عندما أصبح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك مغرما بمدينة تارودانت، كان قصر «الغزالة الذهبية» المكان الذي يقضي فيه أجمل اللحظات، الأمر الذي دفعه إلى تدوين ذلك في الكتاب الذهبي قائلا «إن البقعة التي بني عليها هذا القصر بقعة حظيت برضى الله تعالى وجمعت كل الناس من مسيحيين ومسلمين...». قصر الغزالة الذي تم تدشينه بداية الخمسينيات من القرن الماضي بمدينة تارودانت من طرف أحد البارونات الفرنسيين كان قبلة لكبار الشخصيات من عالم السياسة والاقتصاد والمخابرات الدولية. وراء أسواره العالية نسجت قصص أقرب إلى الخيال. أغرم به نجوم هوليود، ووجد فيه كبار رجالات الدولة البريطانية مكانا يستريحون فيه من عناء قيادة العالم. كما شهد نقاشا بين أمراء سعوديين وسياسيين فرنسيين حول حرب الخليج بداية التسعينيات، وكان وجهة لضيوف الحسن الثاني المميزين. قضى به محمد السادس أياما وصفها بالجميلة في طفولته الأولى، وعندما زارته الأميرة للاسلمى أبدت إعجابها بسحر المكان، وكتبت بأن الزمن توقف بهذه البقعة من الأرض. في هذه السلسلة سنحكي بعضا من القصص التي شهدها هذا القصر، الذي تحول مع مرور الزمن إلى معلمة وطنية تلعب أدوارا كبرى في الديبلوماسية الدولية، وتخفي وراء غرفها المحدودة أسرار السياسة الدولية. كان جاك شيراك من أكبر عشاق «الغزالة الذهبية» والاسم الوحيد الذي تكررت زياراته مرارا حتى تحولت إلى تقليد سنوي، حيث إن جاك شيراك يفضل أن يقضي ليلة أعياد السنة الميلادية في هذا القصر، وكانت مدينة تارودانت تشهد حالة استنفار عندما يحل جاك شيراك بها، كما كانت زياراته محط اهتمام الرأي العام المحلي، حيث نسجت العديد من القصص حول سر ارتباط جاك شيراك بمدينة تارودانت، خاصة أنها مسقط رأسه، حسب بعض الشهادات. في أحد أيام سنة 1985 قصد الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، قصر الغزالة من أجل تناول وجبة غذاء رفقة ابنته «كلود»، حيث كان ساعتها عمدة للعاصمة الفرنسية باريس، وبعدها أخبر القائمين على الفندق بأنه سيكرر الزيارة مبديا إعجابه الكبير بالمكان. وفي سنة 1987 عاد جاك شيراك مرة أخرى إلى تارودانت وإلى قصر الغزالة الذهبية وذلك بعد أن تلقى المشرفون على الفندق مكالمات هاتفية من السفير المغربي في باريس يوصي بجاك شيراك خيرا وبأنه يجب أن يحظى بالاهتمام اللازم، خاصة أن كل التوقعات ساعتها تقول بأنه سيفوز في الانتخابات الفرنسية. اغتنم شيراك فرصة وجوده في تارودانت من أجل التحضير للحملة الانتخابية الأولى، حيث قام بالتقاط الصور التي وظفها في الحملة بأحد المواقع الموجودة بقصر الغزالة الذهبية وهو ما ظهر بعد ذلك في مجلة «باري ماتش» في الصفحة الأولى رفقة زوجته وتظهر في خلفية الصورة القلعة المطلة على قصر الغزالة الذهبية، إلا أنه لم يحظ بالفوز في هذه الاستحقاقات الرئاسية، وتمت إعادة انتخاب الرئيس « فرنسوا ميتران» لولاية ثانية. إضافة إلى كون شيراك قد أغرم بهذه البقعة من أرض تارودانت حاضرة سوس، كما تنعتها كتب التاريخ، فقد كان أيضا من بين الشخصيات الفرنسية التي تحظى باحترام وتقدير الملك الراحل الحسن الثاني، حيث مرت العلاقات الفرنسية المغربية بأزهى فتراتها خلال الولايتين الأولى والثانية، اللتين تولى فيهما جاك شيراك مقاليد الجمهورية الفرنسية. ومن العادات التي عرفت عن جاك شيراك خلال إقامته بفندق الغزالة الذهبية أنه كان يقصده عندما يكون في حالة إرهاق تام بحيث يبقى المكان فضاء لاستعادة نشاطه من جديد، يستيقظ على الساعة السادسة صباحا من أجل ممارسة الرياضة التي عادة ما كانت المشي في أرجاء هذا القصر، وبعد ذلك يتفرغ للإطلاع على الملفات والقضايا التي تحال عليه من طرف ديوانه، وينشغل بعدها بالقراءة. وكانت الكتب التي يقرؤها غالبا ما لا تخرج عن كتب التاريخ حيث عرف عنه ولعه الشديد بالتاريخ والأحداث التاريخية، كما كان مهتما بالكتب التي تتحدث عن الفنون الجميلة، بسبب اهتمامه الكبير بالفن التشكيلي. وعند حلول وقت الغذاء كان يفضل الأكل المغربي المتمثل في «البسطيلة» و«الشواء» وكان لا يتوانى في إظهار إعجابه الشديد بالطبخ المغربي، إذ كان من العوامل التي تحبب إليه المكان، وابتدأ من سنة 1987 تحولت زيارته إلى زيارات سنوية حيث اعتاد الاحتفال بالسنة الجديدة في فندق الغزالة الذهبية. وعندما كان جاك شيراك يوقع في الدفتر الذهبي لقصر الغزالة الذهبية، كان يختار من العبارات الأكثر قوة والأكثر عمقا ودلالة، حيث قال في واحدة من شهاداته إن الأرض التي بني عليها قصر الغزالة الذهبية أرض نالت رضا الله تعالى، خاصة أنها جمعت بين عباده المسيحيين والمسلمين، وغيرها من عبارات الشكر والتقدير التي دبجت بها صفحات الكتاب الذهبي، كما أنه كان من أكثر المعلقين في هذا الكتاب، حيث تكررت تعليقاته أكثر من مرة، وكان في كل مرة يبدي ارتياحه لمستوى الخدمة والفضاء، حيث إن كافة زياراته كان يتم خلالها توطيد العلاقات بين المغرب وفرنسا، وكان يستغل فرصة وجوده من أجل تبادل الآراء في بعض الملفات العالقة، الأمر الذي جعل ارتباطه بقصر الغزالة الذهبية ينعكس على بعض الملفات المرتبطة بالعلاقات الفرنسية المغربية، مما يظهر الآثار التي كانت للغزالة الذهبية على مستوى الديبلوماسية الدولية، حيث كانت تنسج خيوطها في أرجاء هذا القصر، كما كان فرصة لكبار السياسيين للتأمل في مآل بعض القرارات على المستوى الدولي.