بعد المضايقات التي تعرضت لها جمعية الطليعة وإغلاق جريدة الأساس بقرار من الجنرال أوفقير، سيفكر محمد بصير ومحمد أحمد باهي، بمنطق شباب تلك الفترة، في كيفية تحرير الصحراء وتحريك الشباب فيها أمام الفتور الذي كان رسميا في التعامل مع قضية الصحراء آنذاك. كان الاحتلال الإسباني يزيد يوما عن يوم من محاولاته فصل الصحراء عن المغرب وضرب الهوية الثقافية وروح الانتماء، يحكي محمد أحمد باهي في كتاب «آخر معارك التحرير في الصحراء المغربية»، الذي أصدره قبل المسيرة الخضراء واصفا الأوضاع التي سبقت قراره رفقة محمد بصير بالانتقال للصحراء من مدينة الدارالبيضاء «اجتمعت لجنة إسبانية مكونة من الأميرال «كاريلو بلانكو»، الوزير الكاتب برئاسة الحكومة عام 1960، والجنرال «دياز دوفيكاس» الحاكم العسكري للصحراء والسنيور «كاستيلا» في 16 أبريل 1960، وأعدت هذه اللجنة قانونا خاصا بالصحراء سمح بوجود ممثلين عن الصحراء المحتلة في مجلس «الكورطيس» الاسباني ومنح الجنسية الإسبانية لجميع الصحراويين وفتح باب الهجرة الأوربية إلى مدن الصحراء، وكان الهدف هو إلحاق المنطقة بإسبانيا كليا»، آخر معارك الصحراء ص 50،51. ويضيف محمد أحمد باهي واصفا الأجواء في كتابه الأول الخاص عن «انتفاضة 17 يونيو 1970 في الصحراء المغربية « الذي أصدره سنة 1974، وينقل تفاصيل الأحداث نقلا عن جريدة الجنوب في عددها الأول بتاريخ 4 غشت 1962 حول أحداث الصحراء وثوراتها: «إن محاولة الاستعمار الاسباني لاختلاق شبه دويلة صورية في الصحراء ما هي إلا محاولات فاشلة، لقد حاولت اسبانيا في السنة الماضية 1961 إنشاء هذه الدويلة في الصحراء فجمعت وفدا يتألف من اثني عشر رجلا يمثلون جل قبائل الصحراء التي تحت نفوذها، وأرسلتهم إلى مدريد ليتفاوضوا مع المستعمرين هناك في شأن الصحراء المغربية، ولكن الوفد سرعان ما انتبه إلى أنها مكيدة استعمارية يريد الإسبانيون من ورائها تكوين أندلس جديدة في قلب الصحراء، فرفضوا الكلام في الموضوع من الاسبانيين ورجعوا إلى بلادهم يحملون معهم معلومات جديدة عن الخطر الذي يدبره لهم الإسبان»، لم تكن الأحداث لتمر دون ردود فعل وهو ما تستمر الجريدة ذاتها في نقل وقائعه، «وقد أبلغت الحكومة المغربية آنذاك الحكومة الاسبانية خطورة وعدم مشروعية ما أقدمت عليه، وهذه المحاولة الثانية لم تفت على المواطنين هناك فقد كونوا جماعة من المقاومين الفدائيين وهاجموا مراكز الشركات الاسبانية وأسروا جميع المسيرين للمناجم، وهاجم المواطنون جيش الاحتلال علانية واشتبكوا معه رغم قلة سلاحهم وقد أسفر الاشتباك عن مقتل خمسة جنود من جيش الاحتلال، وجرح أحد عشر مواطنا كما سيق إلى السجن خمسة عشر آخرين» محمد أحمد باهي انتفاضة 17 يونيو 1970 بالصحراء المغربية ص 22 ، 23 . كان القرار كفيلا بإثارة غضب السكان الذين احتجوا بشدة على محاولة فصلهم عن المغرب، وهي الاحتجاجات التي دفعت الأممالمتحدة إلى إصدار توصية رقم 1514 التي نصت على تصفية الاستعمار في المناطق المستعمرة، حيث يؤكد باهي أنه تم السماح لممثلي الصحراء بالتعبير عن آرائهم بالأممالمتحدة بعدما تحولت القضية إلى الأممالمتحدة ولجنة تصفية الاستعمار سنة 1966م، ستصدر إسبانيا بعد ذلك قرارا ثانيا لا يقل أهمية عن قرار التجنيس، وهو قرار إجراء انتخابات في الأقاليم الصحراوية «أصدرت الحكومة الاسبانية بتاريخ 1 يناير 1967 قرارها رقم 137 يقضي بإجراء انتخابات في الصحراء لتأسيس جمعية محلية أو مجلس تشريعي» انتفاضة 17 يونيو 1970 بالصحراء المغربية ص 22.و«واجه أبناء الصحراء كل محاولات اسبانيا انطلاقا من عام 1960، إلى عام 1968، بمزيد من التحدي والتمرد، وذهب ضحية ذلك عشرات الشبان والرجال والنساء، وعاثت قوات العدو فسادا في الأرض وفي الناس، وأجريت الانتخابات المزعومة في جو مشحون في 11 شتنبر 1968، وعين السنيور «بانكوس» الحاكم الاسباني في العيون كاتبا عاما لهذا المجلس برئاسة صيلا ولد عبيدة العربي الصحراوي، ومن أغرب الغرائب أن يطالب هذا المجلس بالوحدة مع اسبانيا، وعندما سافرت الوفود الصحراوية إلى الأممالمتحدة من المغرب وموريطانيا ومن الجمعية المزعومة للصحراء انضم عدد من الأعضاء من الوفدين السالفين لوفد المغرب أعلنوا مغربيتهم ووطنيتهم الحقة وتشبثهم بوطنهم الأم .. وكان سليم بن عبد الله أحد أعضاء الجمعية المزعومة الذي علق على تدخله أحد الأعضاء في الأممالمتحدة بأنه أغرب ما سمع به في التاريخ وهو شعب يريد الاستعمار، ومنهم أحمد ولد البشير وهو عضو الكورطيس وسيدي مصطفى عضو الجمعية، ومن قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة قرر جميع الأعضاء بعد تدخل المندوب المغربي طرد الوفد وخرج أعضاؤه بخيبة مريرة وندم كبير، وخاب ظن إسبانيا في الأممالمتحدة وفي وفدها المزيف وواجهت مرة أخرى ثورة الأحرار في الصحراء»، انتفاضة 17 يونيو 1970 في الصحراء المغربية ص 23 و24. عجلت الأحداث التي كانت تموج في الصحراء بقرار انتقال محمد بصير إلى الأقاليم الجنوبية في انتظار أن يلتحق به محمد أحمد باهي للم شتات الصحراويين وتوحيد جهودهم في مقاومة المستعمر وخوض معركة الاستقلال من أجل توحيد شمال المغرب بجنوبه، بعدما «شعر الصحراويون المقيمون في الجزء المحرر أن الواجب المقدس ينادي الجميع، وأن توعية الناس وخوض المعركة إلى جانبهم أصبح أمرا لا يقبل الاختيار، وهكذا غادر المغرب في نونبر 1967 م بصير محمد ولد سيدي ابراهيم الركيبي متوجها إلى العيون، وكان ذلك بداية خطوة جديدة في تاريخ الصحراء النضالي والتحرري، غير كل المفاهيم والعقليات، وضرب قوات العدو ضربة قوية وأسمع صوت الصحراء في العالم»، انتفاضة 17 يونيو 1970 في الصحراء المغربية ص 24 ، يحكي محمد أحمد باهي «في نونبر من سنة 1968، حل بمدينة الدارالبيضاء السيد المرحوم مولاي علي ولد سيدي ابراهيم بصير شقيق محمد بصير، قادما من مدينة السمارة حيث كان يقيم هناك هو وعائلته، لقاءاتنا بالسيد مولاي علي أوحت لنا بتنفيذ ما كنا نخطط له منذ شهور بعد تأسيس جمعية الطليعة ومجلة الشموع، وانتقلنا إلى التفكير الجدي في الالتحاق بالصحراء وتشكيل الخلايا والتنظيمات السرية ومواجهة الاحتلال الاسباني سلما أو حربا»، محمد بصير أقدم سجين في العالم ص35 .