فلا يمكن تغيير الوضعية إلا بتغيير العقلية.